اراء و مقالات

لماذا «لا نحلي» في العقبة؟… صورة العراب «جون كيري» ألهبت ذكريات الغاز المسروق عند الأردنيين

عمان – «القدس العربي» : سياسياً فقط يمكن فهم الأسباب التي تدفع مسؤولاً متقدماً في الصف الاستشاري الأردني، بعد جهوده في الكواليس بإنتاج مشهد الاتفاقية التطبيعية الجديدة مع الإسرائيليين، لطرح سؤال بالصيغة التالية على الأردنيين الغاضبين ومؤشرات حراكهم الشعبي: ما بالكم يا قوم.. كيف تعترضون على توقيع خطاب نوايا لاتفاقية يفترض أن تنتهي بتوفير ما كميته 200 مليون متر مكعب على الأقل للبلاد والعباد و»مجاناً»؟
جال أحدهم مستثمراً في ثقة بمؤسسة سيادية وسط نواب البرلمان، طارحاً للسؤال في محاولة لمنع انعقاد «جلسة مناقشة عامة» بخصوص ملف التطبيع المائي.
يبدو سؤالاً منطوياً على بعض الوجاهة عندما يتعلق الأمر بحالة استنكار نتجت عن تكريس وتكديس ثقافة الإنكار وسط النخبة الفاعلة ما بين رئاسة الوزراء ثم موظفي الديوان الملكي، حيث العمل على الملفات أحياناً بالقطعة وأحياناً أخرى دون تشاور أفقي مركزي جماعي. لكن وجاهة السؤال تصبح أعمق إذا أعقبه سؤال إداري ذاتي آخر هو الأهم: أين الخلل والتعثر والخطأ؟
طبعاً في ظل موازين القوى بالعالم والإقليم، وفي ظل الحقائق والوقائع الرقمية التي تقول بأن الأردن من أفقر 10 دول في العالم بنسبة المياه، يصبح الحديث عن اتفاقية ما، ولو مع الشيطان، تضمن الأمن المائي المحلي إنجازاً مفترضاً ينبغي أن يحفل به الشعب بدلاً من الخروج إلى الشارع تنديداً به، مع أن الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، قالها باختصار ووضوح ومن الآخر وأمام «القدس العربي» مؤكـداً أن ما ينبغي أن يفهمه ويعرفه اللاعبون في طبقات الحكم والإدارة العليا هو أن الشعب الأردني ضد إسرائيل والتطبيع.
هنا حصرياً يحب العضايلة إضافة عبارة «حتى لو جاع وعطش». وفي بعض التفاصيل يطرح المعارض المعروف سؤالاً طرحه بعض رموز السلطة والقرار: إذا كان الشقيق الإماراتي يريد مساعدة الشعب الأردني في توفير المياه، فلماذا لا يدعم إنشاء محطة لتحلية مياه البحر الأحمر؟
حتى بالنسبة لوزير المياه سابقاً والخبير الكبير الدكتور حازم الناصر، فإن التحدث عن تحلية مياه على شواطئ المتوسط المحتلة ونقلها صالحة إلى الأردن لا يبدو واقعياً.
لكن السؤال دوماً يتجدد: ما الذي دفع الأردنيين وبغضب للخروج إلى الشارع رفضاً لاتفاقية المياه الجديدة مع الإسرائيليين، مع أن وزير المياه محمد النجار والمستشارين الذين دعموا سفره إلى دبي خلف الستارة والكواليس، كانوا يعتقدون بأنهم يؤمّنون للشعب الفقير المعترض الآن، حصة معقولة من المياه؟
مجدداً، لا يعرف هؤلاء مسألتين:
الأولى أن الشعب الأردني بمختلف مكوناته، ليس فقط ضد إسرائيل، ولكنه لا يجد ولو مكسباً واحداً، نتج عن اتفاقية وادي عربة برمتها. وثانياً أن المواطن الأردني، ومع حرص السلطات على سرية العمل وتكتم الاتصالات، بدأ يثق بالمعلومات التي يستقيها من صحافة العدو الإسرائيلي فقط. وعندما يتعلق الأمر بالجدل الذي رافق اتفاقية دبي مؤخراً، كانت صحافة إسرائيل بطلاً من نجوم إنتاج المشهد الداخلي الأردني الآن بعدما تغذت وتسمنت رواياتها للحدث على سلسلة لا متناهية من الأخطاء التكتيكية والمهنية والفنية التي ارتكبها طاقم وزارة المياه، وقبل ذلك من أرسلوه إلى دبي، والتي ارتكبها لاحقاً طاقم الإعلام الرسمي.
ليس سراً هنا أن صحافة إسرائيل كانت تغرق الأردنيين بتسريبات عن اتفاقية الكهرباء والماء الأخيرة، على مدار أسبوعين، فيما كانت حكومة الأردن إما تصمت أو تنفي، الأمر الذي أسهم في إلهاب المشاعر عند الشارع الأردني ومراكمة بعض الأخطاء بصورة زادت الأمر سخونة.
لكن الأهم في مسلسل الأخطاء هو الذاكرة القصيرة التي تؤسس لفصام السؤال السياسي عند المسؤولين، فأي منهم لن ينتبه مبكراً إلى الصورة التي التقطت لتوقيع اتفاقية دبي التطبيعية، فالرجل الواقف بين وزيرين، أردني وإسرائيلي، وإلى جانب المضيف الإماراتي، هو من أبرز الشخصيات الأمريكية التي تلاعبت بالأردنيين لسنوات في الماضي القريب. وهو وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، البطل المتوج لاتفاقية الغاز الإسرائيلي المسروق والمنهوب، على حد تعبير الناشط السياسي الشيخ محمد خلف الحديد.
في وجدان الأردنيين، يعدّ جون كيري لاعباً لعوباً في السياسة، ورعايته لاتفاقية دبي تدفع الأردنيين للارتياب، ورواية حكومتهم تأخرت وماطلت حتى أصبح الحديث عن مكاسب حصة مياه مجانية أقرب إلى صوت مخنوق سياسياً وإعلامياً وجماهيرياً وسط إيقاع صاخب فرضته صحافة العدو، وكان عنوانه هذه المرة «الأداء الفاشل لموظفي القمة في الأردن». وللأردنيين عموماً ذكريات دائمة ومستقرة مع كل قصص ووقائع الأداء الفاشل لمن يعهد لهم مسؤولية إدارة مصالح الشعب الأردني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى