اراء و مقالات

سحب «الدسم» من «إجماع العشائر» ضد إسرائيل وسفارتها ومشروعها «الأردني»… صدفة أم «مغامرة»؟

عمان – «القدس العربي»: قد لا يخلو الأمر من وظيفة باطنية وإن كان، في كل حال، ينطوي على مجازفة أكبر يمكنها أن تحرق بعض الأصابع السياسية.
أزمة التعبير العشائري في الأردن تتفاعل، والانطباع يزيد بأن التأسيس لمواجهة في قضية النائب الشاب أسامة العجارمة بين الحكومة وأبناء العشائر قد يساعد، بصرف النظر عن خبث أو حسن النوايا، في تحريك الضوء عن المستجد الأكثر أهمية في الساحة الوطنية الأردنية مؤخراً، والمتمثل بموقف عشائري وطني عام أردني يعلن تماماً وبكل اللهجات الوقوف في الاتجاه المعاكس لإسرائيل ومشروعها والسلام والتطبيع.
ما يخشاه حريصون خلف الستارة على نقاء السلم الأهلي في الأردن هو مجازفة جديدة مراهقة تؤدي إلى تسليط الأضواء أكثر على حادثة فردية واحتقان عشائري بهدف سحب الدسم من حالة التضامن الوطنية التي برزت كمتغير كبير في مكونات المجتمع الأردني بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين.
بدأت أصلاً قصة الزحف العشائري إلى عمان احتجاجاً على السفارة الإسرائيلية فيها بدعوة ركب موجتها النائب الشاب غير المسيس أسامة العجارمة.
لاحقاً، تختلط الأوراق بطريقة غريبة وغامضة، فيصبح النائب نفسه هدفاً وخصماً، ويُستثمر خطأ فردي منه في الحسابات ناتج عن ضعف الخبرة السياسية، لكي تتحول القضية من عشائر تتضامن مع القدس والمسجد الأقصى إلى حراكات صغيرة بلا مضمون وطني يعزف مجلس الأعيان على أوتار دورها في المساس بهيبة القانون والدولة والسلم الاجتماعي.
كيف ولماذا تحول فجأة النائب الشاب من برلماني متحمس يلحق خطاب العشيرة بقضية وطنية مقدسة إلى نائب أساء لزملاء ورفض الاعتذار ويتجه نحو تحريك عشائري يعلي من شأن الهويات الفرعية؟ قد يكون ذلك بمثاب السؤال المليون في محاولة تفكيك الألغاز.
في الإجابة المفترضة، ثمة احتمالان لكنهما يقودان إلى النتيجة نفسها.
الاحتمال الأول يتحدث عن الصدفة ليس أكثر، تحول فيها النائب أسامة العجارمة من محرك اجتماعي في قضية وطنية إلى شخصية هي محور الجدل.
والثاني يستبعد الصدفة، ويفترض أن دراسة الكيفية التي يتصرف بها النائب وغيره من أنصاره ومريديه، وهم كثر، تقود إلى تركيب مشهد جديد على القديم يسمح بتحويل تضامن منظومة العشيرة الأردنية المهمة مع فلسطين وشعبها وقضيتها إلى مجرد حراك عشائري غاضب يعود إلى نفس كلاسيكيات الشكوى والتظلم المحلية، لا بل يهدد الأمن الداخلي في الأثناء، مع أن عشائر الأردن عموماً كانت دوماً عنوان الاستقرار وبنية الدولة ومؤسساتها وأجهزتها. ليس سراً في عمان أن السؤال مطروح الآن عن تلك الصدفة والمغامرة والتي إذا كانت روايتها دقيقة وموضوعية، تعني بأن العبث حصل بعد قراءة الموقف والتوقع وبصيغة مدروسة.
تشغل نخب عمان السياسية – صمتاً – نفسها بهذه الأسئلة، لكن النتيجة واحدة؛ فأزمة فردية شخصية بين النائبين تدحرجت وتحولت إلى مواجهة بين قوات أمنية ودركية تقوم بواجبها المألوف والمعتاد، وبين دائرة انتخابية تشعر بالإقصاء والاستهداف والتظلم بعد استهداف ممثلها في البرلمان وبسبب مواقفه السياسية، وهو خيار لا يمكن توجيه اللوم له؛ لأن عقوبة تجميد عضوية النائب أسامة العجارمة لمدة عام لا تحرمه فقط من حقوقه الدستورية، بل تحرم آلاف الناخبين الذين صوتوا له من تمثيلهم لمدة عام.
بدأت الأزمة صغيرة، وفي علبة التراث الأردني عشرات الطرق لمعالجتها.
لكن سمح لها بالنمو والزحف وانتهت بالإثارة العشائرية الموجودة حالياً، حيث الطاقة بين مكونات المجتمع كان يجب أن تخزن لصالح الدفاع عن المصالح الوطنية الأردنية عبر إظهار التناقض والوقوف في وجه المشروع الإسرائيلي، كما يقدر القطب البرلماني صالح العرموطي، وهو يحاول ويناقش بمعية “القدس العربي”. هل حصل كل ذلك صدفة؟
حتى بالنسبة للعرموطي ورفاقه في مجلس النواب الذين صوتوا ضد قرار العقوبة على زميلهم، كانت مسألة سلق الجلسة وسريتها مثيرة للارتياب، فيما النتائج تقول اليوم بأن مؤسسة مجلس النواب تبدو مخفقة في احتواء تداعيات كبيرة نتجت عن ملاسنة بين نائبين في مشهد سبق أن تكرر عشرات المرات وتم علاجه، إلا إذا كان الهدف محاسبة ومعاقبة النائب العجارمة على أشياء أخرى قد يكون من بينها إعلان رعايته مع غيره لمسألة الزحف العشائري ضد التطبيع وإسرائيل والسلام. مجدداً، يوافق النائب خليل عطية على الاستنتاج القائل بأن مسألة النائب العجارمة كان يمكن التعامل معها بطريقة مختلفة.
لكن ما تغير حتى اللحظة أن الرأي العام كان متجهاً نحو تأطير وتنظيم فكرة الوقفة الشعبية والعشائرية الأردنية مع القدس والمقاومة الفلسطينية، إلا أنه منصرف الآن للتعبير عن القلق مما يجري ويحصل ويرصد من احتقانات عشائرية في أكتاف العاصمة عمان.
بصورة مرجحة، ساهم النائب نفسه وبسبب ضعف الخبرة، في الوصول إلى النتيجة، كما ساهم النواب ومؤسستهم في هذا التراجع وإنتاج القلق، إلا أن القضية الأساسية تبقى في سياق ترسيم الفارق بين موقف وطني نبيل لأبناء العشائر بعد الاعتداء الإسرائيلي الأخير وبين غضبة مناطقية انطوت على تظلم، ونتجت مجدداً عن سوء إدارة مسألة صغيرة.
المعنيون بالحالة الأردنية يحتاجون لوقفة تأملية هنا، لأن معدل المغامرات والمجازفات عندما يتعلق الأمر بالملف الداخلي زاد عن حده كثيراً، ولا يمكن ضبطه إلا عبر العودة إلى أصل الحكاية.
وهو إصلاح وطني شامل وعميق يعيد البهاء لدولة المواطنة بدلاً من إعادة الأردنيين إلى مرحلة ما قبل الدولة لتحقيق مكتسبات صغيرة وبائسة هنا وهناك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى