اراء و مقالات

هل حقا شاخت البيروقراطية الأردنية؟

نقص الكفاءة حقيقي وكبير وعميق لا بل مرعب اليوم في الإدارة الأردنية ولا بد من معالجته، بسبب تطور أنظمة الإدارة في العالم وفي مؤسساته بالقطاعين العام والخاص

هل حقا فعلا وقولا وصلت الإدارة العليا في الأردن إلى مشهد فوضوي ومرتبك بمعنى سن الكهولة؟
أسئلة لا يطرحها الآن معارضون فقط لكن بعد سلسلة الأحداث التي تظهر نقصا حادا في الخبرات المهنية الإدارية التي كنا نفاخر فيها الدنيا كأردنيين لابد من التوقف عندها ليس للمساهمة في حفل اللطم الوطني. ولكن للاستثمار في العيوب والنواقص وحلقات التقصير ومحاوله تجاوزها في المستقبل القريب وعلى أساس الثقة بالمؤسسات.
تلك الثقة هي الخيار الوحيد أمام جميع المواطنين الأردنيين، ولا بد من تذكير من يقفون فقط على أعتاب اللطم والشكوى والتذمر بأن ذلك غير مفيد، والفرصة الوحيدة أمام الجميع لا تتعلق فقط بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بقدر ما تتعلق بالتحلق مجددا حول المؤسسات الوطنية وإظهار الثقة الكبيرة التي تستحقها فيها ثم الكشف عن مظاهر الخلل والمرض والقصور، وبجرأة ووضع مقاربة وطنية تعالج تلك المشكلات.
التقصير الإداري كما أظهرت بعض الأحداث مؤخرا انتقل من مستوى التسبب في مشكلات إلى الفتك بمواطنين أبرياء، وقتل بعضهم، وقد شاهدنا ذلك في كارثة البحر الميت، وشاهدناه عندما حصلت مشكلة الصوامع في العقبة، وشاهدناه مع الأسف وتمني الرحمة للضحايا والنجاة للمصابين مؤخرا في حادثة تسرب الغاز.
ما جرى ويجري في العقبة تحديدا بين الحين والآخر يحتاج إلى مقاربة مختلفة وإلى رؤية أكثر عمقا، فنحن لا نتحدث هنا عن مدينة بحرية يتيمة فقط ولا عن مدينة سياحية بل عن مدينة، أمل الأردن في المستقبل مرتبط فيها.
وهي مدينة مجاورة لمشاريع نيوم السعودية الواعدة مستقبلا وفي مواجهة المد الإسرائيلي ومشاريع التنمية المصرية الكبير.
والمعنى هنا أنه آن الأوان لأن يفهم مطبخ القرار العميق في الدولة الأردنية أن مدينة العقبة حصرا تحتاج لنظرة مختلفة على مستوى الإدارة العليا بعيدا عن اختيار الكفاءات وكبار المفوضين والمسؤولين فيها بنظام المحاصصة البغيض أو ضمن سلسلة جوائز الترضية أو على أساس الشللية.
إدارة الأمور في سلطه إقليم العقبة الخاصة تحتاج إلى مقاربة أكثر وعيا وعمقا وإلى قرارات جريئة.
ويعجبني هنا ما ينقله مسؤولون عن ما يحصل في دولة مجاورة مثل مصر حيث استثناء القيادات في المدن الاستثمارية الكبرى من كل أنظمة ولوائح التعيين والوظائف العامة والاعتماد على الكفاءات المهنية فقط.

نقص الكفاءة حقيقي وكبير وعميق لا بل مرعب اليوم في الإدارة الأردنية ولا بد من معالجته، بسبب تطور أنظمة الإدارة في العالم وفي مؤسساته بالقطاعين العام والخاص

حصلت مصيبة إدارية كبيرة لابد من التوقف عندها بعد سلسلة أحدات أصابت المجتمع الأردني بوجدانه لكنها وهذا الأهم والأخطر تساعد بأزمة الثقة بين الدولة والناس والتي يشتكي منها كبار القوم وصغارهم.
بصراحة ومن الآخر أقر مسؤول كبير جدا في الحكومة بأن الحكومة وطاقمها يواجهان مشكلة عميقة معقدة جدا، قوامها ترهل إداري وفوضى في كل الملفات وسياسات وقرارات اتخذتها حكومات سابقة نتج عنها هجرة وطرد الكفاءات البيروقراطية الخبيرة والعنيدة التي كانت دوما تلعب دور المفاصل والفلاتر في إدارة كل شؤون مؤسسات الدولة.
الحكومات المتعاقبة لا تملك الوقت ولا الميزانيات ولا الإمكانيات لمعالجة مشاكل مزمنة ولها علاقة بالإدارة العامة.
وليس سرا بالمقابل أن مختصا في الطاقم الاقتصادي تحدث عن عدم وجود كفاءات بيروقراطية مهنية، فقد طرد الجميع أو غادر نحو وظائف في دول أخرى أو في القطاع الخاص. وبالتالي نقص الكفاءة حقيقي وكبير وعميق لا بل مرعب اليوم في الإدارة الأردنية، ولا بد من معالجته بسبب تطور أنظمة الإدارة في العالم وفي مؤسساته في القطاعين العام والخاص.
جريمة جامعة العلوم التطبيقية وبعدها حادثه تسرب الغاز السام في العقبة واقعتان تؤشران على حجم مشكله الإدارة.
صحيح أن ممارسة اللطم والاتهام بالتقصير فقط سلوك عبثي وعدمي لا يعني شيئا. وصحيح بالمقابل ما لمسناه من تحول قطاع واسع من المواطنين فجأة إلى خبراء ومهنيين ومحققين يحاولون الإفتاء بكل التفاصيل الفنية، مما يربك المجتمع والدولة معا.
وذلك يحصل لأن الشعب والدولة معا يفتقدان اليوم البيروقراطي العنيد الذي كان يتخذ القرار ويعرف ما الذي يسمح به أو يمنعه في اللحظة المناسبة وحاجتنا ملحة جدا لذلك البيروقراط العنيد.
والصحيح أيضا أن مستوى الاستجابة اللوجستية وتحديدا لدى المؤسستين الأمنية والعسكرية عال، من ما يعني أن هناك أملا متراكما وعميقا في المؤسستين على الأقل، مما يعطينا دافعا للتطلع نحو المستقبل، ومغادرة مساحته الشكوى واللطم فقط.
الاستجابة اللوجستية والتكتيكية السريعة في سلسلة الأحداث التي وقعت مؤخرا تظهر بوضوح بأن من دخل غرفه الإنعاش ونادي كبار السن في الواقع هو السلطة التنفيذية والإدارة المدنية، فيما الكفاءة والمهنية والاحتراف ساعدت الشعب الأردني خصوصا بعد تدخل المؤسستين الأمنية والعسكرية.
والمطلوب اليوم تدريب الكادر المدني على الاستجابات المماثلة والتعلم لعل وعسى… ودون ذلك يبدو أننا سندور في نفس الساقية إداريا، ولن تنفع لا اللجان ولا ترجمات التحديث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى