اراء و مقالات

«الجيوإستراتيجي» الأردني ومحاذير «الإصلاح»: متى يرمى «الحق المنقوص» وشقيقه «المكتسب» في «قمامة الحوار»؟

عمان – «القدس العربي» : تبدو وبصرف النظر عن توقيتها، دراسة إستراتيجية تستحق التأمل. نتحدث عن الدراسة التي أعلنت في عمان بخلفية جيوإستراتيجية وباللغتين العربية والإنجليزية وتتطرق في خلاصتها إلى عائق مهم ومسكوت عنه للإصلاح السياسي في الأردن.
وتضع شرطاً لإنجازه، وهو التوثق من أن تكون الهوية السياسية الفلسطينية تحديداً «مصونة». تضع تلك الخلاصة مقاربة مقلقة تتفجر كقنبلة سياسية دخانية في أحضان اللجنة الملكية المكلفة حالياً في أول خطوة في مئوية الدولة الثانية، وهي تطوير المنظومة السياسية برئاسة سمير الرفاعي.
ثمة شرط تقترحه الدراسة التي عرضها بذكاء مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهو شرط يقترح بأن الإصلاح السياسي الشامل والعميق قد لا يكون أمراً ممكناً دون صون الهويتين، كما تقترح بأن وصفة الإصرار على ذلك الإصلاح مع إسقاط الاعتبار المتعلق بالهويتين هي أقرب طريق لزعزعة الاستقرار العام.
ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟ لماذا برزت هذه الخلاصة الآن؟
في دردشة سريعة لـ «القدس العربي» مع واضع الدراسة وناشرها الأكاديمي الدكتور زيد عيادات، ثمة معطيات ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار عند التطرق للتفاصيل. يتفق الدكتور عيادات مع «القدس العربي» على أن بعض تلك المعطيات تحتاج إلى ندوات فكرية وإستراتيجية مغلقة وحوار علمي، واعداً بأن يتبنى المركز الذي يديره ذلك لاحقاً.
ما لا تقوله تلك الدراسة بعد على الأقل هو تحديد المكون الفلسطيني الذي تقصده بصيانة هويته قبل المضي قدماً في الإصلاح السياسي الشامل في الأردن.
يتفق عيادات هنا مع القول بأن الحدود في التعريف مختلطة، وبأن هذه المساحة حصراً ينبغي أن تدرس وتحسم.
هل تقصد الدراسة المكون الفلسطيني في الأردن أم الشعب الفلسطيني غربي نهر الأردن؟
هذا هو السؤال المؤرق أكثر، فعلى هامش حوار عميق مع المفكر عدنان أبو عودة، فهمت «القدس العربي» بأنه اضطر لإعداد وتأليف كتابه الشهير والمثير للجدل عندما شعر وأبلغ الملك الراحل الحسين بن طلال، بأن الحكومة تنخرط في «حرف» تعليمات قرار فك الارتباط بين الضفتين عن مساره الذي وضعه الملك نفسه.
وجهة نظر أبو عودة أن قرار فك الارتباط بين الضفتين وضع لتطبيقه على المواطنين في الضفة الغربية، وليس على الأردنيين من أصل فلسطيني. وعندما لاحظ هذا الانحراف، أبلغ الملك حسين به وانسحب من الوظيفة آنذاك، وتحدث عن كتاب سيصدره للبحث في المسألة.
يقر الدكتور عيادات في عمق الدردشة نفسها بأن تحديد المكونات الاجتماعية الفلسطينية المقصودة، عندما يتعلق الأمر بإنجاز الإصلاح السياسي في الأردن، هو خطوة مهمة وينبغي التوافق عليها، لا بل بحثها دون أن يكون ذلك على حساب «المواطنة».
ويوافق عيادات على الاستنتاج القائل بأن مستقبل الأردنيين وازدهارهم، بصرف النظر عن جدل المكونات، يتأثر طبعاً سلباً بأي جدل، والمطلوب هو توازن بعد بحث معمق يرضي كل الأطراف ويقود إلى توافق على أساس علمي ومنهجي دون تقديم خدمات للمشروع الإسرائيلي.
تلك قيمة لا يمكن الاختلاف عليها، فمن يقول بأن الإصلاح السياسي حسمه صعب قبل حل الصراع، عليه بالمقابل أن يبلغ مكونات اجتماعية كبيرة في عمق المجتمع الأردني: ماذا يتعين عليها أن تفعله.. فتلك أيضاً مقاربة يوافق عيادات على أنها تحتاج إلى البحث، خصوصاً أن أي عاقل راشد ينبغي أن يتجاوز الحسابات الضيقة، لأن المستقبل مرهون دوماً بمنهجية المواطنة المتساوية.
لا يعارض، لا عيادات ولا غيره من المثقفين العقلاء، المواطنة المتساوية التي يصر عضو لجنة الحوار الوطني النائب محمد الحجوج، على تسميتها بـ»المواطنة الأفقية» التي تضع في القمامة تصورات الحق المنقوص وزميله الحق المكتسب، ثم تنطلق -كما شرح الحجوج لـ«القدس العربي»- إلى منهجية أفقية معيارها الوحيد الحقوق والواجبات لجميع الأردنيين، وبدون الغرق في جدل الديموغرافيا البيزنطي.
تبدو مهمة صعبة بين يدي لجنة للحوار الوطني بغطاء ملكي، بدا واضحاً الآن ان جدل الهويتين سيمنعها من التأسيس لمنهجية مواطنة شاملة إصلاحية مقابل التحسين في بعض الإجراءات.
عملياً، يمكن التوافق على ذلك مرحلياً.
ولا يوجد ما يلح ويضغط على الأردنيين لإنجاز الإصلاح السياسي الأعمق الآن، ودفعة واحدة ومقابل أي ثمن. لكن الغرق مجدداً -برأي كثير من المثقفين- في أسطوانة التأثير المتبادل على الهويتين لن يؤدي إلى دولة المواطنة ولا إلى دولة المؤسسات والقانون.
والأكثر حساسية أن الإصرار اليوم على إعاقة مطابخ التفكير الاستشاري والاستراتيجي ووضع قيود عليها مسبقاً بذريعة صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية وشقيقتها الأردنية، قد يؤدي إلى تكريس حالة فصام، وقد يؤدي مجدداً إلى ما سبق أن حذرت منه «القدس العربي» في ندوة مغلقة أقامها مركز عيادات، حيث مكون اجتماعي كبير لا يمكن تجاهله، إذا ما بقي في حالة «ترانزيت» قد يلجأ لاحقاً لاعتبار أن السماح له بالتعبير الأفقي عن هويته الفلسطينية في الأردن هو جزء أساسي من الخطة الوقائية الوطنية العامة لـ»صون الهويتين». هل الأردنيون جاهزون لهذه المصفوفة؟
الإجابة قد توفرها لجنة الرفاعي بعد أسابيع قليلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى