اراء و مقالات

«أبو عنتر» وياسين بقوش في العمق السوداني والعالم يطارد «قمحة أوكرانية» وفي الأردن «هورمونات» لتضخيم الأحزاب

الحياد والموضوعية في التشخيص وصلا إلى مستويات صعبة جدا تحملها عند الإصغاء عبر قناة «الجزيرة» حصرا للجنرال السوداني الشهير حميدتي وهو يمارس الحنين لـ»حكم المدنيين» فجأة، وعلى طريقة «أبو عنتر» أيام التلفزيون السوري في نقاشه مع «ياسين بقوش».
أثناء تناول الطعام سأل ناجي جبر «أبو عنتر» بخبث «ياسينوه»: كيف ماتت الست الوالدة؟!
تدفق العم بقوش يشرح وهطلت دموعه، ثم لاحظ أن «أبو عنتر» التهم غالبية الطعام فاستدرك: «وإنت أخي… كيف ماتت أمك؟».
جواب «أبو عنتر» كان عبقريا، ومن كلمة واحدة «فجأة»… وتناول اللقمة التالية.
الجنرال السوداني وباسم ما يسمى بـ»مجلس السيادة» قرر وفجأة ان العسكر سيسلمون السلطة وسيغادرون إلى ثكناتهم.

أكذوبة وتضليل

خبر مفرح زفته لنا أيضا فضائية «السودان»، وهي تعيد عرض نفس «البقرة الهزيلة» تلتهم البرسيم على ضفاف النيل، للتأشير على الوضع الزراعي والرخاء.
قال بيان الجنرال حميدتي الكثير، لكنه لم يقل لنا شيئا عن الدوافع والأسباب، حيث سارعت «الجزيرة» لنقل عبارة عن ناشط سوداني يتحدث فيها عن «أكذوبة وتضليل».
لماذا يقرر عسكري ما في أي مكان فجأة الانتقال إلى الرفيق الأعلى على طريقة «أم عنتر» فيترك غواية السلطة وتجارة أنياب وأسنان الفيلة ومناجم الذهب، ويعود إلى ثكنة وسط الرمال يحلم فيها بـ»برتقالة» طازجة؟!
طبعا، كعربي محب للسودان أرحب بالقرار، لكن لا أصدقه.
يحصل شيء ما مريب في السودان المدهش، بدلالة أن العسكر قرروا فجأة ترك كل شيء والتركيز على مستقبل بلدهم، الذي سيسلمونه إلى «حكم المدنيين» منهوبا مأكولا ذميما تثخنه الجراح، وهو كذلك مفعم بصراعات القبيلة ولقمة العيش!
جنرالات السلطة يتركون البلد فجأة، وهو «لقمة مغمسة بالدم»، تشبه تلك البقايا التي التقطها ياسين بقوش، بعد وصلة حزن «أبو عنتر» السريعة جدا على الفقيدة الوالدة.
يستيقظ المجلس العسكري فيحذر من غرق البلاد والعباد بالفساد والتشنج والتجاذب والصراع، ثم يعلن قرارات فقد مئات السودانيين حياتهم وهم يتظاهرون في الشوارع منذ عامين من أجلها.
على كل حال، السودان في مهب الريح، فبعدما امتلأت بطون العسكر، وشربوا دماء بعض الشرفاء والأحرار، وتاجروا بالعاج والذهب والمعادن مع غيرهم في الخارج، قرروا العودة الى الثكنات.

قمحة أوكرانية

على شبكة «سي أن أن» في نسختها التركية ومعها شبكة مراسلي «الجزيرة» ومراسلة لـ»سي أن أن» تنقل الحدث كان الانشغال عظيما بذلك الاتفاق المتعلق بالقمح الأوكراني.
أعلام ودول وأطقم كاميرات في إسطنبول لنقل الحدث، حيث نجح الكون – يا للأسف ويا للعار – في السماح لحفنة قمح أوكرانية بالمرور عبر الممرات البحرية، لأن البشرية بدأت تئن وتشعر بالجوع.
الأمم المتحدة والأمين العام شخصيا، يحضران للحفلة، واردوغان يتحدث مع بوتين، فيما ينتظر جو بايدن والأخرون، وتبتدع الإنسانية بعد ذهنية الحرب والغزو والصراع طريقة ما لكي تعبر حاويات القمح الأوكراني العالقة، قبل ساعات فقط من قصف ميناء أوديسا مجددا، على طريقة الهدنة الإسرائيلية!
أغلب التقدير أن الاتفاق التاريخي، حسب وزير الدفاع التركي سيصمد و»القمحات» ستصل أولا لمن يستطيع دفع الثمن، أما من لا يملك مالا فلا مبرر لتزويده ولو بحبة قمح واحدة! العالم مجنون الآن، ولم يعد من الشرف الانتماء إليه.
ما علينا، نسأل أمة العرب عن حصتها من القمح الذي سيسمح الرئيس فلاديمير بوتين أخيرا بعبوره؟

عرس الأحزاب مجددا

مجددا، وكالعادة الأخطاء نفسها ترتكب في كل الأعراس.
عندما يتعلق الأمر بالعرس الوطني الأردني الجديد، والذي يحمل اسم «تحديث المنظومة السياسية» في البلاد، يصر التلفزيون الحكومي على استضافة متحدث تلو الآخر، لكي يزف لنا بشرى التحول.
ثمة من يصر على إعادة تغليف الهواء وبيع الأوهام لنا مجددا، بدلالة أن مذيعا نشطا للأخبار الرسمية «طعج» لسانه وتحولت حواجبه، وهو يسأل ضيفا تقدم بملاحظة: ألا تعتقد أن مثل هذه الملاحظات عدمية؟!
لكي نتحدث بصراحة تدير فضائية مثل «المملكة» حوارات منتجة وتطرح أسئلة موضوعية بين الحين والآخر تتميز بسقفها المرتفع، قياسا بسقف النقاشات التي تخضع للتعليب والتغليف في حواريات التلفزيون الحكومي.
لكن الأهم أن الجميع يحاول إقناعنا مجددا أننا نستطيع إعداد طبق العجة بدون كسر بيضة واحدة.
تحول اقتصادي وآخر سياسي وديمقراطية وأحزاب تتشكل كالخيار المهرمن، مرة داخل أنابيب ومرة خارجها، والجميع يتفاءل، ثم يضحك كبار المسؤولين ويبتسمون ويعتبرون أي محاولة لتذكيرهم بالأسئلة المرجعية الأساسية، بمعنى وضع الحصان أمام العربة، وليس العكس، في ملف الإصلاح السياسي «نمطية عبثية وسوداوية ومثبطة لأهل العزائم»!
أيهما بصورة دقيقة «عدمي» أكثر من الآخر: من يصر على أننا «نمضي للأمام» ونبتكر منظومة حزبية لأحزاب لم توجد بعد في إطار ثقافة بيروقراطية لا تؤمن أصلا بالأحزاب أم من يحاول تذكير القرار بضرورة السعي للإجابة على أسئلة مرجعية قبل التورط في التفاصيل؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى