اراء و مقالات

الأردن: ملف أسعار المحروقات يتفاعل و«الصدام وشيك»

عمان – «القدس العربي»: مجدداً، ما يمكن فهمه من تصريحات تصعيدية وأحياناً ساخنة لبعض أعضاء مجلس النواب الأردني على هامش جلسة صباح الأحد الماضي تلامست زمنياً مع تقدم الحكومة بمشروع ميزانيتها المالية المقبلة، هو إشارات واضحة إلى منسوب الإحراج الذي يشعر به أعضاء النواب في مواجهة الاستحقاق الحكومي، خصوصاً أن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قالها بوضوح وتحت قبة البرلمان عندما يتعلق الأمر بقرارات وإجراءات على مستوى الشفافية والمصارحة، وبعيداً عن الشعبوية مؤكداً أن البقاء في دعم بند المحروقات من الخزينة ترف لا تمتلكه الخزينة الحكومة.
أراد الدكتور الخصاونة لفت نظر مجلس النواب عشية إعداد التصور الأولى للميزانية المالية المقبلة إلى أن الوضع المالي محرج وصعب. وقال إنه يتحدى أن تكون حكومته هي الأكثر رفعاً للضرائب، وهو تصريح أغضب النائب حابس الشبيب، الذي اعتبر استخدام الخصاونة لمفردة التحدي تتضمن صنفاً من التهديد لمجلس النواب، قبل الاسترسال من جهة الشبيب في التحدث عن معاناة أهل البادية الشمالية.
قبل جلسة الأحد، انشغلت منصات التواصل الاجتماعي الأردنية بتصريح عابر أقرب إلى نكتة سياسية للنائب فواز الزعبي، الذي قال للإعلاميين وهو يغادر مقر البرلمان بأن “القيامة ستقوم غداً الأربعاء”. لكن القيامة لم تحصل، وأغلب التقدير أن النائب المخضرم الزعبي كان يقصد ردود فعل النواب على مسألة أسعار المحروقات والقراءة الأولى لبنود الميزانية المالية التي لم تعتمد للنقاش بعد، خصوصاً أن ملف الطاقة والمحروقات صعد على أكثر من منسوب سياسياً ووطنياً خلال الساعات القليلة الماضية. حتى وكالة “عمون” الإخبارية لاحظت بأن قيامة النائب فواز الزعبي لم تقم. وأن الزعبي نفسه شوهد يغني، مما يؤشر إلى تراجعه تقريباً عن التعبير الذي استخدمه.
لكن مستوى الإحراج عند النواب كان واضحاً للغاية في التعاطي مع مسألة الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة، واختصر المشهد هنا النائب محمد الظهراوي عندما قال بأن الأردن قد يكون البلد الوحيد الذي يصبح فيه سعر “صوبة الكاز” أرخص من الكاز نفسه، مع أن الحكومة يبدو أنها في طريقها لتحرير أسعار المحروقات، بمعنى إيقاف الدعم، ومع أن النواب يصرون على أسعار المحروقات وصلت لأعلى معدل لها في تاريخ البلاد.
قال الظهراوي باختصار في جلسة الأربعاء، أن الأغنياء لا يجوز لهم التشريع للفقراء، وطالب زميله محمد علاقمة بحل مجلس النواب الذي لا يمارس دوره وينشغل بالوساطات فقط، فيما اعتبر حابس الشبيب أن النبرة الحكومية فيها تهديد لمجلس النواب مع أن خيار حل المجلس يبقى في يد القصر الملكي إذا ما نسبت الحكومة في هذا الصدد. لاحقاً، ألمح الظهراوي إلى بروز مشروع لسحب الثقة عن الحكومة، وعندما سأله أحد الإعلاميين عن “نجاح مشروع سحب الثقة” أجاب بالنفي. واضح تماماً في السياق، أن شعور الإحراج عند أعضاء مجلس النواب قد يضطر للصدام قريباً جداً بأجندة الحكومة المالية والاقتصادية. ومن المرجح أن التقدم بمشروع الميزانية المالية الجديدة يسمح بالاعتراض والاشتباك قبل نهاية العام الحالي. لكن الميزانية المالية على الأرجح ستعبر، ولن يجد النواب طاقة أو قوة كافية لديهم لإعاقة مشروع الميزانية أو إعاقة الحكومة، خصوصاً أن الظروف العامة تبدو معقدة، فيما قفز استحقاق كلفة المعيشة وسط فصل الشتاء بعدما رفعت أسعار مادتي الديزل والكاز مرات عدة.
بدأت الحكومة بالتلويح بقصة عدم وجود إمكانية لاستمرار دعم المحروقات في الوقت الذي أعلن فيه عضو البرلمان الدكتور خير أبو صعليك، بأن خطة رفع الدعم عن المحروقات والمشتقات النفطية لا تشمل أسطوانات الغاز المنزلية، وهو تصريح خرج باسم أبو صعليك، لكن الحكومة لم تعتمده من جانبها.
حصلت هذه التلامسات في اتجاهات الحكومة وشعور مجلس النواب بإحراج شديد مع الناس، في الوقت الذي برز فيه أو قرع فيه جرس الإنذار عبر إضراب نجح في يومه الأول وأعلن مجدداً في يومه الثالث، الثلاثاء، تحت بند سائقي الشاحنات حيث شكلت خلايا أزمة للتعامل مع إضراب نفذ أمس الأول بإعلان من نقابة أصحاب وسائقي الشاحنات، الأمر الذي يخلط الأوراق في قطاع النقل. لكن الأهم أن إضراب القطاعات المشتبكة مع التفاصيل في الميدان مسألة هي آخر ما تتوقعه الحكومة في هذه المرحلة الحرجة، لأن نجاح إضراب سائقي الشاحنات الذين يرفعون شعار زيادة أجورهم وكلفة الشحن أو تخفيض أسعار الوقود يعني ببساطة إمكانية التقليد من قبل شرائح أخرى. والأهم أن إنذار سائقي الشاحنات قد يعني لاحقاً بصيغة او بأخرى التحدث عن عودة التحريك تحت بند الإضراب أو الاعتصام في عمق القطاع العام أو القطاع التجاري والخدماتي الذي يعمل مع القطاع العام.
وهنا ستتدحرج الأزمة بسبب أسعار المحروقات حصراً، وقد تتحول إلى طابع سياسي واجتماعي، ولاحقاً أمني، ولا يوجد ما يؤشر إلى مقاربة محددة يمكن أن تلجأ لها الحكومة أو حتى مجلس النواب في سياق الاحتواء، مع أن خبراء اللعبة اعتبروا تصعيد لهجة النواب جزءاً حيوياً من رغبة في “التفريغ”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى