اراء و مقالات

«تشخيص مصلحة الأردن»… ألا يستوجب تدشين «حوار وطني معمق»؟

معارضون وخبراء يُجمعون على ضرورة مواجهة تحديات المرحلة بدعوات لتوسيع قواعد الحوار

عمان ـ «القدس العربي»: ألا تستوجب المرحلة وطبيعة تحدياتها الانتقال فوراً إلى مستوى ومنسوب تدشين حوار وطني شامل وعميق؟
يبدو ذلك سؤالاً تائهاً أو مكرراً عندما يطرحه معارضون كلاسيكيون وخصوصاً من الحركة الإسلامية الأردنية، لكنه يصبح سؤالاً مأمولاً وأبعاده مختلفة عندما تبدأ بطرحه طبقة من رجال الدولة الخبراء في المشهد السياسي الأردني الذي تتلاطمه أمواج الإقليم بصيغة تهدد مصالحه مرحلياً. فكرة الدعوة إلى تدشين حوارات وطنية في عمان بدأت تأخذ حيزاً مختلفاً مؤخراً في ظل التحديات والاستجابات والرهانات على ثقة اللاعبين السياسيين الكبار بأن العدوان العسكري الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة قد يكون هدفه النهائي تغيير شكل وملامح المنطقة برمتها. المقاربة التي اقترحها على هامش وقفة نقاشية مع «القدس العربي» الخبير الدكتور جواد العناني، هي تلك التي تقول إن حوارات وطنية عميقة تفاعلت تجاه ملفات وقضايا أقل أهمية، والحد الأدنى المطلوب في هذه المرحلة هو الانتقال إلى سيناريو المطابخ السياسية؛ بمعنى قد لا يكون المقصود حصراً في تعليق العناني جمع عدد أكبر من الخبراء في كل الملفات السياسية والإقليمية وتحاورهم فيما بينهم تحت العنوان الوحيد الذي يجمع الأردنيين اليوم، وهو تشخيص مصلحة الدولة والنظام.
يمكن ببساطة أثناء التجول في أروقة المجالسات والندوات السياسية الصاخبة في العاصمة عمان رصد تلك الدعوات إلى مبادرات وطنية عميقة، وصفها المعارض الشيخ مراد العضايلة بأنها مطلوبة وبإلحاح مرحلياً بسبب ارتفاع مستوى ومنسوب المخاطر بعد العزل الاجتماعي الذي طال الشريحة الليبرالية التي تحترف التكيف وإنكار المخاطر.
مبكراً وقبل غيره، تحدث العضايلة عن إعادة بناء استراتيجية وطنية بين الدولة والشعب وقوى الطرفين، في إطار الاشتباك والمواجهة بعدما وصلت ترتيبات أجندة اليمين الإسرائيلي إلى مستويات خلق وإنتاج وقائع جديدة في الجغرافيا السياسية.

بناء استراتيجية وطنية

تعليق الشيخ العضايلة المبكر كان يمكن اتهامه بالاصطياد السياسي وبقاعدة لزوم ما لا يلزم، لولا أن شخصيات أخرى قريبة من القرار المرجعي ومن الصعب المزاودة عليها مثل العناني ورئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، توافق على الاستنتاج بأن الخلاصات كبيرة والتأمل الوطني مطلوب وبإلحاح، لا بل يشكل حاجة موضوعية اليوم؛ لأن المناخ في الإقليم مناخ معركة وتصفية حسابات ومشاريع وأجندات.
لذلك، طالب العناني 3 مرات على الأقل بتأسيس مطبخ سياسي استشاري يتولى تداول المعطيات وتزويد مؤسسة القرار بالنصائح. أما أبو الراغب، فاقترح مبكراً عبر «القدس العربي» أيضاً استخدام الأدوات الدبلوماسية الخشنة في مواجهة الحدود الجديدة التي تسعى لرسمها قوى البلطجة الإسرائيلية.

معارضون وخبراء يُجمعون على ضرورة مواجهة تحديات المرحلة بدعوات لتوسيع قواعد الحوار

فكرة توسيع قواعد الحوار في الصف السياسي الأردني الوطني أيدها رئيس الوزراء الأسبق المحنك طاهر المصري، وهو يشير إلى ضرورة أن «نتحدث مع بعضنا أكثر» في سياق بناء استراتيجية وطنية موحدة تزيد نسبة اليقين العام بأن الأردن في التصدي والاشتباك عندما يتعلق الأمر أولاً بمصالحه الأساسية الكبيرة، وثانياً بأي تشوهات تفترض إمكانية إنجاز مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
وما شرحه المصري للجميع علناً عدة مرات أن تفريغ الأزمات في حال تمكين اليمين الإسرائيلي من أجندته لا يعني بالنتيجة إلا السعي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.

منددون بالحوار

طالب المصري بالانتباه الحذر جداً، وتحدث العناني عن تلاقح وطني عميق بين مطبخين، الأول في رام الله والآخر في عمان. لكن ما اقترحه وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، في ندوة علنية، أبعد قليلاً وأكثر تفصيلاً عندما قدر بأن علاقات الأردن بإسرائيل لن تعود كما كانت. ولبرمجة إطار جديد لهذه العلاقات وترسيمه، فالاحتياج جذري وعميق لتدشين حوارات وطنية على مستوى الخبراء.
طبعاً، على مستوى السلطات أو قوى الأمر الواقع، فإن البلاد قادرة على إدارة توازن المصالح، ولا حاجة لحوارات وطنية عميقة؛ لأن المملكة خرجت للتو من سلسلة استشارات وحوارات لجانية انتهت بوضع ثلاث وثائق مرجعية: الأولى باسم التحديث السياسي، والثانية باسم التمكين الاقتصادي، والثالثة لها علاقة بالإصلاح الإداري.
وما يقترحه المنددون بدعوات حوار وطني عميق له علاقة بملفي إسرائيل وفلسطين الآن، هو أن التحديثات في مسارها والحوارات التي تمثل الشارع الأردني ستجري تحت قبة برلمان منتخب قبل نهاية العام، وإن كان ذلك لا يكفي بكل حال؛ لأن تقدير أبو الراغب أشار علناً في لقاء تلفزيوني، إلى أن الحالة المطلوبة أبعد من استرسال في تفعيل التمثيل الانتخابي والبرلماني. لذا، تكاثرت دعوات الحوار الوطني، وتزاحم مقابلها دعوات تشكك بها، بعنوان عدم وجود ما يبرر ويلزم، وعلى أساس أن الأردن في الاشتباك دفاعاً عن غزة والشعب الفلسطيني، وفي مواجهة اليمين الإسرائيلي.
لكن ما يقترحه كثيرون هنا أن خطاب الثوابت والاشتباك على أهميته لم يعد كافياً، وأن توسيع قاعدة للتشاور الوطني بات أمراً ملحاً يتجاوز في أهميته مسائل مثل الانتخابات أو تغيير الطاقم وإحداث تعيينات هنا وهناك، حيث مستوى المخاطر ارتفع كما لم يحصل من قبل، والإقليم على فوهة بركان، ومصالح الأردن الحدودية والاقتصادية والأمنية في مواجهة تحديات غير مسبوقة، وإسرائيل انقلبت على نفسها والسلام والأردن، وفقا لتعبيرات شهيرة بتوقيع المعشر.
يخفت صوت الشارع الأردني بوضوح الذي يهتم بالانتخابات والتمثيل ومسارات التحديث. وما سمعته «القدس العربي» من قادة أساسيين في الحركة الإسلامية، من بينهم نائب المراقب العام للإخوان المسلمين محمد عقل، هو أن قواعد الحركة غير معنية بالانتخابات، والمطلوب توسيع قاعدة الحوار الوطني والاستعداد ورفع الجاهزية لاختبارات تمس بمصالح الوطن الرسمية والشعبية.
علت الأصوات التي تطالب بحوارات وطنية عميقة دون تحديد كيفيتها وآليتها طبعاً، وانخفضت الأصوات التي تؤمن بأن تعبير الحوار المطروح ممكن فقط عبر الانتخابات، كما ارتفعت الأصوات الداعية إلى مطابخ خبيرة وحكيمة تدير الملفات الأساسية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى