اراء و مقالات

عندما «رن» هاتف «الإصلاح» الأردني: «ألو: نتجه إلى ملكية دستورية»… ماذا حصل لاحقاً؟

عمان- «القدس العربي»: عندما رن جرس هاتف بعض الرموز المسيسة في لجنة الحوار الوطني التي شكلت مؤخراً في الأردن، كان على الطرف الآخر أحد المسؤولين الجدد في الديوان الملكي يتحدث عن نوايا التكليف والمسافة التي يقصدها المقر السامي. في ذلك الصنف من المكالمات تحديداً، كان الموظف الرسمي يتحدث عن حوار وطني مفتوح لكل الملفات، ينتهي بالاقتراب «أكثر من تشكيل برلمان حزبي» ولاحقاً تشكيل حكومة أغلبية برلمانية.
ثمة عبارة استخدمت هنا لاستدراج بعض الأعضاء الذين كان وجودهم مهماً جداً في لجنة الحوار، وهي تلك التي تقترح: «نحن ذاهبون هذه المرة إلى تحول برامجي متدرج نحو الملكية الدستورية بصيغتها التي وردت في الأوراق الملكية النقاشية».
كانت تلك العبارة بمثابة إفصاح مبكر عن الهدف الأعمق والأبعد لتشكيل لجنة حوار بغطاء سياسي وملكي تعتمد على نسبة أفقية من التمثيل الاجتماعي، مما رفع عدد الأعضاء فيها إلى 92 عضواً، وتقرر أن يترأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بسجله الاحترافي وثقافته السياسية التي توفر ضمانات للمؤسسة الملكية قبل الشارع، ولديه رؤية نقدية وتجربة ناضجة.
في كواليس المشهد، ثمة تطور لم يتنبه له كثيرون؛ فرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، كان للتو ينتهي من ورشة حوارات إصلاحية وطنية مع الأطراف والمحافظات رتب لها انطلاقاً من موقعه في الاستجابة للمبادرات المرجعية وكرئيس مؤتمن لمجلس الملك.
واضح تماماً أن حراكات الفايز هنا أحرجت رئاسة مجلس النواب، ولم تكن منسقة بما يكفي مع بقية الشركاء في دوائر القرار، وبالتالي خرج مشهد كان يمكن الاستغناء عنه قوامه حوارات مبكرة برعاية مؤسسة الأعيان، وأخرى تأخرت قليلاً برعاية ملكية وغطاء سياسي وبرئاسة الرجل الثاني في مجلس الأعيان.
ذلك مشهد أنتج بعض الضبابية، لكنها من النوع الذي يمكن تجاوزه حرصاً على نبل وأهداف المبادرة النيابية، الأمر الذي حصل لاحقاً وانتهى بتوسيع إطار لجنة مراجعة المنظومة السياسية للدولة والعزف على وتر التمثيل الأفقي للمجتمع والمكونات فيها، مع تأجيل أولويات المراجعة الإصلاحية قليلاً في سياق الملف الاقتصادي والملف الإداري قبل أن يتقرر تركهما للمختصين وعبر الحكومة ورئاسة الوزراء بحكم طبيعة الاشتباكات الفنية للمسألة.
يعني كل ذلك أن فكرة الإصلاح بحد ذاتها كانت مشوشة ولم ينضج السيناريو، على الأقل، من حيث الشكل حتى وقت متأخر ضمن هوس الإجابة على السؤال الذي أعقب وطنياً زيارة كل من أنتوني بلينكن ووليام بيرنز إلى عمان، وهو السؤال نفسه الذي سبق أو يفترض أن يسبق زيارة مبرمجة ملكياً إلى واشنطن.
ماذا نفعل بصورة محددة ؟.. بماذا نبدأ؟
سؤالان صغيران ولدت على أعتابهما اللجنة المزدحمة الضخمة التي يقودها الرفاعي اليوم، ويسعى عبرها إلى مأسسة مشاورات الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، مغامراً إلى حد ما، ومراهناً على عودته القوية للمسرح السياسي عبر الرافعة الملكية التي تثق به. طبيعي إزاء هذا الوضع المركب أن لا تظهر مؤسسات الدولة مع بعضها تحت سقف محدد وواحد في النظر والتفاصيل.
وطبيعي أن تبرز المزاحمات ومحاولات تأثير وأحياناً انسحابات وأجندات في عمل تشاوري إصلاحي وطني كان ينبغي أن يبدأ بإجراءات تستعيد الثقة العامة وبقرارات، من بينها محاسبة أو حتى معاتبة مسؤولين عن هندسة الانتخابات التي قادت إلى كل التأزيم أصلاً. ومن بينها أيضاً إشارات في مجال الحريات العامة، مثل الإفراج عن معتقلين حراكيين أو إنتاج بيئة جاذبة تسمح باسترخاء اللجنة التي شكلت لأغراض المراجعة الإصلاحية.
ذلك لم يحصل، وبالتالي هوجم رئيس اللجنة بقوة، ودلت الاجتماعات الأولى -على الأقل- على غياب الانسجام أولاً، وصعود محاولة تشويش ثانياً، فأصبح الجهد منصباً على الإفلات من كلفة الزحام الذي يعيق الحركة والتخلص من نتائج سلبية وتداعيات أكثر من الاهتمام بجوهر المراجعة التي أمر بها القصر. في كل حال، اللجنة تستقر نسبياً كلما اجتمعت أكثر.
هذا جيد، لكن الجيد أكثر هو ما ينتج عن إصرار عضو اللجنة المسيس واليساري الخبير جميل النمري، على أن المهمة يتوجب أن تنجح دون توفير ضمانات حقيقية للنجاح، ودون حتى التوافق على مسألتين شكليتين في غاية الأهمية، مع أن عمر اللجنة اقترب من الأسبوع الثاني.
المسألة الأولى هي عدم التوافق على اختيار رؤساء ومقرري اللجان الفرعية، والاضطرار إلى تدارس إجراء انتخابات وتعديل وتصويب التوجيهات الداخلية بين الحين والآخر.
أما المسألة الثانية فتمثلت في بروز تيارين داخل اللجنة فوراً:
الأول يصر على الالتزام الحرفي بمراجعة التشريعات التي ورد ذكرها في رسالة التكليف الملكية للرفاعي فقط، بمعنى التركيز على الجانب التقني والقانوني فقط.
أما الثاني فهو التيار الذي يتحمس لعرض كل الملفات على الطاولة ونقاشها استناداً إلى فكرة أن وظيفة اللجنة وضع محتوى فكري سياسي إصلاحي وطني توافقي، وليس مناقشة فقرة قانونية أو نص في تشريع هناك. تصارع التياران بوضوح وظهرت التناقضات بينهما، وازدادت الأمور تعقيداً مع ما تجره بالعادة حسابات الانتخابات الفرعية على المجتمع النخبوي الأردني، حيث مطب وكمين يعتقد فيه بعض أعضاء اللجنة أنها تمثل دربهم نحو الجلوس في مقاعد الصف الأمامي في حكومة وبرلمان المستقبل.
تلك تعقيدات بالجملة تشكل تحديات ورهانات، والأجدر في التعاطي معها والاشتباك هو الرفاعي حتى اللحظة، لكن لا يوجد ضمانات احتواء إذا ما قرر لاعبون مسيسون أو حزبيون لاحقاً، ولأي سبب، الانسحاب من المسرح.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى