اراء و مقالات

شبح «عودة ترامب» بين احتمالات يدرسها الأردن

3 عصافير تم اصطيادها «ليلة المسيرات الإيرانية»

عمان ـ «القدس العربي»: يبرز أكثر وسط النخبة الأردنية الرأي القائل إن ليلة التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية الموجهة ضد إسرائيل يوم 14 من الشهر الجاري كانت مفيدة في اصطياد عصافير بحجر واحد؛ لأنها وإن وترت قليلاً العلاقة مع الإيرانيين أكثر وقد تلحق ضرراً بمصالح الأردن في العراق وسوريا، كانت محصلة لقرار سيادي بالتأكيد فكرته الاضطرار إلى زاوية حرجة.
السجالات استمرت في الأردن بعد الأسبوع الثاني على التوالي ليس على المستوى النخبوي فحسب لكن على المستوى الشعبوي أيضاً، الذي شعر بقدر من الإحراج جراء المناورة الدفاعية، فيما احتفل بها الإعلام الإسرائيلي قبل أن يستقر الرأي القائل بأن عمان منشغلة تماماً، وهي تعيد تدوير الزوايا في اشتباكات الإقليم بمبدأ مقر سابقاً عنوانه عدم تحول الأردن عموماً لساحة صراع بين محورين يمثلان اليمين الإسرائيلي ومحور المقاومة. في الأثناء، يؤشر السياسي والبرلماني الأردني المخضرم الدكتور ممدوح العبادي، وهو يعلق على مسار المواجهة الإسرائيلية الإيرانية عبر «القدس العربي» إلى أن اليمين الإسرائيلي المجرم يحاول استثمار الهجمة الإيرانية لإطالة أمد الأزمة في غزة، مقترحاً أن بلاده والدول العربية عليها الانتباه لما يسعى له بنيامين نتنياهو، الذي يستمر بدوره في قصف الأطفال والنساء في غزة وبجرعة مكثفة بعد معركة استعراض القوة مع إيران.
في الخلاصة، وسط السياسيين والخبراء الأردنيين استنتاجات عن رسائل كان لا بد من توجيهها حرصاً على عزل ميزان المصالح الأردنية الأساسية عن سياقات الأجندات بين محورين، وهو ما ألمح له أيضاً في نقاش تحليلي عضو مجلس الأعيان والوزير السابق الدكتور محمد المومني، وهو يقدر بأن مصالح السيادة الأردنية كانت وستبقى عابرة لأي اعتبارات للأطراف الأخرى.
العدو ـ في رأي الأردنيين ـ واضح وواحد، وما أبلغه وزير الخارجية أيمن الصفدي لنظيره الإيراني حسين عبد اللهيان في لقاء جمعهما مؤخراً في نيويورك، أن الأردن ليس خصماً لإيران، وأن عمان مهتمة جداً بأن لا تصبح المملكة التي تقدم كل أصناف الدعم للشعب الفلسطيني، أرضاً خصبة لصراع الأجندات.
وهنا يظهر في بطن الكلام الدبلوماسي الأردني الحرص على أن الدفاع عن سيادة الأجواء الأردنية هو معيار في أولويات الأردن لا يستهدف أي تدخل، لا لصالح إيران ولا لصالح خصمها الإسرائيلي.
لذا، تكثفت اللهجة الأردنية الدبلوماسية التي أعلنت مراراً وتكراراً على لسان الصفدي أن الأردن لن يسمح أيضاً باستخدام أجوائه وأرضه من جهة إسرائيل، في المقابل، بضرب أي دولة أخرى في المنطقة.

3 عصافير تم اصطيادها «ليلة المسيرات الإيرانية»

عملياً، وضع الهجوم الصاروخي الإيراني الذي حاول التسلل عبر الأجواء الأردنية مساء 14 من الشهر الجاري، مصالح الأردن -وفقاً للأوساط الرسمية- في معيار الاشتباك.
العصفور الأول الذي اصطادته المؤسسة الأردنية هنا كما قيل في أروقة مجلسي الوزراء والسياسات، هو أن تتوثق جميع الأطراف من أن عمان لن تسمح بأن تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين محورين، والانطباع بأن الأردن يملك من التحالفات والصداقات ومن لوجستيات البنية السيادية والأمنية ما يؤهله للدفاع عن مصالحه بأي وقت يفترض فيه الإسرائيلي أو الإيراني بإمكانية الاستثمار سلبياً في جغرافيا البلاد.
لذا، أصرت عمان رسمياً على إعلان رفضها لعبور أي طائرات إسرائيلية في اتجاه العراق أو سوريا أو حتى إيران، وفهم من بيان رسمي لاحقاً بأن ما قيل عن طائرات إسرائيلية ضربت أصفهان مؤخراً لا علاقة له من قريب أو بعيد بالأجواء الأردنية. ويحاجج الأردنيون خلف الكواليس بأن إيران لا تحتاج للعبور عبر الأردن لكي تضرب إسرائيل، فبين يديها جغرافيا موالية لها في لبنان وسوريا والعراق، فيما إسرائيل أيضاً لا تحتاج للاختراق والعبور إذا ما خططت أو فكرت بالرد على الإيرانيين، فلديها حدود شمالية مع لبنان وسوريا وتستطيع العبور إلى العراق وإيران عبرها. ورفع الأردنيون عملياتياً، وليس سياسياً فقط، شعارهم في وجه تل أبيب وطهران معاً تحت يافطة عدم العبور.
والمعنى هنا وجود شبكة تحالفات مع الأمريكيين والفرنسيين تساعد الأردنيين في تحقيق هدفهم بالنأي بأنفسهم عن سياق صراع عسكري قد يقود إذا ما تساهل الأردن معه، إلى ما لا يحمد عقباه عندما يتعلق الأمر بأي تناقض مع سياسة النأي بالنفس.
في المقابل، تدور الزوايا الأردنية في مسألة الصراع وتداعيات العدوان على غزة ضمن رؤية أبعد وأشمل، قوامها الاحتياط مسبقاً لحالة انتخابية أمريكية تنتهي بأسوأ نبأ في مقايسات العاصمة عمان إذا ما انتهت موجة انتخابات الرئاسة الأمريكية بعودة عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
علاقات الأردن مع مرحلة ترامب كانت سيئة جداً وضاغطة، وما يذكره الساسة المحليون جيداً هو أن ترامب فيما سمي بصفقة كوشنر أرهق المؤسسة الأردنية وأقلقها، وشبح ترامب يطل برأسه هنا وهناك بين عواصم المنطقة.
والأردن في حاجة سياسية عميقة لسياسة النأي بالنفس على الأقل، لا بل لاصطياد العصفور الثاني سياسياً، المتمثل في الاحتياط والوقاية إذا ما عاد الرئيس ترامب إلى الواجهة وسقطت إدارة جو بايدن الضعيفة.
وما يقدره خبراء الغرفة العميقة في القرار الأردني أن اعتراض المسيرات والصواريخ الأردنية أصاب عصفوراً ثالثاً لا يقل أهمية عندما اصطاد حالة تتناغم ولو نسبياً ليس مع المؤسسات الأمريكية، بل مع ما تبقى في عمق دولة الكيان الإسرائيلي من جنرالات وخبراء يمكنهم بعد العملية الاعتراضية الأردنية الحد من شغب عتاة اليمين الإسرائيلي على مصالح الأردن ودوره.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى