اراء و مقالات

الأردن: «كمون» الاحتجاجات و«مدماك» جديد في «أزمة الثقة»

عمان – «القدس العربي»: المساحة التي تقلصت إليها خلال الساعات القليلة الماضية فعاليات الإضراب في قطاع النقل الأردني تبدو مساحة آمنة، ووفرت أساساً ولو مؤقتاً لتجنب أزمة كبرى واستئناف قطاع الأعمال في مسار النقل.
لكن الأسئلة الأكبر في سياق بوصلة الرأي العام ومشكلات الوضع المعيشي واحتمالات تكرار سيناريو الإضراب والاحتجاج لا تزال مطروحة وبقوة وبدون معالجات احتواء جذرية.
سلسلة من الخطوات اتخذتها السلطات الأردنية لتجاوز عقدة شحن الإضراب والاحتجاج والانفعال الشعبي والشعبوي أحياناً، لكنها خطوات من الطراز الذي يعالج مشكلة مؤقتة قد تعود لاحقاً وتحت عناوين أخرى، وإن كانت النهايات حتى عصر الأحد تؤشر على انفراجات من الطبيعي أن الجميع يرحب بها بعد أن تصدرت احتجاجات الأردنيين أنباء الفضائيات وأنتجت كميات كبيرة من الضغط والقلق.
شوهدت إطارات الشاحنات الكبيرة على نحو مفاجئ صباح الأحد تدور على الشارع، وتحركت الشاحنات لعملها في مناطق حيوية في قطاع النقل، من بينها ضاحية سحاب شرقي العاصمة عمان القريبة من إدارة الجمارك، وتحركت الشاحنات إلى حد ملوس على الطريق الصحراوي. وانطلقت أيضاً في محافظة البلقاء، وفي بعض أحياء العاصمة عمان، وجزئياً في مدينتي مأدبا والزرقاء.
تلك مؤشرات على أن الجزء المتعلق بسائقي الشاحنات المضربين تفكك ولو نسبياً بعد المخاوف التي ظهرت عند جميع الأردنيين إثر استشهاد العقيد في جهاز الشرطة عبد الرزاق الدلابيح، حيث نقطة تحول هنا دفعت الإضراب السلمي باتجاه هواجس أمنية، وأعقبها انتشار أمني على مختلف الطرق الخارجية وبين المدن، قدم بدوره مساهمة فعالة في تحريك قطاع النقل وإطارات الشاحنات في الوقت الذي عالجت فيه لجنة أزمة وزارية وبشكل سريع الأوضاع في ميناء العقبة، وتجهيز الأرصفة لسفن الشحن وتكدس الحاويات.
وشكلت الحكومة أمس الأول لجنة وزارية صغيرة برئاسة وزير الداخلية مازن الفراية، وظيفتها استعادة التعافي وفوراً في قطاعات المناولة والشحن البري والترانزيت، وأيضاً في قطاعات سلاسل التزويد وضمان انسياب البضائع، خصوصاً المحملة بالمواد الغذائية والأعلاف.
في بعض المناطق امتنع بعض السائقين عن تحريك شاحناتهم، والإشارة هنا لشرائح في مدينة مأدبا ومدينتي معان والكرك جنوبي البلاد، مع أن جهوداً ملموسة بذلها عضو مجلس الأعيان بسام التلهوني، ساهمت في التوصل إلى اتفاق محدد قد يسمح بتفكيك إضراب سائقي المناطق الجنوبية نسبياً أيضاً.
بصورة عامة، الموقف في قطاع النقل أقل وطأة، والإضراب تم تفكيك بعض الأجزاء منه، والانتشار الأمني ضبط الإيقاع، لكن مجازفات ومغامرات التحريك الشعبي ظهرت أو استمرت هنا أو هناك، فقد اضطرت قوات الدرك للتدخل في حي الطفايلة بالعاصمة عمان لمنع اعتصام مفتوح وسط المدينة، ورصدت مناوشات محدودة وصغيرة في الزرقاء، ويبدو أن المضربين من سائقي شاحنات وحافلات مدينة الكرك حصراً لا يزالون حتى فجر الأحد في مزاج العصيان والانفعال.
وفي الحيثية الكركية، قرر مجلس البلدية التراجع عصر الأحد عن إضراب عام قرره قبل يومين صباح الإثنين، واعتبرت الخطوة تفاعلاً لمسار تفكيك حالة الاحتجاج.
ساهمت تصريحات حكومية أيضاً في بعض الانفراج عندما أكدت بأن أسعار المحروقات سيعاد النظر فيها نهاية الشهر الجاري، وفي الوقت الذي ضغطت فيه شركات نقل كبيرة على سائقي شاحناتها وتم توفير الأمن لها على الطرق وبصرامة تقلصت قدرة السائقين الأردنيين على الصمود مالياً أكثر بدون عمل للأسبوع الثالث على التوالي، خصوصاً أن كلفة صيانة شاحنات لا تتحرك إطاراتها على الشارع تزداد.
في الخلاصة وباختصار، تقاطعت عدة ظروف ومبادرات في استئناف عمل الشاحنات والحافلات على الطرق العامة، وبدا للجميع أن ذلك حصل بدون خضوع الحكومة للمضربين.
لكن ما يرصده الجميع هو الانطباع العام باحتواء جزئي لأزمة النقل دون توفير أو توفر ضمانات حقيقية وجوهرية بعدم ظهور العصيان والاحتقان تحت العنوان المعيشي في تواقيت أخرى مستقبلاً، لأن حجم التعاطف الاجتماعي مع السائقين المضربين كان ضخماً للغاية. والحواضن الإجتماعية ظهرت للإضراب قبل تفكيكه حتى في بنية العشائر والقبائل الكبيرة.
لقد تم احتواء إضراب قطاع النقل بصعوبة بالغة وجزئياً، لكن نهج الحكومة في التسعير للمحروقات أصبح قيد الاحتجاج بحد ذاته وتحت الأضواء الساطعة، والحراكات الشعبية قد تدخل في حالة كمون تقديراً للمخاطر. لكن مدماكاً جديداً تمأسس وبني في جدار أزمة الثقة بين الحكومة والأردنيين عموماً، فالمزيد من الغضب والاحتقان يحتفظ به الجميع.
وهذا الاحتفاظ هو وصفة للتصعيد في أي وقت لاحق تحت العنوان الاقتصادي المعيشي مع بروز ملاحظتين في غاية الأهمية: الأولى تلك التي تقول اليوم بأن البنية العشائرية والاجتماعية رفعت على هامش إضراب النقل وتداعياته سقف الخطاب والانتقاد وأحياناً الهتاف. والثانية، تلك الإشارات الملغزة العميقة التي وردت في بيانات أبناء العشائر حصراً وبصورة نادرة لأول مرة عن “أزمة حكم” وليس حكومة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى