اراء و مقالات

بعد «تخدير» سردية «الهلال الشيعي» و«لا مانع» أمريكية… الأردن وإيران: ما الخطوة التالية؟

عمان- «القدس العربي»: الأردن وإيران.. ما هي الخطوة التالية؟ قد يبدو سؤالاً مستعجلاً على أساس عدم وجود حاجة لخطوة تالية مرحلياً. لكنه سؤال بحث في محطة اضطرارية عن إجابة يريدها اليوم الرأي العام الأردني قبل غيره، ولأسباب تخصه، حيث مسألة العلاقة مع إيران قفزت فجأة إلى الواجهة تحت ضغط مشهدين من الصعب الامتناع عن قراءتهما سياسياً.
في المشهد الأول ثار جدل صاخب في الأردن بعنوان السياحة الدينية والشيعية بعد مجرد زيارة قام بها الملك عبد الله الثاني إلى مقام جعفر بن أبي طالب في مدينة الكرك جنوباً.
في المشهد الثاني كلام كبير عن الانفتاح على العراق لا بل التكامل معه، تخلله إرسال برقية ملكية أعلن عنها لتهنئة الرئيس الإيراني الجديد. قبل ذلك، وقد يكون الأهم، ما يمكن رصده وتلمسه من إشارات صدرت خلال حوارات ملكية مع مثقفين في عمان كانت تحاول التأطير لأولويات الأردن في حال الاشتباك قريباً مع الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث الملك بدأ من الخميس الماضي زيارة مزدوجة؛ بمعنى خاصة ورسمية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحيث لقاء متوقع مع الرئيس الأمريكي.
الحديث هنا حصرياً عن التكامل تجارياً مع العراق وتأسيس ثلاثية القدس- النجف- الأزهر، بالتعاون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما يرجح الباحث والمفكر الدكتور أنور الخفش، وهو يستعرض الفكرة ويقلب صفحاتها مع «القدس العربي».
في الأثناء تركيز ملكي أردني على مسألتين: تواصل دافئ مع الرئيس السوري بشار الأسد، وسعي إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، ثم شعار تحول إلى إستراتيجية أردنية من حيث الانفتاح الكبير على العراق ودعم حكومته الشرعية ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأمر الذي ناقشته «القدس العربي» أيضاً مع رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، في لقاء لم يخصص للنشر، لكنه تضمن إشارات واضحة بالاتجاه شرقاً نحو العراق.
ما يسأله الخفش وغيره من كبار المراقبين السياسيين هو الآتي: هل يمكن للأردن تبني بعض المطالب السورية؛ بمعنى تغيير المعادلة مع نظام دمشق والرئيس بشار الأسد، ثم تحقيق أي تكامل مع العراق الجديد دون -وبالحد الأدنى- إطلالة على إيران؟

محطة أردنية إجبارية

يعني ذلك سياسياً بأن الإطلالة على الإيراني قد أصبحت على الأرجح محطة أردنية إجبارية، ليس لأغراض بناء أي مساحة مشتركة سياسياً، ولكن لأغراض إنجاح خطة الاشتباك الأردنية مع العمق العراقي والسوري، باعتبارها اليوم خطة احتياج اقتصادي ومعيشي قبل أي عنصر آخر، الأمر الذي يتطلب أو سيتطلب لاحقاً بالتأكيد تنازلاً أردنياً في بعض المساحات الضيقة.
أهم تلك المساحات على الأرجح تتمثل في إزالة «الفيتو الأردني» الأمني، ولو إلى درجة محسوبة عن ملف السياحة الشيعية ،مما يبرر بالون الاختبار الذي ألقي في حضن الرأي العام الأردني مؤخراً وبعد زيارة ملكية للأضرحة والمقامات في الجنوب، وإثر الشعار الذي رفعته وزارة الأوقاف وهي تطالب الأردنيين بزيارة تلك المقامات وتلك الأضرحة.
بمعنى آخر، لا مناص من تقديم عمان لبعض التنازلات لصالح -على الأقل- رسالة تهدئة مع إيران في هذه المرحلة.
المواقع المرشحة والمرجحة لرسالة من هذا النوع قد تكون ذات صلة باستعادة علاقات التبادل التجاري مع سورية وتقديم خدمة إضافية للكاظمي بمجاملة طهران على نحو أو آخر، مرة عبر فتح المجال ضمناً وليس علناً لسيناريو رفع الحظر عن السياحة الشيعية، ومرة أخرى ضمن فتح احتمالات علاقات دبلوماسية متقدمة، ولو خطوة، مادام الغطاء الأمريكي متوفراً الآن وفي ظل إدارة الرئيس جو بايدن لفكرة بحث الأردنيين عن مصالحهم في الإقليم.

رجال أعمال سوريون

يبدو هنا – وحسب مختصين في الاقتصاد والأسواق – أن عمان حصلت على «لا مانع» أمريكية بعد زيارة وزير الخارجية توني بلينكن لها لوقف حالة العداء التجاري والحدودي مع السوريين، الأمر الذي انتهى الآن ولأول مرة منذ أوقفت السلطات الأردنية استيراد نحو 2000 سلعة سورية برؤية وفود تمثل القطاع التجاري السوري، وأحياناً الصناعي، تبحث عن فرص للتعاون في عمان. تلك خطوات متأخرة قليلاً- برأي رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، لكنها جيدة وقابلة للتطوير.
رجال أعمال سوريون يتجولون الآن وسط أقرانهم الأردنيين والانفتاح على دمشق وإعادتها إلى الجامعة العربية ملف «متفق عليه» مع حليفين أساسيين للأردن، هما أبو ظبي والقاهرة. وتوقعات الأردنيين بخصوص ملف انحسار المساعدات المالية العربية والخليجية تحديداً قد تدفع في اتجاه التقاط أي فرصة متاحة في أسواق العراق وسورية، مما يتطلب ضمناً غطاء من التقارب السياسي والدبلوماسي.
عدد المطالبين أردنياً بالانفتاح أكثر على دمشق وبغداد يزيد مع عمق الأزمة المعيشية والاقتصادية الأردنية.
في المقابل، يزيد عدد الساسة الأردنيين الذين يطالبون دولتهم بتجاوز مرحلة المجاملة مع إيران باعتبار ذلك مفصلاً في تطوير العلاقات مع سورية والعراق، مما يؤشر على تغيير ما -وإن كان بطيئاً للغاية- في عقيدة التحالف السياسي الأردنية المستقرة منذ عقود، ومما يبدل ولو بنسبة ضئيلة مرحلياً في اتجاهات تنقلب على سيناريو التخويف والخوف مما سمي بالهلال الشيعي، وإن كان ببطء شديد وبحذر كبير، حيث لغة المنافع والمصالح هي التي يفترض أن تحكم الاعتبارات، وحيث وجود شريك مصري ثقيل إلى جانب الأردن في هذا المسلك، ضمانة لـ: أولاً عدم الشعور بالغربة أثناء المسير البطيء، وثانياً تجنب الاضطرار للنوم إقليمياً وسياسياً في غرفة واحدة مع الإيرانيين، وذلك عبر طمأنتهم بخصوص التحالف مع حلفائهم وأذرعهم في العراق وسوريا.
لا يعني كل ذلك أن قفزة كبيرة شارفت على الولادة أو في الطريق بين الأردن ومحور المقاومة كما يسمى. لكن ذلك لا يعني في المقابل، أن خطوة ما تالية تخضع للهندسة والبرمجة الآن، تحت غطاء أمريكي بالتأكيد، يمكن أن تنطوي على تنويع مدروس.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى