اراء و مقالات

نضوج أم «تبديل عقيدة»؟ الأردن: النقابات والأحزاب والجسم المدني بين الحذر والتشكيك

عمان – «القدس العربي» : هل تغيرت المعطيات حقاً؟ سؤال مطروح بقوة الآن في المشهد السياسي الأردني العميق وحصرياً من شرائح بقيت تشكل طوال عقود في المجتمع ذلك المخزن الذي يرفد الدولة أو يخفف عنها وطأة الضغط. نتحدث هنا عن شرائح الحزبيين والنقابيين ومؤسسات المجتمع الأهلي، خصوصاً في تعبيرها الاقتصادي والتجاري.

نمط من «الانقلاب التدريبي»

تلك شرائح هوجمت بقسوة وبغلاظة ولأكثر من عقدين زمنيين تحت وطأة سعي المؤسسات الرسمية للسيطرة والتحكم وتم التدخل في كل المعطيات التي أدت إلى استنساخ محاولات الهندسة في مؤسسات الجسم النقابي والجسم الأهلي وقبل الجميع الضرب الموجع للأحزاب السياسية الوطنية. «تغيرت المعطيات الآن ولدينا فرصة للمضي قدماً».. هذا ما يمكن فهمه من رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، وهو يحاول تبشير الأردنيين بالوثيقة التي أشرف مع لجنة ضخمة على إنجازها تحت عنوان «التحول التدريجي إلى الديمقراطية الحزبية».
يفترض النقابيون ونشطاء المجتمع المدني بأن تلك إذا ما صدقت النوايا وأنجزت محطة توحي بأن السلوك البيروقراطي والرسمي والأمني الأردني في طريقه للنضوج والتبدل مع أن القدس العربي سمعت مباشرة من شخصيات بارزة جداً في إدارة الدولة ما هو أبعد مما يسمى بالنضوج الديمقراطي وأعمق من سيناريو التحول إلى مشاركة الأحزاب السياسية في الحكم والإدارة.
في بعض المواقع العميقة في الدولة عبارات أبعد من تحديث المنظومة السياسية لصالح خطاب تحديث جديد برعاية ملكية مفترضة تحت عنوان «تغيير العقيدة الانتخابية والحزبية» مما يعني نمطاً من الانقلاب التدريبي البطيء على كل تراثيات الإدارة السابقة لملفات العمل الحزبي والانتخابات. ذلك طموح كبير قد يكون حتى اللحظة مجرد فكرة.

«النظام في حاجة ملحة للإصلاح»

لكن عدم السماح للمشروع الجديد بالولادة حقاً ومحاولة إعاقته ستكون كبيرة بامتياز حتى برأي سياسي مشتبك مثل مروان الفاعوري الذي ينصح بعد الاستعجال وبناء مصداقية الإجراءات في التحول وبخطوات ملموسة لا تقبل الشك قبل إغراق الوطن والمواطن بالمزيد من أوهام الديمقراطية والإصلاح. ويبالغ الفاعوري في حذره ويحذر من تسمية الحذر بالتشكيك. وهو تشكيك له سجل من الممارسات التي كانت خارج الشفافية وغامضة النهايات حتى برأي ناشط فاعل مثل نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
طوال فترة رئاسته للنقابة وبعدما اجتمعت به وناقشته «القدس العربي» عدة مرات كان النقيب الزعبي مهووساً حقاً ويحادث كبار المسؤولين طارحاً سؤالاً أساسياً: ما هي الجدوى من استمرار عملية تجريف وتفريغ المحتوى الوطني في مؤسسات العمل النقابي والحزبي؟ احتفظ النقيب الزعبي بسؤاله وشارك بناء عليه في لجنة تحديث المنظومة بعد مداخلة وطنية في السياق له في اجتماع خاص في القصر الملكي.
لكن في المقابل لا أحد يعلم بعد ما إذا كان الزعبي نفسه قد حصل على جواب على سؤاله القديم المتكرر، حيث في الأفق السياسي المقولة الجريئة لمعارض مثل الشيخ مراد العضايلة والتي يقول فيها بأن الشعب الأردني وقواه الحزبية لم تعد معنية بمقولات الإصلاح وإن الدولة والنظام في حاجة ملحة اليوم للإصلاح أكثر من المواطنين.
تلك مبالغة درامية سياسية، لكن ما نقله الرفاعي عن مواقف مرجعية ملكية متقدمة في السقف عن الجميع في الساحة مؤخراً قد يساند رأي الشيخ العضايلة ويؤسس للقناعة بأن وعي الدولة العميقة في طريقه للاختلاف، خصوصاً بملفي العمل الديمقراطي في الأحزاب والنقابات والبرلمان. فهل توقفت عملية تجريف المحتوى الوطني في الجسم النقابي والحزبي؟ سؤال يجيب عليه البيان الأخير الموقع باسم الشيخ العضايلة وحزبه، فالأمور لن تستقيم إلا إذا انتهت كل مؤشرات ومظاهر وحيثيات التدخل حصرياً في تفاصيل المشهد السياسي. وثمة درس تلقته أجهزة القرار في العامين الأخيرين ويتجنب المسؤولون الحكوميون التحدث عنه.

حنين أردني

ففي أزمة كورونا ظهر حتى لخلايا الأزمة بأن الاستعانة بالمستوى السيادي المؤسساتي كان ضرورة ملحة لأن التدخل في مؤسسات المجتمع المدني أجهض تلك المؤسسات ومنعها من تقديم خدماتها، ليس فقط في التعبير عن المواطنين ومن تمثلهم لكن في خدمة الجمهور. وهنا قال الزعبي إن النقابات المهنية إذا أتيح لها وبعيداً عن التجاذب السياسي أن تخدم الدولة والناس في أزمة فيروس كورونا كانت ستكون فريقاً رديفاً يخفف من معاناة الدولة والجمهور ويقلل المخاسر ويخدم في إدارة المكاسب.
حنين الأردني لمؤسساته المدنية التي ترنحت بفعل التدخل قبل أزمة كورونا منع تطبيق تلك القاعدة التي نصح بها في بداية الأزمة خبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة عندما قال في بواكير المواجهة مع الفيروس بأزمة ينبغي أن تتحول إلى فرصة ومحنة يمكن بالإرادة تحويلها إلى منحة. جدل يحصل ودور الأهالي وخسائر الاقتصاد كبيرة. والحكومة غرقت في مجاملات لا معنى لها للقطاع الصناعي على حساب القطاعين التجاري والخدماتي مع أن الصناعات في بعضها لا تنافس.
في كل حال، حرمت التدخلات في الحياة الحزبية والنقابية الدولة والشارع معاً من خبرات متراكمة كانت دوماً تتصرف بمسؤولية كبيوت خبرة واكتشف حتى قادة عسكريون كبار في أزمة كورونا كلفة إقصاء المكونات الأهلية والمدنية في الواقع الموضوعي، فيما كانت ثلاث حكومات على الأقل متعاقبة تخفق في إدارة شراكة حقيقية في القطاع الخاص أو مع ممثلي غرف التجارة وبصيغة حرمت الوطن في المقابل من اشتباكات إيجابية. هل تغيرت العادات؟ هل تغيرت العقيدة ذات الصلة بملف السيطرة والتحكم فقط، خصوصاً بثلاثية مؤسسات الأهلية والأحزاب والنقابات؟
سؤال قد يكون الأخطر مرحلياً وجوابه السريع الآن بعبارة «يفترض أنها تغيرت» مع منظومة تحديث الدولة. لكن في المقابل مناخ المصداقية والترقب لا يزال في أدنى مستوياته إلى أن تقدم المؤسسة الرسمية للجميع أدلة وبراهين مقنعة الآن بأن الأرفف التي يعلوها الغبار في متحف الوثائق الإصلاحية الرسمية والاستراتيجيات لن تستضيف قريباً مقيماً جديداً باسم «وثيقة لجنة تحديث المنظومة السياسية».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى