اراء و مقالات

هارفارد والفتى «قتيبة»… الأردن و«الحفر في الماضي»: ما هي خلفية إشاعة «تشكيل حكومة مدنية» برئاسة الرزاز؟

عمان – «القدس العربي» : مجدداً، وجد رئيس الوزراء الأردني الأسبق والمثقف الدكتور عمر الرزاز، نفسه وبسبب خبر صغير على منصات التواصل، وسط كل الأضواء الجارحة التي تطارد كل صغيرة وكبيرة، وتعكس تسييس الذاكرة عن الشارع المحلي حتى ولو بأثر رجعي.
ذلك الخبر يتعلق بمشروع له علاقة بمحاضرات أو لقاءات ومشاورات واجتماعات غير متفرغة، دعت جامعة هارفارد العريقة الدكتور الرزاز للمشاركة فيها باعتباره أحد أبرز الباحثين في المجالات التنموية في منطقة الشرق الأوسط.
الشارع الأردني المليء حد التعب – حسب تعبير الدكتور مهند مبيضين – بـ«الفضول والخواء»، التقط المفارقة في مسألة الرزاز وجامعة هارفارد، وكانت النتيجة سيلاً من الأخبار والتعليقات التي تلفت النظر إلى مسألة الشاب الأردني الذي خاض حواراً شهيراً مع الرزاز عندما كان رئيساً للحكومة، «قتيبة».
آنذاك، أعلن الشاب قتيبة، وهو ناشط إلكتروني يبعث عن عمل، أنه يرغب بالهجرة، وسأل الرزاز عن أفضل بلد يمكنه المهاجرة إليه، لكن رئيس الوزراء طلب من قتيبة ألا يهاجر، وعندما استعانت هارفارد بخبرات الرزاز قبل عدة أيام فقط اشتعلت منصات التواصل بمزاعم تقول إن الرزاز يخطط للهجرة، وتم استذكار الفتى قتيبة الذي لا يزال يبحث عن عمل بعد نحو أربعة أعوام على الأقل.
طبعاً، يعلم بعض العالمين ببواطن الأمور أن الرزاز حاول الظهور مؤخراً لدعم عملية تحديث المنظومة السياسية في أكثر من موقع ومكان، لا بل حضر اجتماعاً وسط نخبة من المثقفين الإسلاميين في منزل الدكتور ارحيل غرايبة، وهو إسلامي إشكالي استثمرت فيه حكومة الرزاز وعينته رئيساً لمجلس إدارة المركز الوطني لحقوق الإنسان. وفي كل حال، تجربة حكومة الرزاز أصبحت فجأة قيد التشريح بعملية وحفر بالماضي القريب ولعدة أسباب، يبدو أن أهمها لها علاقة بحالة الفضول المتنامية التي تؤدي إلى تأزيم وتوتير كل التساؤلات المهنية الحرجة حول كيفية تعاطي المواطن الأردني مع الإعلام وتداعياته.
عندما تم اختيار الرزاز تحديداً في لحظة متأخرة بعد تظاهرات شهيرة قبل أكثر من ثلاث سنوات على الدوار الرابع وسط العاصمة عمان وبالقرب من رئاسة الوزراء، سقطت آنذاك في حكومة الرئيس هاني الملقي.
وكان الرزاز، وزير التربية والتعليم في تلك الحكومة، هو الخيار، فتسلم رئاسة الوزراء لأكثر من عامين حضرت فيهما وبقوة كل أنماط الجدل السياسي أو المصفوفات إلى حد كبير. آنذاك وانسجاماً مع منطق أن تشكيل الحكومات هو أقرب إلى «مهمة قد تقصر وقد تطول» كانت مهمة وزارة الرزاز «الاحتواء» مع اليقين بأن «الرئاسة» ليست وظيفة دائمة، وهو رأي سمعته «القدس العربي» عدة مرات من أعضاء مخضرمين في نادي رؤساء الوزرات، من بينهم طاهر المصري وسمير الرفاعي وغيرهما.
تقرر في الدولة العميقة على الأقل بأن يتم تسليم مهام السلطة التنفيذية؛ أي الحكومة في ذلك الوقت، لممثلين مقربين جداً من تركيبة المعتصمين على الدوار الرابع.
وهي تركيبة تقول الأوساط والمصادر الأردنية الآن وبأثر رجعي، إنها كانت مدعومة من الطبقة الوسطى بشكل خاص، وأن الحضور المكثف لم يكن من عناصر الحركة الإسلامية، بل من عناصر التيارات المدنية، وأن تلك الفعاليات على الدوار الرابع كانت مدعومة من بعض المصرفيين الكبار، بل من بعض البنوك ومجالس إداراتها؛ بمعنى أن الرزاز قريب سياسياً من تمثيل مجموعة التيار المدني، وقفز لمنصة الرئاسة من منصة رئاسته لأحد البنوك.
بمعنى أو بآخر، الاستعانة بالرزاز كانت خطوة ذكية وعميقة تقول ضمنياً لتركيبة المعترضين على الدوار الرابع بأن أحد أبرز تعبيراتهم أصبح رئيساً للوزراء.
وفي تلك اللحظة، كانت كل مؤشرات العمق في الأجهزة والمؤسسات الرسمية الأردنية تترصد بحكومة الرزاز وتظهر الاستعصاء في التعاون مع طاقمه، على أمل أن يدرك رواد التيار المدني تحديداً بأن ضغوطهم قد تؤدي إلى اختبارهم عبر مواجهة الحقائق والوقائع في السلطة.
حضر الرزاز بهذه الخلفية إلى قيادة المشهد، لكن وفي وقت مبكر أدرك على الأرجح بأن التوازنات الحقيقية شيء والحديث عن الأوهام الفكرية والثقافية شيء آخر، حتى أنه وفي سجال معروف وموثق مع «القدس العربي» مباشرة، لام كل من يحمل قلماً ويكتب أو يفكر بأن الأردن يمثل فقط رواد التحول الديمقراطي أو دعاة الإصلاح أو حتى التيارات المدنية. قالها الرزاز بوضوح رداً على استفسار خاص: أنتم وأنا والإصلاحيون والديمقراطيون والنشطاء المدنيون ودعاة التغيير والتحول، كم نمثل من نسبة المجتمع في الأردن؟
بصورة غريبة، ألمح الرزاز نفسه قائلاً بأن النسبة قد لا تتجاوز 2% مع التأكيد على أننا لسنا وحدنا في هذا البلد والوطن. وبالتالي، فهم الجميع في تلك المناسبة وبحضور رئيس مجلس النواب آنذاك عاطف الطراونة، وغيره من السياسيين وبعض وزراء حكومة الرزاز، بأن رئيس الوزراء يتحدث من نظرة واقعية أكثر، من المرجح أنها النظرة نفسها التي أدت إلى إقصاء حكومته وتشكيل حكومة لاحقة بقيادة الدكتور بشر الخصاونة.
في كل حال، الحديث عن الهجرة وهارفارد وتوجيه اتهامات مبطنة وبأثر رجعي لرئيس وزراء مدني ومثقف وباحث من وزن وحجم الرزاز، مسألة تستحق التأمل وبعمق، خصوصاً أن الرجل ترك كل المواقع، وإن كانت بعض المصادر ترشحه لدور في مؤسسة مهمة لأغراض التنمية، تجري مشاورات على أساس تكليفه بها في وقت لاحق.
يقول الشارع الأردني ضمنياً، بأن ذاكرته في المناكفة على الأقل ليست فضولية فقط كما يصف المبيضين، وليست انتقائية في كل الأحوال كما يصف آخرون، لكنها ذاكرة تصبح خصبة ومكثفة التركيز عندما يتعلق الأمر بمحاولة إنتاج أي جملة معارضة أو مناكفة، أو عندما يتعلق الأمر بغياب اليقين السياسي، مما يجعل كل تناقضات المجتمع الأردني تظهر عبر منصات التواصل وهي تطارد نخبة من كبار المسؤولين أو من رموز الدولة في الحقبة الأخيرة. وبطبيعة الحال، وبسبب ميل شخصية مثل الرزاز للصمت والاستيعاب والهدوء والنعومة الشديدة، يمكن القول بأن عدم اشتباكه ورده على ما يقال ضد تجربته وضده شخصياً هو نوع من الترفع السياسي خلافاً لأن المساس بشخصية مثل الرزاز غير مكلف بالنسبة لمجتمع النخبة الأردنية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى