اراء و مقالات

«الإصلاح السياسي أنجز وأقفل»… هل انتهى مفعول هذه العبارة في المشهد الأردني؟

محاولات «تذاكٍ» في مشروع اللامركزية و«نظام الانتخاب» يموت

لا يوجد سؤال له علاقة بالملف السياسي الداخلي الأردني تداولته الألسن والمجالس بعد عودة الديمقراطيين إلى الحكم في الولايات المتحدة أكثر من السؤال المتعلق بهوية قانون الانتخاب المقبل. ثمة قناعة وسط السياسيين والمراقبين بأن تكهنات الضغط على الأردن في مسار الإصلاح السياسي تحديداً ستزيد في الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً في ظل وجود أردنيين أمريكيين في مواقع متقدمة بالبيت الأبيض، ووجود -وهذا الأهم – خبراء في الملف الأردني في عمق الإدارة، على رأسهم سفير واشنطن الأسبق في عمان وليام بيرنز، ووزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن وغيرهما.
يسأل المهتمون بشغف عن شكل وهوية وملامح قانون الانتخاب الجديد كلما برز العوار الذي تسبب به، مع مسيرة مجلس النواب الحالي إثر الانتخابات الأخيرة، قانون انتخابي نفسه على حد تعبير البرلماني والسياسي محمد الحجوج؛ فالانقسامات في المجتمع بالجملة، والفرص غير عادلة ولا تخدم البرامج السياسية، وبرأي الحجوج.. أصبح ذلك مستمراً وبتكرس.

محاولات «تذاكٍ» في مشروع اللامركزية و«نظام الانتخاب» يموت

عملياً، لا توجد قرائن أو أدلة على أن الفكرة التي قالت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بأن ملف الإصلاح السياسي «أقفل في الأردن وأنجز» تم دفنها تماماً أو في طريقها للتغيير والتبديل.
ولا يوجد، بالمقابل، قرائن وأدلة على أن تلك المقولة لا تزال على قيد الحياة أو يمكنها الصمود لاحقاً، في الوقت الذي يبقى فيه الحديث عن ضغط أمريكي متجدد تحت عنوان الإصلاح السياسي على الدول الصديقة والحليفة، ليس أكثر من تكهنات، مع أنها وفي الحالة الأردنية تكهنات وضعت مرة أو مرتين على طاولة الاستفسار، وليس النقاش في قنوات القرار الخلفية في عمان أو حتى في عمق نقاشات مجلس السياسات.
ثمة جناح من السياسيين والمراقبين يميل إلى استعمال عودة الديمقراطيين كورقة ضغط داخلية لإعادة إنتاج المشهد الانتخابي والعودة إلى طرح ملف تغيير قانون الانتخاب باعتباره أساساً لمخاطبة العالم، لا بل باعتباره أيضاً استراتيجية وقائية وطنية، حيث يشتكي الجميع في الأردن أفقياً من مخرجات النظام الانتخابي الحالي.
وثمة جناح، بالمقابل، أغلبه في مراكز القوة والظل، يعتبر الظروف التي فرضت أصلاً ملامح صيغة القانون الانتخاب الحالي لا تزال على قيد الحياة، مما يعني أن العودة لفكرة تغيير قانون الانتخاب وتفعيل الإصلاح السياسي أقرب إلى مجازفة في وقت التسويات السياسية الإقليمية الحساس، وبالتالي يقترح هذا الجناح النضال من أجل صمود النظام الانتخابي الحالي ومراقبة كل من يضغطون بالاتجاه المعاكس، في الأثناء.
تنمو في السياق فكرة ثالثة يبدو أنها تستند إلى مبدأ الإلهاء السياسي مجدداً، ويتبناها بعض البيروقراطيين سواء في الحكومة أو في المستوى الأمني، ومحورها إظهار قدر من المرونة المسبقة في تسطيح مضمون الإصلاح السياسي، والقول بأن البلاد تتطور في التنمية السياسية ضمن معطيات تعديل مقترحة على صيغة ونظام قانون اللامركزية الإدارية. هنا تحديداً يريد المعنيون بالإلهاء إنتاج الانطباع بأن تنمية الأطراف وتكريس تجربة اللامركزية في هذه المرحلة هو الخطوة الإصلاحية المطلوبة، التي تخفي ضغوطاً محتملة لاحقاً في الداخل أو من الخارج، على أن تضمن هذه البراغماتية المتذاكية وجبة كافية لمراوغة الاستحقاق الإصلاحي على صعيد البلديات واللامركزية الاإارية مع تخدير مسألة قانون الانتخاب. لكن مشكلة مشروع اللامركزية، كما يؤكد الخبير الأبرز في فكرتها، وعضو البرلمان السابق سامح المجالي، أن التطبيق لا يمكنه أن يتطور دون إقرار الجوهر المشروع، وهو فكرة التفويض للصلاحيات. وتفهم «القدس العربي» من المجالي بأن أساس مقترحات اللامركزية هو تفويض الصلاحيات، الأمر الذي لم ينجز بعد لا على صعيد رئيس السلطة التنفيذية ولا على صعيد الوزراء ولا حتى على صعيد الأطر الإدارية البيروقراطية وتلك المالية.
الهندسة بشكلها المستحدث لقصة اللامركزية يتولاها الآن الرجل الثالث في الحكومة المختص بملف الحكم المحلي ونائب رئيس الوزراء، توفيق كريشان.
لكن أي إلهاء من هذا النوع لا يعفي البلاد من مسؤولية التوقف مجدداً عند عتبة سؤال الإصلاح، فالأسباب الموضوعية الوطنية -برأي السياسي الإسلامي مروان الفاعوري- التي تطلب إصلاحاً جوهرياً وعميقاً، ينبغي ألا تتأثر أو لا تنطلق حتى من أجندات خارجية. وجهة نظر الفاعوري تتحدث عن الإصلاح باعتباره اليوم عنواناً عريضاً للصلابة، والبقاء وفيه مصلحة للجميع، مستغرباً على هامش نقاش حضرته «القدس العربي» في وزارة التنمية السياسية، أن لا تفكر دوائر القرار بخطوات انفتاح سياسي ضرورية وملحة لأسباب داخلية ووطنية بامتياز، وبصرف النظر عن من يرحل أو من يحضر في البيت الأبيض، وأهم تلك الأسباب بالضرورة الاحتقان المعيشي والاقتصادي وأزمة الفقر والبطالة وقريباً الجوع، التي تلفح وجوه الأردنيين.
مقابل وجود أنصار أقوياء في معادلة التركيبة النخبوية اليوم لمنهجية إنكار الواقع الموضوعي، لا أحد في السلطة على الأقل يظهر اهتماماً بوجهة نظر الفاعوري أو باقتراحات غيره من كبار الساسة الذين يحذرون من تراكم الإحباط بمعناه الاقتصادي، كما يحذرون من تراكم الغضب وندرة الفرص واحتمالات عودة الحراك الشعبي عشية شهر رمضان المبارك المقبل، خلافاً لضرب العمل الحزبي والنقابي.
تلك أسباب ينبغي لها أن تحفز ماكينة الإصلاح السياسي، وتحاول تجديد قانون الانتخاب وتغييره، بصرف النظر عن بيرنز ورفاقه في واشنطن، أو عن نواياهم واهتمامهم، خصوصاً أن السياسي الأردني أكثر خبرة بطاقم الإدارة الأمريكية الجديد، وهو الدكتور مروان المعشر قالها وبوضوح وعبر «القدس العربي»: «لا أحد يحفل بنا لا من الديمقراطيين أو غيرهم في أمريكا، وعلينا أن نهتم بأنفسنا».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى