اراء و مقالات

الأردن: تكلس «الحلقات الوسيطة» وقيادات «مسيحية» تنضم إلى الغاضبين

لماذا يخاطب المواطن «رأس الدولة»؟

عمان – «القدس العربي» : فكرة مباشرة ومختصرة عن تأثير وفعالية وإنتاجية أزمة الأدوات المتواصلة في الأردن.
المجلس الكنائسي الإنجيلي الذي يمثل الطوائف الأهم من الأردنيين المسيحيين انضم إلى ركب المنزعجين والقلقين. والأهم أن هذا المجلس مع قيادات الوطنيين الأردنيين المسيحيين بدأت ولأول مرة أيضاً بمخاطبة رأس الدولة، وذلك عبر الإشارة إلى أن رضوخ مؤسسة حكومية وظيفتها خدمة جميع أهل عمان، وهي بلدية العاصمة عمان، للضجة المفتعلة من قبل قوى الظلام والكراهية، إنما هي مسألة ينبغي أن لا تمر من رأس الدولة بلا حساب.
الخلاف كان قد اندلع بين بلدية العاصمة وقادة أركان بعض الطوائف المسيحية بعد بيان لبلدية العاصمة يحاول تفسير سبب إزالة لافتة عن أحد الجسور في عمان تتضمن، كما قالت الأمانة في بيان لها، عبارات مسيئة للديانات.
مجمع الكنائس الإنجيلي الأردني أعلن انزعاجه من قرار الأمانة إزالة آية من الكتاب المقدس، وهي جمعية تمثل جميع الطوائف المسيحية وردت لتهنئة الأردنيين بمناسبة عيد الاستقلال. الانزعاج الأهم في أوساط المسيحيين كان مما وصفه مجمع الكنائسي برد أمانة عمان المستغرب والمخجل عندما وصف الآية المقدسة بكلمات مشينة تسيء إلى كلمة الله المقدسة.

أزمة وسط إقليم مشتعل

طبعاً بعد الضجة التي تسبب فيها قرار الأمانة إزالة لافتة تخص الطائفة المسيحية، اتجه عمدة العاصمة يوسف الشواربة إلى المجمع الكنائسي لتقديم الاعتذار وقدم اعتذاره علناً. لكن ذلك قد لا يساهم في تغيير الوقائع على الأرض، فلأول مرة تنضم قيادات مسيحية عملياً إلى مستوى الاحتجاج على تصرفات مؤسسة تتبع الحكومة. ولأول مرة أيضاً تخاطب مثل هذه القيادات الدينية رأس الدولة الأردنية وتفترض بأن ما حصل ينبغي أن لا يمر.
تلك مقايسات بدأت تحصل أكثر من أي وقت سابق في الماضي في الحالة الأردنية.

لماذا يخاطب المواطن «رأس الدولة»؟

تكشف هذه الحادثة بكل الأحوال عن الثمن والكلفة الناتجة عن الإصرار على التمسك بالآليات والنهج القديم المتعلق باختيار القيادات على رأس المؤسسات الرسمية والحكومية.
وتكشف مجدداً عن أزمة الأدوات وسط إقليم مشتعل ووضع شعبي يائس ووسط القناعة على أكثر من صعيد بضرورة أن يتدخل رأس الدولة، وهو الملك شخصياً، لإقناع الأردنيين اليوم بإمكانية حصول أمر ما إيجابي. وهي الصيغة التي استخدمها سياسي وخبير اقتصادي ووزير وبرلماني أردني سابق ومؤثر هو الدكتور محمد الحلايقة، عندما تحدث عن ذلك في صحيفة لوموند الفرنسية، معدداً مؤشرات مقلقة وبصورة جريئة لطبيعة الأزمة التي يعيشها الأردنيون الآن.
قبل ذلك، يمكن القول بأن حجم ومستوى منسوب المناشدات التي توجه باسم المكونات الاجتماعية الأساسية في الأردن لرأس الدولة زاد عن النسبة المفترضة بالعادة، الأمر الذي يوحي بأن حجم الإشكالات زاد، وبأن حجم التحديات أيضاً ارتفع بصورة تدفع إلى التدحرج نحو زوايا قد تكون ضيقة هذه المرة.
وليس سراً أن نخبة من قيادات الصف المسيحي دخلت في دائرة مخاطبة رأس الدولة والتعبير عن الغضب والانزعاج ليس فقط على وسائل التواصل، بل انضمت بسبب خطأ في تقدير أحد الموظفين في القطاع البلدي إلى المجموعات التي يطلق عليها رئيس الوزراء الأردني المحنك والخبير الأسبق طاهر المصري بـ»الكاظمين الغيظ» .
مؤخراً وأمام «القدس العربي» أقر المصري بأن عدد هؤلاء يزيد، مقترحاً مقاربة وطنية أكثر إنتاجية في التعامل أو في التعاطي مع الزيادة الملحوظة في مستوى الاحتقان عند المواطنين الأردنيين، حيث أسباب اقتصادية وسياسية وأسباب أخرى لها علاقة بالإدارة في الوقت نفسه.
في الأثناء يمكن القول إن كثرة الأخطاء والعثرات الحكومية تقدم مساهمة فعالة في تغذية الاحتقان والإحباط وسط الأردنيين، والدليل الأكبر على ذلك الآن هو ارتفاع منسوب مخاطبة رأس الدولة، بينما مجلس الوزراء موجود، وكذلك مجلس النواب وبقية المؤسسات البيروقراطية التي يقع ضمن واجباتها المعتادة والمألوفة، لا بل التاريخية، الاحتواء وامتصاص ردود الفعل الغاضبة ومعالجة المشكلات التي يتوجه الناس اليوم بسببها إلى مرجعية القصر في مظهر جديد أصلاً وغير دستوري ويخالف الوقائع ويشغل المؤسسة السيادية والمرجعية بالعديد من الملفات والإشكالات خارج نطاق واجباتها الأساسية، كما يشغلها باليومي على حساب الاستراتيجي والعميق.
تلك إشكالية تتراكم مجدداً وأصبحت واضحة ومن المخجل إنكارها أو الإصرار على إنكارها، كما يقدر الدكتور الحلايقة، وتحتاج إلى مواجهة واشتباك حقيقي لا يبدأ فقط من عند إعلان الاتجاه نحو الإصلاح الشامل.

أزمة بطالة وخدمات

وفي الوقت الذي كان قد أقر فيه المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو ذراع يتبع الدولة، بأن التحول الديمقراطي والإصلاحي في الأردن بطيء وزاحف، وبأن خدمات القطاع العام والخدمات التي ترعاها الدولة تتراجع.. في هذا الوقت تزداد التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية.
ويبدو واضحاً في السياق هنا، وبشكل جلي، بأن تراجع مستوى الخدمات وارتفاع منسوب البطالة في قطاع الشباب إلى 50% وحصول حراك عشائري والاستناد إلى الحقائق والوقائع الرقمية والاقتصادية على الأرض، وبالواقع في تراجع ما يسمى بدولة الرعاية أو الدولة الرعوية… كلها أسباب أدت إلى سلسلة من الإحباطات والاحتقانات.
ونتج عن ذلك تجريف مضمون المحتوى السياسي للأحزاب والنقابات والموقف السلبي للعمل العام عبر نقابة المعلمين في حضن القطاع العام، كما قدر نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
وبالتالي، مع غياب الأحزاب السياسية والعمل الديمقراطي الحقيقي وكثرة هندسة الانتخابات والتلاعب بها، تزداد مثل هذه المخاطبات لرأس الدولة وللقيادة، وتدخل الحلقات الوسيطة المعتادة في التعامل ما بين دوائر الحكم العليا والقواعد الاجتماعية في حالة سبات وخمول شديدين يتم التعبير عنهما بين الحين والآخر لتفخيخ اجتماعي وتفجير حراكي كالذي حصل مؤخراً على مستوى عشائر طوق العاصمة عمان والحراك العشائري، وكما حصل سابقاً في الواقع مع أزمة نقابة المعلمين التي أدت إلى تعطيل كثير من المسارات العامة في البلاد لمدة سنتين، وما زالت عالقة في كثير من تفاصيلها.
أزمة الأدوات بدأت تضرب مع ضعف وتراجع خدمات القطاع العام وصورة أقر بها أمام «القدس العربي» رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة.
تلك الأزمة تضرب وبشدة، وتلغي الهوامش والمسافات الآمنة المضمونة بالعادة بين مؤسسة القصر والرعية، وهو وضع يحتاج الأردنيين جميعاً إلى التوثق من أنهم إما يخططون له أو يصلون له دون تخطيط، حيث كلف وأثمان وفواتير بالجملة في هذا السياق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى