اراء و مقالات

أيضا في الأردن… وزراء بدون صلاحيات

من حق بلدنا أن يتمتع بميزة وزراء لديهم قدرة حقيقية على اتخاذ القرار، والشعب الأردني لا يتمتع بذلك الآن لأن وزيرا للزراعة تفرضه المحاصصة يمكن أن يصبح وزيرا للداخلية

يبلغني صديق عن جمعه أكثر من 19 ختما وتوقيعا حتى ينجح في استكمال إجراء تقرر أصلا بمنحه رخصة لافتتاح محطة وقود، مع أن شروط إنشاء محطة وقود قانونيا محسومة لصالح مواصفات ومقاييس معروفة. لا أعرف ما هي بصورة محددة العلاقة المحتملة بين رخصة إنشاء محطة وقود وبين الهيئة المعنية بالتصنيع النووي مثلا. لكن ذلك يحدث في سهرة الوناسة الإدارية البيروقراطية والتي تؤدي طوال الوقت لإرهاق واستنزاف المال الوطني في الداخل وتمنع المال الوطني وغير الوطني في الخارج من القدوم لأغراض الاستثمار.
تعثرت بصناعي متوسط المستوى اشترى أحد التجار من مصنعه منتجا وتم تحميله على الشاحنة بأوراق رسمية وقانونية. دورية جمركية صادفت سائق الشاحنة وصادرت الشاحنة والمنتج والسائق ليس بأي تهمة محددة ولكن لأغراض التدقيق، وهو واجب وطني وقانوني بكل الأحوال.
حصل التدقيق وشكلت لجنة وما بين فلان وعلان من موظفي الجمارك وصدور قرار اللجنة بعد 14 يوما من شرعية المسألة، بقيت الشاحنة معطلة، وفقد السائق الذي يقول إنه يعمل مرتزقا بكعكة قوت يومه وأولاده طوال هذه الفترة.
أحد كبار المصنعين في شمال الأردن زارته إحدى الأميرات، وكان يشتكي من كثرة زيارات وتعدد أجهزة التفتيش التي تعيق العمل، ومطعم كلفته عشرة ملايين دينار على الأقل، أغلقه بالكامل أحد موظفي التفتيش الصحي لأن العامل الوافد المختص بالأرجيلة لا يشهر بطاقة حصوله على اللقاح.
حدثني البعض عن ما هو أطرف، حيث عملية بلطجية تعرض لها أحد الشبان في مصنع صغير يملكه والده انتهت بفتح شارع في وجه الفتى، والاعتداء عليه بآلات حادة من منافسين في المنطقة، وبعد التعاطي وجد الفتى وصاحب الاستثمار نفسه أمام شكوى قضائية بالاعتداء، أدت بالضحية إلى التوقيف والسجن ثم بدأت الضغوط الاجتماعية لأن النظام الأمني القانوني يساوي ويوازي بين شكوتين.
لو كنت مستثمرا وأحمد الله على نعمته بعيدا عن الاستثمار، لفكرت مليا بقروشي إذا ما كانت ستؤدي إلى تشويه وجه أحد أبنائي.
تحصل مفارقات إدارية أبشع بين الحين والآخر، أزعم شخصيا بأن كبار المسؤولين يعلمون بها تماما.

من حق بلدنا أن يتمتع بميزة وزراء لديهم قدرة حقيقية على اتخاذ القرار، والشعب الأردني لا يتمتع بذلك الآن لأن وزيرا للزراعة تفرضه المحاصصة يمكن أن يصبح وزيرا للداخلية

يتوجه مثلا وفد برلماني عريق إلى العراق المجاور طبعا على حساب المال العام، ويجري مشاورات ولقاءات، فيطرح غالبية العراقيين الذين التقاهم الوفد العراقي ملاحظة واحدة أساسية فيها توسل ورجاء: نرجوكم كأشقاء أن ترسلوا مع وزيركم عندما يزورنا ويبحث معنا أي أمر صلاحياته باتخاذ قرار.
يعني أن الوزراء يغادرون إلى العواصم بدون تمتعهم بالقدرة على اتخاذ قرارات، وذلك يحدث حسب الخبرة المرصودة لعدة أسباب، من بينها تعدد المرجعيات وضعف الشخصيات الوزارية وترهل نظام الإجراءات وغياب القدرة على اتخاذ قرار سياسي، إضافة إلى من يضعون أصابعهم وهم كثر بالمناسبة بإسم المؤسسات السيادية في عين أي وزير.
ومن الواضح أن العراقي لاحظ ذلك من إشارتين فقط، هما كثرة اعتذار المسؤول أو الوزير الأردني أثناء الاجتماعات لإجراء مكالمة هاتفية «وزراء آلو» وثانيا كثرة تأجيل التوقيع على أوراق رسمية بحجة التشاور أو في الزيارة المقبلة.
من حق بلدنا أن يتمتع بميزة وزراء لديهم قدرة حقيقية على اتخاذ القرار، والشعب الأردني لا يتمتع بذلك الآن لأن وزيرا للزراعة تفرضه المحاصصة يمكن أن يصبح وزيرا للداخلية، ولأن وزيرا للسياحة يمكن أن يصبح وزيرا للبيئة في متوالية هندسية لا معنى لها، وتطبق القاعدة المألوفة شعبيا بعنوان «إضرب… ما يهمك تخصص».
وفد برلماني آخر قرر دعم وإسناد التكامل التجاري مع مصر، فتمتع لأسبوع في فنادق القاهرة الضخمة، ومصروفات الوفد الذي لم يحدث أي تأثير من أي نوع كانت كفيلة بإقامة معرض حضاري لفرص الاستثمار في الأردن على شاطئ النيل أو على الأقل كفيلة بإعداد دراسة وطنية مسؤولة صادقة تجيب على السؤال التالي: ماهي مؤشرات السحر المصري المتعلق بسحب وخطف المستثمرين في الأردن؟
سألت مباشرة صناعيا متخصصا بمعجون البندورة والمعلبات عن سر نقله لمصنعه إلى مصر وكان الجواب كالتالي: خلعت أبواب المصنع وسرقت الخزنة، وتعرض الموظفون للبلطجة والاعتداء عدة مرات، واشتكيت لكل المعنيين، ولم يحقق أحد، فحملت معلباتي وقررت الاستقرار في مصر لإنتاج الطماطم في سوق عريض شغوف بمعجون الطماطم.
معرض هو الأرفع عالميا في دولة خليجية يقرر مسؤول ما افتتاح الجناح الأردني فيه عبر بناء «كرفان» أو «هنجر» صناعي على أساس رمزية ما مع خيمة بدوية صغيرة برفقة فناجين القهوة المرة مع أن التسويق الأردني منتج أكثر في مجال التجارة والخدمات والسياحة.
يا سادة يا كرام ثمة تعبير أفضل عن الأردنيين يتجاوز إقامة خيمة بدوية أو مربع كرتوني يتحدث عن صناعة وصفها أمامي مسؤول كبير جدا بكلمتي «نص كم».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى