اراء و مقالات

«المسكوت عنه» في «ملف النائب العجارمة» في الأردن: «أزمة» بدأت للتو و«تقاليد التسامح» بين «غلاظة العقوبة» و«خشونة» المجتمع

عمان – «القدس العربي» : يحتاج مشهد من طراز إحراق شاحنة تعود ملكيتها لأحد المواطنين وأحد المحلات التجارية أو المطاعم أثناء الاحتجاجات من قبل بعض المتحمسين وأنصار عضو البرلمان السابق أسامة العجارمة، إلى تأمل من كل الأطراف وفي كل المحطات، خصوصاً أن دلالته تبدو قاسية وغليظة بالرغم من الإرباك الذي أثاره في المناخ السياسي بالبلاد عموماً قرار محكمة أمن الدولة عقوبة الحبس 12 عاماً بحق النائب المفصول العجارمة، والحبس 8 أعوام بحق ثمانية أشخاص من أبناء قبيلته.
يضيف الإسرائيلي إيدي كوهين، المتخصص في التحرش في الأردن والسعي دوماً لإحراج الحكومة الأردنية، ملحاً على جرح ومشاعر المواطنين البسطاء وهو يغرد ممتدحاً قرار حبس العجارمة، ورابطاً بين القرار وموقف العجارمة المضاد لإسرائيل، خصوصاً أنه كان قبل انفلات الأمور وارتكابه لمخالفات جسيمة، لا بل جنائية بالمعنى القانوني في كثير من المحطات قبل فصله من البرلمان في حادثة شهيرة وبين ما سمي بالزحف العشائري لمناصرة المقاومة الفلسطينية.

المشهد المؤلم والموجع

في كل حال، المشهد المؤلم والموجع وطنياً حتى في رأي معارضين مثل الشيخ محمد الحديد، هو وجود نوع من «الزعران والبلطجية» أثناء الاحتجاجات قاموا بإحراق محلات، خاصة دون مبرر في ضاحية ناعور التي يسكنها النائب المفصول والسجين الآن أسامة العجارمة.
المشهد لفت نظر جميع الأردنيين فعلاً، ويستوجب التأمل؛ لأن غلاظة عقوبة السجن مسألة ينبغي أن تناقش فيها السلطة، وخشونة الأفعال والأقوال التي قادت العجارمة النائب الشاب إلى السجن أيضاً مسألة يناقش فيها هو شخصياً، وإن كان مجمل إدارة هذا الملف يستحق التساؤل. لكن حرق شاحنة تصطف على الشارع الرئيسي أثناء الاحتجاج بدعوى الغضب الشعبي هو سلوك جنائي بالتأكيد وبامتياز، وكذلك حرق مطعم أو الاعتداء على حاوية نفايات دون مبرر. وهي تصرفات سارع عقلاء من أبناء قبيلة العجارمة أصلاً إلى التنصل والتبرؤ منها، وحسبوها على سلوكيات عنف شاذة.
لكن الأهم أن هذا النمط من الاحتجاج والاعتراض على المستوى الشعبي عبر إيذاء المصالح الخاصة والملكيات الشخصية هو مسألة تشير على ما يمكن وصفه بأقصى وأغلظ التعبيرات عن حالة اضطراب أمنية، خلافاً لأنها مؤشر جذري وعميق على ميل العنف الاجتماعي إلى تسجيل سوابق غير مألوفة بالنسبة للأردنيين، وهي غير مقبولة وغير مألوفة بالتأكيد بالنسبة لعشائرهم، بما في ذلك العشائر التي يعتريها الغضب لأسباب اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك.
المشهد تم تداوله على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ضمنياً يقرع جرس الإنذار عما يمكن أن تصل إليه الأمور في حال انفلات الهويات الفرعية في كل حال، لأن الاعتراض والاحتجاج السلمي هو الأساس، وهو الدرس المنقول والمتوارث بين الأردنيين، خصوصاً أنه لا توجد مستويات من التوافق العام على السلوكيات النائب المفصول والسجين الآن، وإن كانت مظاهر من العنف تقرع كل أجراس الإنذار وبقوة عندما يتعلق الأمر بمحاولة استدراكية لفهم وتحليل أسباب ميل الأردنيين أحياناً للعنف الاجتماعي، لا بل لإيذاء مصالح الأفراد.

عقوبة قاسية

وهو أمر بالتأكيد لا تتأثر به الدولة ولا المؤسسات الرسمية، وغالباً يدفع ثمنه المواطنون والناس، لأن الملكيات التي تم الاعتداء عليها تحت لافتة التضامن مع السجين العجارمة هي حجة على من اعتدى، وحجة على العجارمة نفسه، الذي يمكنه تحصيل نمط أكثر من التضامن والتعاطف على المستوى الأفقي الاجتماعي في حال مال الاعتراض ووجهت رسائل بالطريقة الأردنية التقليدية والكلاسيكية، بعيداً عن تحدي الأذرع الأمنية وتحدي دولة القانون.
عقوبة السجن 12 عاماً قاسية بامتياز وبكل الأحوال. وبالنسبة للمقاربة الشعبية في أوساط حتى الشخصيات المعتدلة يبدو أنها عقوبة مغلظة خلافاً لأن سجن المعارضين خصوصاً من أبناء العشائر مسألة بالعادة لا تكتمل في الأردن، ويتم التعامل وفقاً لتقاليد يعرفها الجميع، فالمعارضون يفرج عنهم الملوك بالعادة، كما حصل عدة مرات أو مرتين على الأقل مع أبرز المعارضين ليث شبيلات.
لكن النائب العجارمة لم يكن معارضاً، بل هو حراكي بامتياز، والعقوبة المبالغ فيها تقريباً طرحت الكثير من الأسئلة إن كان المجال دوماً مفتوحاً وبكل الأحوال للتعامل مع معطيات لها علاقة بسيناريو العفو العام لاحقاً، حيث إن الأردن بالعادة بلد التسامح، والدولة الأردنية فيها مساحة كبيرة من المرونة في الحالات المماثلة، لكن الاحتجاج شيء وتحطيم وتكسير محلات ومرافق وملكيات المواطنين شيء آخر يغضب جميع الأطراف، خصوصاً أن من يدفعون الثمن أحياناً هم الأبرياء.
لذلك، محطة العجارمة لم تبدأ أصلاً من عند عقوبته التي تقررت قبل يومين، فالمقارنة حاصلة في وجدان النشطاء والحراكيين حول عقوبات أقل بكثير، أو لم تتخذ حتى مع معارضين آخرين، خصوصاً من نادي المعارضين في الخارج.
وبناء عليه، أزمة النائب المفصول والسجين الآن لفترة طويلة إلى حد ما يمكن القول إن قرار حبسه 12 عاماً، لا يعني نهايتها لا بل يمكن القول إن هذه الأزمة بدأت فعلاً لأنها أصبحت عنواناً ليس لتغيير قواعد التعامل الكلاسيكية المتجذرة منذ عقود ما بين الدولة الأردنية وبنيتها الأساسية من أبناء العشائر، لكنها أزمة يبدو أنها ممتدة، وأنها في حال عدم الاستدراك بطريقة أو بأخرى قد تصل إلى مستويات لم تكن متوقعة بكل الأحوال، وقد تمثل عناوين لن تقف عند حدود الشخص نفسه، والجناية التي ارتكبها، والعقوبة التي حظي بها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى