اراء و مقالات

الأردن: رهان «عسكري» على المقاومة و«سياسي» مرتاب بـ«الخاصرة المصرية»

آخر مناورة دبلوماسية «قبل هجوم رفح»

عمان ـ «القدس العربي»: ما هو لافت أكثر في المقاربة التحليلية التي يقدمها خبير عسكري استراتيجي عسكري أردني هو الفريق الركن قاصد محمود، بصورة علنية، أنها تتجاوز الرواية الرسمية لمسارات الأمور، وتقدم تصوراً يؤسسه أحد أبرز الخبراء العسكريين الزاهدين في الأضواء، فكرته أن معركة رفح المقبلة ينبغي ألا تخيف المقاومة ولا تخيف الشعوب.
إطلالة الفريق محمود عبر شاشة «الجزيرة» في وقت متأخر مساء السبت، كان لها بصمة مختلفة وسط كل المخاوف المحلية والإقليمية والدولية عن نتائج ومآلات معركة رفح الوشيكة. الجنرال البارز الذي سبق أن تولى موقعاً متقدماً جداً قبل تقاعده في الهرم العسكري الأردني، طرح معادلة ثلاثية بكل بساطة، فكرتها أن المقاومة صلبة وقوية ولن تختبر بعد في رفح، وأنها نشطة شمالي قطاع غزة، فيما المعركة بالمعنى العسكري المحترف لم تنته بعد في الوسط وخان يونس.
ذلك تشخيص مهني فني لأغراض عسكرية استراتيجية بتوقيع الجنرال قاصد محمود، الذي لا يكثر من الظهور عبر وسائل الإعلام، وبصيغة لا تتفق مع حجم المخاوف التي أظهرتها وزارة الخارجية الأردنية في بيان خاص أصدرته السبت أيضاً، تحذر فيه من أن شن عملية عسكرية في رفح المكتظة بالنازحين أمر قد ينتهي بكارثة إنسانية من الصعب قراءة تداعياتها ونتائجها.
قالت خارجية الأردن في تحذيرها، فيما لم تبلغ الرأي العام عن الخطوات التي تتخذ عربياً وأردنياً وبصفة خاصة مصرياً، للحيلولة دون حصول كارثة رفح، التي انشغل المجتمع الدولي بدوره في التحذير منها والتعبير عن القلق من جرائها.
سياسي أردني رفيع المستوى وبخلفية أمنية استراتيجية، قرأ مواجهة رفح الوشيكة أمام «القدس العربي» باعتبارها مفصلاً في اختبار حقيقي، لكنه نبه إلى قراءة موضوعية للتصريح الصادر عن الرئيس الأمريكي جو بايدن بالخصوص حينما قال إنه يعارض عملية إسرائيلية عسكرية واسعة في رفح تؤدي إلى خسائر كبيرة في أرواح المدنيين. هنا يسأل السياسي نفسه: ألا يخبرنا ذلك بأن الرئيس بايدن يمكنه أن يمنح الضوء الأخضر لعملية عسكرية ليست واسعة جداً، بل هادفة ومكثفة وتأخذ بالاعتبار قتل عدد أقل من المدنيين؟ ألا ينبئنا تصريح بايدن بأنه قد يقبل بمسارٍ يؤدي إلى قتل المدنيين بالتقسيط؟

آخر مناورة دبلوماسية «قبل هجوم رفح»

سؤالان محيران في أوساط النخب الأردنية، ومطروحان بقوة بعدما أصبحت رفح عنواناً لصمود المقاومة الفلسطينية، وأساساً لمشهد مريب في ترتيبات إسرائيلية مصرية غامضة حتى اللحظة، وفصلاً أساسياً ومركزياً في فصول المواجهة والمعركة، قد يكون ختامياً؛ لأن ما بعده ليس مثل ما قبله.
حذر العاهل الأردني الملك عبد الله شخصياً مما سيحدث في رفح، وحذر وزير الخارجية أيمن الصفدي من كارثة متفاقمة في الطريق، لكن المؤسسات الأردنية تقر ولو من باب تسريب المعلومات، بأن غموضاً ما يعتري الموقف المصري، وبأن مصر لو أرادت منع أي معركة في معبر رفح في الواقع تستطيع ذلك؛ لأن السيطرة على مداخل ومخارج المقاومة في رفح وإخضاعها واستهدافها يتطلب بالضرورة تمركز الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا.
لدى عمان، وهو ما توثقت منه «القدس العربي» في غير مكان، ملاحظات مكتومة حول خيبة أمل مفترضة حصرياً في الجزء المصري من السيناريو.
ولدى عمان بالتأكيد كل هواجس ومخاوف العودة بعد نحو 5 أشهر إلى ملف التهجير في قطاع غزة بعد اعتقاد راسخ ومؤسسي بأن الجميع غادره.
يلاحظ جهاد حسين، وهو ناشط ومحلل فلسطيني متابع، وهو يتحدث لـ«القدس العربي» بأن الأنباء التي فتحت فجأة إمكانية مساعدة غزة بحراً عبر قبرص واليونان مريبة جداً وبامتياز لأنها تعني تلقائياً إغلاق معابر رفح، كما تعني بأن مصر والإدارة الأمريكية تتفاعلان بالصمت ومن دون مواقف صلبة جذرية مع سعي بنيامين نتنياهو للبحث عن أي صيغة انتصار عبر رفح حتى تنزل حكومته عن الشجرة.
لا أحد يعلم ما الذي يمكن للأردن أن يقنع به بايدن على هامش تفاعل مباشر وشخصي وملكي معه مبرمج في غضون ساعات قادمة، ولا أحد يعلم ما هي استراتيجية اليوم التالي أردنياً إذا ما صدقت تلك الروايات التي تتحدث عن موافقة مصرية مسبقة بعنوان السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، فيما الوارد من أوساط المقاومة الفلسطينية أنباء عن مفاجآت محتملة يتخللها مجازر، لكن يتخللها أيضاً صمود ومقاومة وتفويت الفرصة على العدو.
تحتفظ المقاومة بأوراقها الخاصة بمحافظة رفح، وتنفرد مصر بتصوراتها بالمقابل، والأردن في الكاريدورات والأقنية ناشط جداً في التحذير، وشعور النخب في عمان أن سيناريو رفح ومحور فيلادلفيا يتجاوز بكثير تلك الاعتبارات العسكرية والأمنية التي يعرضها الإسرائيلي وعلى أساس عدم وجود ما يمنع من سيطرة إسرائيل التامة على قطاع غزة عبر خاصرة فيلادلفيا المصرية، بعد أن ناجزتها وواجهتها المقاومة في خان يونس والشمال بالرغم من التدمير الكبير للبنية التحتية ومطاردات النازحين.
يقر السياسي والبرلماني الأردني الدكتور ممدوح العبادي، بحضور «القدس العربي» بأن معركة رفح أساسية ومفصلية إذا ما اندلعت أو لم تندلع، وأنها من المجسات الأساسية لاختبار النوايا وفي أكثر من اتجاه، لكن عيون الأردنيين عموماً تشخص في اتجاه ما يتم نقاشه في الأروقة والكواليس، على أمل الصعود أو التصعيد في الموقف الأمريكي من حالة رفض عملية عسكرية في رفح إلى حالة إجبار إسرائيل على الدخول في مفاوضة الصفقة ووقف إطلاق النار. وإذا ما أخفقت المناورة التكتيكية الأخيرة في السياق، فلا ملاذ ـ وفقاً لما قرره وزراء خارجية ست دول عربية في الرياض ـ من الاستناد مجدداً إلى الموقفين السعودي والإماراتي، ثم القطري ومعه الأردني، تحت عنوان مطالبة مجلس الأمن بالتدخل الفوري وغير المتردد لمنع كارثة سيحصل بعدها الكثير إن سمح بها، فيما الخاصرة المصرية رخوة قليلاً، وأجندة عودة وليام بيرنز إلى المنطقة صباح الثلاثاء تبقى غامضة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى