اراء و مقالات

الأردن: الاعتصام أيضاً «عن بعد»… ولا رهان على «حواضن المجتمع»

«ضمور» الحراك الشعبي لصالح من؟

هل هذا معقول؟ (عدد رجال الأمن في وسط العاصمة الأردنية عمان يوم 24 آذار/مارس أكثر من عدد المعتصمين).
سؤال بصفة الاستنكار طرحه علناً الناشط النقابي البارز ميسرة ملص، الذي أبلغ علناً أيضاً على هامش نقاش مع مكتب «القدس العربي» بضرورة التفريق بين عناصر المعارضة الخارجية، والبحث عن الأسباب التي تدفع بعض المخلصين الوطنيين للمغادرة أساساً.
ملص مثل غيره من السياسيين والنقابيين بخلفية وميول إسلامية، لا يريد مكافأة دولة تسير عكس تيار الإصلاح باستنكار أو رفض مظاهر الحراك الشعبي، الذي يصر حتى بعض الرموز المقربة من الدولة على أن أسبابها لا تزال قائمة.
لكن في المقابل، لا أحد في قيادة التيار الإسلامي المنظم أو من رموزه في البرلمان خطط للمشاركة في «اعتصامات سلمية» تخللها بعض الفوضوية خلال مرحلة الجائحة، فدعوة السلطة لعدم التظاهر لأسباب «صحية وفيروسية» تجد «حاضنة شعبية» واسعة بوضوح، خلافاً لدعوات التظاهر التي يختلف غالبية ساحقة من الأردنيين مع «توقيتها السيئ».

«ضمور» الحراك الشعبي لصالح من؟

يمكن طبعاً ببساطة فهم ذلك مما حصل ظهر الأربعاء الماضي، حيث نفس المفارقة التي يلتقطها ملص، من حرص رسمي على حضور أمني مكثف مقابل مجموعات حراكية صغيرة حاولت التحرك وهي تطرح في المحصلة شعارات وهتافات يمكن هضمها وتأييدها في أوقات الاسترخاء وليس في وقت «وباء» يهدد تفشيه النظام الصحي ويربك جميع الأطراف شعبياً وبيروقراطياً.
وفي السياق، يمكن القول بأن تلغيزات وتلغيمات يوم 24 آذار مفعمة بالتأويل السياسي، وحمالة أوجه، ومفتوحة على عدة احتمالات؛ فقد ظهر لجميع المراقبين بأن القوى التي تدعي التحدث باسم الحراك الشعبي الأردني وتمثل الشارع لا تستطيع حشد أكثر من 500 مواطن في فعاليات عدة بمنطقة واحدة معلن عنها منذ نحو شهر على أرض الواقع وفي الميدان.
إن تفوق عدد رجال الأمن مقابل عدد محدود جداً من المعتصمين في يوم 24 آذار شكل مفارقه بالنسبة لنشطاء الحراك وداعميه عن بعد، حيث إن زخم الحراك الشعبي الأردني في حصته الأوفر مثله مثل التعليم في ظل كورونا وجائحتها، فقد كان الزخم أيضاً عبر المنصات الإلكترونية فقط، ويصلح عليه القول بأنه كان «عن بعد «، ولم تكن الدعوات الإلكترونية تؤدي إلى تفاضل عددي حقيقي في الميدان وفي الشارع. وهي مسألة يبدو أنها انطوت على بعض التكتيكات، خصوصاً أن الإخفاق في تحقيق حضور شعبي أو حاضنة اجتماعيه تحمي الحراك وشعاراته في ظل الجائحة وتفشي الوباء، نتج عنه عملياً العودة إلى لغة الترميز الإلكتروني.
مرة قال النشطاء بأن مسيره 24 آذار، التي لم تحصل في الواقع، ضمرت بسبب عدم وجود متظاهرين بزخم معقول، ومرة بسبب التواجد الأمني الكثيف، وهي أقرب إلى مسيرة رمزية، وأن الهدف منها كان توجيه رسالة رمزية فقط ليس أكثر.
مرة أخرى كانت الإشارة إلى أن مسيرة 24 آذار ينبغي أن تتحول إلى مسيرة إلكترونية. بمعنى آخر أكثر وضوحاً، يحاول الداعمون وللمرة الثالثة عن بعد لمسيرات وتجمعات الحراك الشعبي الأردني تحت يافطة الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد بعد الإخفاق في استقطاب الجمهور وإقناع الأردنيين بالنزول إلى الشارع- الدفع نحو الشبكة الإلكترونية التي تحفل في الواقع العملي بدعوات التعبئة بالشعارات الكبيرة، وهي شعارات ثبت يوم 24 آذار بأنها لا تناسب الواقع ولا تمثل خيارات أغلبية الأردنيين الذين يقدرون تماماً بأن الظروف صعبة ومعقدة، وبأن تفشي الوباء ينبغي أن يمنع الاعتصام والاعتراض على أي نحو من الأنحاء.
وعليه، وفي لغة الترميز السياسي، حاول الداعمون للحراك الشعبي تضخيم الشعارات والدعوات، لكن النتيجة أن الشارع الأردني وإن كان يرفض التجمع الأمني المبالغ فيه في الشارع مقابل بضعه متظاهرين أو معتصمين، لا يبدو مهتماً بشعارات الحراك الذي ثبت اليوم للمراقبين بأنه خال من الحواضن الاجتماعية الداعمة.
لكن السلطة ينبغي ألا تراهن على إخفاق شرائح الحراكيين الحاليين والذين حاولوا تجميع صفوفهم بعد حادثة مستشفى السلط، لأن أسباب الحراك الشعبي والاعتراض أصلاً لا تزال قائمة في كل الأحوال، وتتغذى ويتم تسمينها على سلسلة لا تنتهي من الأخطاء الحكومية والبيروقراطية، وعلى سلسلة من تجاهل احتياجات الناس والواقع الاقتصادي الأساسي. وهنا لا بد من الوقوف عند محطة في غاية الأهمية لقراءة ما حصل يوم 24 آذار وبناء صورة أو تصور عنه وله.
الإخفاق بجمع زخم شعبي لشعارات ذات بعد سياسي ضاغط على الدولة، لا يعني بأن الغالبية الصامتة من المواطنين تقف مع الحكومة وخياراتها كما هي، وأي رهان من هذا النوع يمكن أن يؤدي إلى خلل في الميزان والتقييم الأعمق لمصالح الدولة العليا.
لكن على الصف الرسمي، بدا أن الفوبيا وحالة الارتباك الناتجة عن دعوات التظاهر واستئناف بعض مظاهر الحراك الشعبي مبالغ فيها أيضاً، وتعكس عدم استقرار في سلطة الحكومة وخياراتها وتوابع الأزمة الاقتصادية والوبائية الحالية.
وقد كان ذلك واضحاً تماماً للعيان بعد موسم البيانات العشائرية والجهوية التي صدرت دعماً للحكومة ودعوة لعدم المشاركة باستقطابات الحراك الشعبي، وإن كانت مبررات الاعتراض مستترة في كل حال.
وهنا يمكن القول بأن السلطة ينبغي لها الآن أن تبحث عن مقاربة مختلفة تماماً لا تؤدي إلى تحفيز الحراك الشعبي بقدر ما تجيب المواطن الأردني على عشرات الأسئلة المطروحة والعالقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى