اراء و مقالات

«ملاكمة» نواب ومستثمري الأردن: الميكروفون مجدداً في حضن «الشعبوية» وتبادل لـ«دراما الاستقواء»

 يعود عضو مجلس النواب الأردني المشاكس أسامة العجارمة، إلى واجهة المشهد الإشكالي وهو يدلي بخطاب جديد بعد حادثة المصنع الشهيرة، وبصيغة تغرق الصناعيين والمستثمرين بسؤال الاستثمار وعقباته مجدداً.
مضمون خطاب النائب العجارمة يتشكل ضمن مسارات نقاش للميزانية المالية في محاولة للإيحاء بأنه، وما ومن يمثله، أصبح هدفاً لقوى ضغط استثمارية وصناعية تحاول الإفلات من مسؤوليتها الاجتماعية وفي ظرف معقد وحساس. أغلب التقدير، سياسياً وإعلامياً، بأن النائب الذي اتهمه أحد المستثمرين باقتحام مصنعه خارج إطار القانون وطالبت غرفة صناعة العاصمة بوضع حد لتجاوزاته، لا يخطط لأكثر من تجنب عقوبة سلوكية من اللجنة القانونية تحت ستار الاهتمام المرجعي والعلني بمدونة السلوك.
يعني بذلك عملياً أن العجارمة يتصرف باعتباره في الموقف السليم، فيما يتهامس المستثمرون والصناعيون وينظمون مشاورات تحت عنوان الاستقواء على القطاع الخاص في مرحلة صعبة.
يبالغ الطرفان بالتأكيد في تضخيم حادثة المصنع، فالنائب المشار إليه معني قبل أي شيء آخر بأن لا يوضع تحت منصة الاتهام، والمستثمرون في القطاع الصناعي بدورهم معنيون بعدم تمرير الحادثة حتى لا يتحولوا إلى هدف لاحقاً لكل النواب والحراكيين في مناطق تضم استثماراتهم.
لا تفعل الحكومة شيئاً لاحتواء هذه الملاكمة السياسية، فالعجارمة عاد لطرح شعار «أكلت يوم أكل الأسد الأبيض» وزميله حازم المجالي سانده علناً. والمشهد رغم أن الحادثة صغيرة وفردية، بدأ يتدحرج وبتفسخ إلى مواجهة على شكل ملاكمة يمكن أن تتطور لاحقاً بين خصمين، الأول يمثل نواب الشعب ويتصور بأن رأس المال والقطاع الخاص يستقويان على المجتمع.
والثاني يمثل المستثمرين والصناعيين، وبدأ يعتقد بأن بعض زعامات الشارع تحاول بدورها الاستقواء على القطاع الخاص ورأس المال.
تلك إشكالية ما كان ينبغي لها أن تتدحرج إلى هذا المستوى، مع أن رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، تحدث بالتفصيل مع «القدس العربي» أثناء برمجة زيارة له لغرفة الصناعة، كانت فكرتها -كما شرح- التعامل مع حادثة فردية ستعالجها لجنة القانون سلوكياً وتحقق فيها دون الحاجة لمزيد من الإثارة والضجيج.
لجأ المستثمر صاحب المصنع أصلاً إلى القضاء، ولجأ إلى القضاء أيضاً شابان يمثلان أهل المنطقة ويناصران النائب، فيما أحيل ملف الواقعة إلى اللجنة القانونية، الأمر الذي يؤدي إلى طرح تساؤلات عن مبررات التصعيد الفردي في النتيجة، فصاحب المصنع ظهر على إحدى الفضائيات المحلية، واستفز كثيرين بالحديث عن «زعرنة» وتسبب لنفسه بشكوى قضائية.
والنائب العجارمة عاد من بوابة نقاشات الميزانية المالية في وصلة درامية إضافية، من الواضح أنها تهدف إلى شرح وجهة نظره أولاً، وثانياً لتجنب مزالق أي عقوبات سلوكية بعد الأنباء التي تحدثت عن وصول ملف المسألة برمتها إلى القصر الملكي.
لافت جداً أن الحكومة لم تعلق على مسار الأحداث، ولا أي من السلطات الأخرى. لافت جداً أيضاً أن تلك الملاكمة البائسة والمضرة «صمت» عليها وسمح بها.. هل يحصل ذلك قصداً وفي سياق إظهار العيوب المبكرة عند بعض النواب أو تشويه سمعة المجلس؟ ولا أحد يملك إجابة صريحة على سؤال من هذا النوع الآن، فالانتخابات وبإقرار ذراع الدولة الحقوقي الرسمي أصلاً شابها عيب، والمجلس النيابي -حسب العودات- سيد نفسه، وأي سيناريو يفترض نوايا مسبقة لتقصير عمر المجلس معلب وليس في الوارد واجتهاد في المكان الخطأ، كما أبلغ العودات «القدس العربي».
ليس من مصلحة أحد تبادل الاتهام بالاستقواء بين رموز القطاع الخاص ورموز مجلس النواب. وقد لا يكون من مصلحة أحد أيضاً الاندفاع في المبالغة الإعلامية درامياً بعد خلاف صغير بين مستثمر كبير ونائب جديد في البرلمان، فيما قضية وواقعة هذا الخلاف بين يدي القضاء، حيث لا يجوز نقاشها هنا، لا تحت قبة البرلمان ولا في الإعلام.
لكنها في كل حال، ملاكمة يمكن الاستغناء عنها في ظرف اقتصادي معقد ومعيشي أكثر تعقيداً حتى لا تتطور مجريات النقاش. وإن كانت مواجهة تعكس أزمة حوار اقتصادي فعال، فالقطاع الخاص يشتكي ويتضجر من بداية أزمة كورونا، والشارع قلق وخائف على ما تبقى من وظائف للناس، والرؤوس أكثر ميلاً للسخونة، والإشكالات البسيطة الفردية يمكن أن تتطور، والجميع متوتر، والإنشائيات الدرامية بالجملة، والحكومة تغيب لفترات أطول مما ينبغي عندما يتطلب الأمر الاختراق أو الاحتواء. جزء من ذلك له علاقة بأزمة الأدوات المستقرة في بنية النخبة المحلية.
وجزء منه له علاقة بالتأكيد بغياب ثقافة الحوار العقلاني الهادئ بين رموز القطاعات والمؤسسات، وفي الاعتماد على ما يشبه دوماً «حوار الطرشان» الذي قد يصلح للتعايش معه، برأي خبير ومستثمر ورجل أعمال مثل ياسر الحنتولي، عندما يتعلق الأمر بالسياسة أو خلافات التشريعات، لكنه لا يصلح لأي تعايش عندما يتعلق الأمر بالاستثمار أو القطاع الخاص، فالتفاصيل هنا رقمية، وأي حوار ينبغي أن يستند إلى العلمية والدقة.
وأجواء الثقة ومناخ التفاعل والتشاور -برأي الحنتولي- هي أساس العمل بين القطاعين العام والخاص.
قد تتوه مثل هذه الحقائق عندما يسمح بالميكروفون الشعبوي بين يدي نائب جديد وشاب وطموح ومشاكس يبحث عن الأضواء، أو بين يدي رجل أعمال ومستثمر يستطيع ببساطة مغادرة كل تقاليد الابتعاد عن الأضواء والمشاركة في حفلة الشعبوية الإعلامية.
تلك في كل حال مواجهة تحتاج إلى تدخل جراحي وسريع، والأهم قد تكون -سياسياً- أقرب إلى العشب الضار الذي يمكن الاستغناء عنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى