اراء و مقالات

الأردن في مواجهة مخاوف دول عربية من «عودة الربيع» بسبب غزة

عمان ـ «القدس العربي»: لا يقدم دعاة النأي بالنفس الأردنيون عن ملف غزة وتوابعه دليلاً أو قرينة من أي صنف يمكن أن تقود إلى خلاصة فكرتها الخوف من الإخوان المسلمين في المملكة، أو بالتوازي من موجة ربيع أردنية جديدة على أكتاف مذبحة الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة.
ولا يقدم دعاة التكيف مع يمين إسرائيل في حربه على الشعب الفلسطيني على هامش سجالات ونقاشات عمان، مقترحات صلبة يمكن أن تقود إلى أي فكرة من صنف أمواج ربيعية جديدة قد تنتهي إليها حراكات الشعب الأردني التي رفعت وترفع شعاراً بعنوان «محاصرة السفارة الإسرائيلية».
العكس تماماً هو على الأرجح ما سيجري؛ فثمة استمرار في تغذية وتسمين التيار الذي يحترف شيطنة الإخوان المسلمين والحراك الشعبي، ومعهما في الأثناء قادة المقاومة في حركة حماس، حيث إن مواصلة العزف على تلك الأوتار الثلاثية ستعزل المصالح الأردنية عن مكاسب عميقة وجوهرية تستند إلى الحقيقة التي أعاد تكرارها الخبير والباحث المتخصص الدكتور أنور الخفش، بعنوان ثمار المصالح تحصد وتجمع في حال انتصار المقاومة.
يزرع ذلك التيار الآن وسط الأردنيين كمائن ومطبات تحت لافتة النأي بالنفس والتكيف. والجديد في المسألة أن بعض رموز ذلك التفكير أو السيناريو، لا يعملون فقط خلف ستائر القرار والسلطات، بل يتقمص بعضهم دور الممثل للشارع الأردني.
في المقابل، يمكن اعتبار تفاعل الحكومة أحياناً عبر السماح بدعوات تأزيمية أو توتيرية وتجنب الرد عليها نمطاً من الإدارة العبثية التي تراهن على الأطراف الخاسرة استراتيجياً في معركة غزة، للاستثمار فيما يتيسر من الأطراف التي تخشى حسم المقاومة للمواجهة في غزة وانعكاسات ذلك على أنظمتها وحكوماتها العربية.
المفارقة سياسياً واستراتيجياً وأمنياً، يمكن مشاهدتها متلبسة بظروف تجلب الشبهة، على حد تعبير السياسي الأردني مروان الفاعوري، عند مراقبة ما يجري في الساحة؛ فالأصوات النشاز ـ في رأي الفاعوري ـ هي تلك التي تحاول منع الأردن الرسمي من الاستثمار سياسياً في الورقة الفلسطينية الرابحة الوحيدة اليوم، وهي المقاومة.
ما يفترضه الفاعوري وغيره من السياسيين الكبار هذه الأيام هو سيناريو يتحدث عن توظيف الهواجس من الإسلاميين في بعض الدول المجاورة لصالح حملة في الداخل الأردني تشيطن التيار الإسلامي والحراك بحجة وذريعة الخوف من موجة ربيع عربي جديدة.
ذلك كمين استثنائي، في رأي الفاعوري، ليس فقط لأن اللون الإسلامي الأردني من أبرز عناصر الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي في الأردن في وقت منطقة برمتها غير مستقرة، ولكن أيضاً لأن من يضغطون باسم المصالح الأردنية العليا على المقاومة الفلسطينية هم أقرب إلى الاندساس بأفكار ومقترحات هي التي تؤذي الرهان الأردني وليس العكس.
لذلك، فالانتظار والتريث ووقف التحرش بمن كسب المعركة استراتيجياً من فصائل المقاومة الفلسطينية، وفقاً للخفش والفاعوري وغيرهما، أجدى وأنفع وطنياً من العودة لوضع البيض في سلة جناح إسرائيلي صغير بلا حول له ولا قوة، يؤمن أو يعمل لصالح علاقات طيبة مع الأردن.
الاستراتيجية التي اتبعت في عمان بعنوان تضخيم هواجس موجة عربية جديدة ليس سراً أنها تفاعلت مع أجندة أجهزة فلسطينية تتبع السلطة، وليس سراً أن دولاً عربية متعددة مثل مصر والإمارات وغيرهما، هي التي أقلقها حضور الشارع الأردني القوي في معادلة ودعم نصرة غزة.
ولم يعد سراً في السياق، أن الحراك الشعبي الأردني لا يشكل خطراً إطلاقاً على الدولة الأردنية، ونشاط التيار الإسلامي ليس موجهاً ولن يكون ضد الحكومة الأردنية، فيما الخائفون والقلقون لأسباب تخص دولهم من الحراك الشعبي الأردني موجودون في عواصم ومدن عربية صديقة، الأمر الذي يعيد جذور حملات الشيطنة المحلية لصالح أجندات غير أردنية، في الواقع ليس شرطاً أن التناغم معها فيه مصلحة للأردن والأردنيين، كما يقدر الناشط الحقوقي عاصم العمري وهو يتحدث مع «القدس العربي» مقلباً صفحات ما يصفه بالمغامرات غير المحسوبة في المساحة الضيقة التي تناور لصالح علاقات مستقرة بين الأردنيين ومؤسساتهم.
حتى في تقارير اطلعت عليها «القدس العربي» من بعض قادة المقاومة الفلسطينية، ثمة من يسترسلون في التخويف ـ وقد ثبت ذلك ـ ليس فقط من الشارع الأردني، ولكن من استفادة المقاومة وأهل غزة من الورقة الشعبية الأردنية، وهؤلاء لديهم أجندة تبالغ في تشويه الحراك الشعبي الأردني الذي لا تخشاه السلطات في عمان أصلاً، لا بل نتج أحياناً عن قراراتها وعن تصريحات رموزها.
ذلك لا يعني في زوايا التسييس سوى أن الدولة الأردنية تتلمس المحددات وتعلم بأن الحراك الشعبي لا يشكل خطراً على الدولة، لكن جهات القرار الاستشارية المؤمنة بالتكيف افترضت أن التناغم بيروقراطياً مع ذباب إلكتروني هنا ومشاعر خوف على الأردن هناك، إنما يشكل فرصة يمكن إعادة ترميم وبناء علاقات مع دول عربية على أساسها، وفي إطار محسوب.
بقيت تلك مجرد فرضية خلف ستائر القرار الأردني ركب موجتها طبعاً ودوماً ولأسباب شخصية بعض الهواة، فيما الخسائر ستكون أكبر إذا ما سمح بالاسترسال في هذا السيناريو برمته.
الإسلاميون جزء من النظام الرسمي والشعبي الاجتماعي الأردني، ولم يسبق لهم أن شكلوا خطراً على الدولة. الحراك الشعبي الأردني في جذره مساندة قوية للثوابت المرجعية الأردنية المعلنة. والمقاومة الفلسطينية بالمقابل، خلافاً لحلفاء اليوم، لم يسبق لها أن رفعت بندقية في المملكة، وإسماعيل هنية وصف مؤخراً أمن واستقرار الأردن بأنه عقيدة بالنسبة لحركة حماس.
في الخلاصة، وإزاء هذه الوقائع، فالمطلوب أردنياً هو التوازن وليس الاسترسال في لعبة مجاملة دول أخرى تعتبر هزيمة المقاومة في غزة مكسباً استراتيجياً ضمن حساباتها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading