اراء و مقالات

من يضلل من؟… حوار الإصلاح الأردني بعد «الفتنة»: تغليف وتعليب و«إملاء» قبل الجلوس والتشاور

عمان – «القدس العربي» : توقُّف الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في الأردن، الشيخ المهندس مراد العضايلة، عند مفردة «الإملاء» التي وردت في مقال للكاتب الصحافي المقرب من السلطات فهد الخيطان، له ما يبرره عملياً؛ فحزب «جبهة العمل الإسلامي» ومنذ أشهر وأسابيع يقف عند مسارات الأحداث والإشكالات التي تحصل في البلاد عند جملة وطنية منضبطة، قوامها الإصلاح الوطني الشامل والعميق وضمانات أي حوار سياسي إصلاحي جديد.
بوضوح، عكس مقال الخيطان مزاجاً ما في أروقة القرار والدولة، يعمل في حال الاستنتاج السياسي على الحد من ضمانات أي حوار
إصلاحي يمكن أن يبدأ لاحقاً تحت عنوان مسارات الإصلاح الثلاثية في الاقتصاد والسياسة والإدارة.
على مجموعة تواصلية تديرها «القدس العربي» توقف الشيخ العضايلة عند مضمون الرسالة لمقال الخيطان، الذي كان عملياً بدوره يحذر من انتهازية محتملة ضمنياً تعتقد بإمكانية إملاء شروط الحوار السياسي والإصلاح على بقية الأطراف.
قد تكون في مسألة تنميط الحوار السياسي والاتجاه الذي ينبغي أن تذهب نحوه فكرة التيار الإسلامي قبل ودون غيره هي الأكثر ثباتاً وصلابة في الأردن حتى بعد أحداث الثالث من نيسان الأخيرة وبروز سيناريو المؤامرة والفتنة ومخطط زعزعة أمن البلاد واستقرارها.
ما يقوله العضايلة ورفاقه في الحركة الإسلامية لا مجال للغموض والالتباس فيه، ولا علاقة له عملياً بأي محاولة لإملاء شروط بعيداً عن كل تنميطات الانتهازية السياسية، فالإسلاميون وغيرهم من القوى التي تنادي بقفزات إصلاحية عميقة تناسب التحديات وتحتوي التجاذبات الاجتماعية، يركزون في أدبياتهم وبياناتهم على حوار حقيقي وجاد وفي كل الملفات، ثم على وقف التغول الأمني، وثالثاً على توفير ضمانات لنتائج وتوصيات الحوار. تلك مواقف واضحة وثابتة.

مزاج الخوف

لكن ما يصدر عن السلطات الرسمية يعكس مزاج الخوف من تنازلات إصلاحية كبيرة بعد ظهور ملامح الشرخ في قضية مخطط الفتنة التي تتابعها الآن السلطات القضائية، وبالتالي يمكن الاستنتاج حقاً بأن مراكز القرار وأقنيته متوجسة من كلفة وفاتورة تدشين حوار سياسي وطني متأخر نسبياً مع قوى الخارطة في الواقع الاجتماعي بعد تداعيات أزمة الفتنة، والتي لا يمكن إخراجها من الحسابات.
يمكن القول بأن مقال الكاتب الخيطان التقط المسألة، وحذر ضمنياً من إمكانية شعور بعض قوى المعارضة، والواقع بأن مرحلة إملاء الشروط قد تكون بدأت. ومثل هذه المرحلة ينفيها في الواقع أيضاً بدلالة قاطعة صدور نفس الموقف الثابت عن أكبر أحزاب المعارضة تحديداً طوال الوقت في مواجهة ملف الإصلاح والحوار وقبل أشهر من قصة الفتنة.
واضح أن العقل السياسي في الحركة الإسلامية الأردنية قرر الحياد التام في مسألة الفتنة وتجنب حتى التعليق عليها.
والأوضح، بالتالي، أن أبرز قوى المعارضة الشرعية الوطنية قررت أن لا تعتبر نفسها معنية بأي تجاذب أو خلاف وليس طرفاً في الشروخات والأزمات الناتجة عن العملية الأمنية التي وأدت الفتنة في الثالث من نيسان الماضي.
في المقابل الجناح التأزيمي أو المصر على التأزيم مع الإسلاميين وقوى المجتمع، يجتهد الآن في تخيل وجود قوى تتربص بالدولة على أساس تداعيات الفتنة والجائحة الصحية والاقتصادية، في تكهن لا يوجد ما يسانده على أرض الواقع؛ لأن قادة وأطياف المعارضة الآن بعيدون عن الحراك الشعبي وعن رعاية أو تسمين أو حتى إظهار إعجاب من أي نوع بالهتافات الحارة والحادة التي تصدر عن غاضبين في المجتمع.
بمعنى، لا أدلة أو قرائن على سعي المعارضة الحزبية الأساسية لابتزاز الدولة بعد أحداث الفتنة بقدر ما توجد مساحات مشتركة اليوم ينصح بها حتى رجال الدولة والخبراء على أساس حوار عميق وأفقي يعزز المؤسسات الدستورية الرديفة التي تسند مؤسسة العرش، وهي تعبيرات وردت على لسان سياسيين كثر تحدثوا مع القصر الملكي مؤخراً في سلسلة الإصلاحات وبوجود رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وبينهم عبد الرؤوف الروابدة، وطاهر المصري، ومازن القاضي، ومحمد الحلايقة، وآخرون.

«إعاقة مشروع الإصلاح»

لا أحد على الأقل في خريطة القوى الفاعلة العميقة ذات الخبرة، يلمح لاستثمار أزمة الفتنة حتى عنوان شروط، أو لإملاءات.
ولا أحد لديه دليل على حصول ذلك، لكن نطاق النصيحة وتأطير وصفة الاحتواء اتسع مؤخراً، والانطباع بعد تلك الفتنة التي وئدت قوي ومتماسك بأن فاتورة الإصلاح المطلوب زادت وعلى أساس أن ما أعلن عنه من تفاصيل الفتنة صادم وغير مسبوق وفاجأ الجميع، كما أكد مباشرة لـ«القدس العربي» لاعب سياسي عتيق هو الدكتور ممدوح العبادي.
حتى خصوم الإسلاميين سياسياً، مثل العبادي أو غيره، يعتقدون بأن حجم الصدمة في ملف الفتنة إياه أكبر بكثير من أي محاولة الآن لتنميط وتعليب وصفات الإصلاح، فالأردن قبل الثالث من نيسان/ابريل – سياسياً على الأقل – لم يعد هو نفسه بعد ذلك التاريخ؛ فالجيش هو الذي أعلن عن فتنة تم وأدها قبل ركوب الحكومة الموجة.
يعني ذلك ببساطة أن بعض قوى الأمر الواقع بدأت تتحرك لإعاقة مشروع الدمج الإصلاحي الواسع، عبر فرض شروط وإملاءات على حوار وطني لم يعقد بعد، وبذريعة رصد انتهازية محتملة تحاول فرض الإملاء والشروط على الدولة ومركز القرار.
تلك لعبة مستجدة بأبعاد تضليلية قررت بعض النخب خوضها لمنع أو قمع حصول حوار حقيقي في مسلسل تخويف لا ينتهي، لكن جرعته زادت بعد الفتنة وبصورة أقرب إلى مزاعم وادعاءات بوجود قوى أو شخصيات يمكن أن تنظر لمتطلبات الحوار السياسي بعد الآن على أساس أن الدولة أصبحت أضعف بعد الفتنة، الأمر الذي يخالف الواقع؛ لأن الدولة أقوى اليوم بعدما برزت مفاهيم التحكم والسيطرة وتم وأد الفتنة. هو سباق بين جهات وأشخاص داخل الدولة لتعليب وتغليف حوارات ينتظر الجميع انطلاقها.
وقد لمست «القدس العربي» من الرئيس الخصاونة مباشرة، ومن رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، معاً، نوايا فتح أبواب الحوار الإصلاحي في مسارات السياسة والاقتصاد والإدارة.
لكن وسط هذه النوايا نغمات تبدو قلقة من أن ينتج عن الذهاب لحوار سياسي إصلاحي عميق رسائل سلبية أو مشوشة لها علاقة بالفاتورة والتنازلات، وهي عناصر قلق طبعاً يمكن تبديدها بكل بساطة دون فرض أي طرف في الحوار المزمع لأي شرط أو إملاء، وإن كانت فعاليات هذا الحوار لم تظهر بعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى