اراء و مقالات

الأردن برسم السؤال عن «المنقوص» في «خلطة الإصلاح»

أين الإجراءات و«الحاضنة الاجتماعية»؟

عمان – «القدس العربي» : انتهى الأسبوع الماضي في المشهد السياسي الأردني دون انفراجات إجرائية كانت بعض كواليس دوائر القرار تلمح لها على صعيد الانفتاح السياسي. وعبر الأسبوع بالنتيجة دون خطوة يفترض أن دعاة الإصلاح السياسي في البلاد يتوقعونها، بعنوان تخفيف الاحتقان الشعبي والإفراج عن معتقلين وموقوفين في المسار الحرياتي.
وبطبيعة الحال، ينتقل التوقع هنا إلى الأسبوع التالي، في الوقت الذي تزداد فيه حدة الاشتباكات الحوارية بين شرائح محددة في المجتمع وأركان اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حيث رئيس اللجنة سمير الرفاعي، يواصل الانفتاح والإصغاء ويستمع للجميع في الأطراف والمحافظات بين مكونات المجتمع، وحيث شارفت اللجنة الفرعية المختصة بملف قانون الانتخاب على وضع خلطتها السحرية بهدف تحقيق التنمية السياسية والوصول إلى انتخابات مسيسة إلى حد معقول تنتهي ببرلمان حزبي يسمح بحكومة أغلبية برلمانية، كما فهمت «القدس العربي» مبكراً من الرئيس الرفاعي وأيضاً من رئيس اللجنة الفرعية البرلماني السابق خالد البكار.

أين الإجراءات و«الحاضنة الاجتماعية»؟

في كل حال، حتى اللحظة، لا أحد يعرف ما إذا كانت الخلطة المقترحة الآن التي بعنوان تخصيص نحو 25 % من مقاعد البرلمان المقبل لقوائم وطنية حزبية يمكنها أن تنجز الهدف المطلوب، لكن الانطباع داخل لجنة تحديث المنظومة أن مؤسسة ولاية العهد تحديداً تراقب الإنجاز وتدعم تقييم الأداء وتبدو في بعض التفصيلات مهتمة بالوعي الوطني العام وبالوجود في محطات مفصلية.
ذلك مكان يفترض، سياسياً وحكومياً، أن ينتهي بوصفة إجرائية ما تخفف الاحتقان العام وعلى الأساس الذي كان يطالب فيه دوماً الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وهو يناقش «القدس العربي» مقترحاً إجراءات إصلاحية ووطنية عامة تحاصر الاحتقان وتمنع التشنجات في ظرف اقتصادي وإقليمي حساس، وبصورة تسمح لجميع الأطراف بالنزول عن شجرة الاستعصاء.
اللجنة الملكية -حسب البكار- تواصل مشوارها، والمخرجات تدرس بعناية بالتبكيل والتشبيك مع قانون الأحزاب وعلى مسافة أبعد مع فعاليات تطوير توصيات الحكم المحلي وتمكين المرأة والشباب، وهي أهداف عامة ونبيلة لتكريسها والوصول إليها. وفي وقت مبكر جداً، طالب عضو اللجنة الملكية الدكتور عامر السبايلة بجوانب إجرائية لتحصينها. كثيرون في الحالة الأردنية يصوتون لصالح المنطق الذي روجه السبايلة، فالإصلاح السياسي الحقيقي يحتاج إلى مناخ وطني، وملفات التأزيم على الصعيد الحرياتي تحديداً تواصلت رغم تشكيل اللجنة الملكية للإصلاح والتي تقتصر على دور استشاري فقط.
المعروف سياسياً وإعلامياً أن الشارع يريد تلمس قرارات وإجراءات في الواقع الموضوعي من النوع الإداري والأمني يمكن اتخاذها دون الحاجة إلى مشاورات حتى تنجح اللجنة الملكية لتحديث المنظومة في استعادة مصداقية الرأي العام والترويج بشكل متوازن ومنطقي لما ستوصي به أو تعدله من تشريعات.
لمست «القدس العربي» شغف اللجنة بإجراءات بعيدة عن التأزيم مبكراً في إحدى الجلسات التي شاركت فيها، من الرفاعي شخصياً، وبدا أن اللجنة تطالب بقية مؤسسات الدولة بإظهار قدر من الانفراج السياسي حتى تتمكن من التسلل إلى أعماق المجتمع وضبط الإيقاع العام بدعم من المؤسسات المرجعية. لكن الجميع يعرف بأن تسلل اللجنة الملكية ليس مسألة متوافقاً عليها داخل أروقة القرار، وقد لا تشكل محطة تجبر بقية السلطات الدستورية والتنفيذية.
مع ذلك، يحذر خبير برلماني وسياسي واقتصادي كبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة، من كلفة بقاء اللجنة في حالة نشاط وعمل وإنتاجية دون تمكينها من توفير ذخيرة في الحاضنة الاجتماعية، حيث الشكوك في المناخ العام بالجملة، ومبادرات وثائق الإصلاح السياسي بالأكوام في المتحف، والشارع في حالة معاكسة لليقين، وعلى اللجنة -برأي الحلايقة كما سمعته «القدس العربي»- الانتباه إلى أن تحصيل إنتاجية أكبر يتطلب ملء الفراغ في مسألة حواضن المجتمع.
يصوت الحلايقة مع آخرين لصالح المنطق الذي يلاحظ بأن المناخ الاجتماعي ليس في الاتجاه المرسوم لما تبحثه أو ستنجزه لاحقاً لجنة تحديث المنظومة، معتبراً أن مصلحة الدولة والجميع الاستدراك والمبادرة لمقاربة خلاقة وسريعة تغطي هذه الثغرة، حيث القيمة المضافة سياسياً لأي توصيات إصلاحية تزيد وتنتعش إذا توفرت لها حاضنة اجتماعية.
يلتقي الرفاعي وبعض نشطاء اللجنة الملكية يومياً بمن يسأل أو يرغب في الحوار، لكن الحلايقة يلاحظ بأن مثل هذه اللقاءات، على أهميتها، لا تكفي لإقناع الشارع، وبالتالي فإن العمل وبسرعة على تسمين حواضن اجتماعية تدعم اللجنة وتسندها هو المحطة الأقرب والأفضل بعد افتراض حسن النوايا من جميع الأطراف.
ويبدو أن هذا الخطاب يلامس هنا مسألة لا يميل الرفاعي ورفاقه إلى التركيز عليها بسبب حساسية بعض مفاصل الملفات التي تعمل عليها اللجنة، وإن كان العمل في بيئة اجتماعية تدعم خيارات وسيناريوهات اللجنة قد يصبح بمثابة مهمة مستحيلة إذا لم تحصل استدراكات قوية وصلبة من دوائر ومراكز القرار لتذخير اللجنة ووثيقتها لاحقاً بحاضنة اجتماعية مساندة.
ذلك عملياً غير ممكن دون سلسلة إجراءات سياسية وبيروقراطية وحتى إدارية، يعرف الجميع المقصود عبرها ولا تشكل معجزة لجهة.
وبناء عليه، يمكن القول بأن النقص الوحيد الحاد الذي يظهر في المشهد العام لتحديث المنظومة هو تلك الإجراءات الإدارية الممكنة، لأن الفارق ملموس ويمكن رصده بين الدعم الإنشائي اللفظي للإصلاح وبين لفت نظر المواطنين إلى أنه بدأ فعلاً للتو أو سيبدأ قريباً.
الإجراءات المطلوبة والمقترحة لم تعد مجرد طلاسم سياسية بالنسبة للأردنيين، فالحوار الحقيقي مع جميع القوى في الساحة غائب.
وبعض ملفات الفساد عالقة، والإقرار بعبثية مجازفة هندسة الانتخابات الأخيرة لم يبرز بعد، وأزمة موظفي القطاع العام عبر واجهة نقابة المعلمين لا تزال في التصعيد، والاعتقالات سياسية الطابع تحتفظ بها الذاكرة.
السلطة باختصار، لديها وصفة إجراءات بسيطة وسريعة ممكنة عندما يتقرر في أي لحظة توفير حاضنة اجتماعية تدعم عمل وبرنامج لجنة تحديث المنظومة الملكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى