اراء و مقالات

عبور سريع لقانون «الانتخاب» الأردني في انتظار «أحزاب لم تولد بعد»

طرح تساؤلات عدة: هل يحل البرلمان بعد 6 أشهر؟

عمان – «القدس العربي»: العبور السريع جداً لقانون الانتخاب الأردني الجديد بين غرفتي التشريع له ما يبرره بالنسبة للسلطة والحكومة ولمجموعة العمل النشطة في اتجاه الانتقال، وبأسرع وقت ممكن إلى التحول باسم تحديث المنظومة السياسية.
لكن التسريع في العبور من جهة المتحفظين والمعترضين على الاستعجال يقود إلى سوابق يمكن الاستغناء عنها، خصوصاً أن الجدل يرافق بعض التصورات والصياغات التشريعية المتعلقة بقانون انتخاب جديد يفترض أن يكون المحور في عملية التحول المشار إليها. هنا تحديداً وفي جلسة واحدة تماماً وبوقت قياسي صباح الخميس، أقر مجلس الأعيان الذي يمثل الغرفة الثانية في التشريع قانون الانتخاب الجديد كما ورد تماماً من مجلس النواب الذي أصر بدوره على إقرار القانون كما ورد من لجنته القانونية وبسقف زمني لا يتجاوز يوم الأول من نيسان/إبريل.

طرح تساؤلات عدة: هل يحل البرلمان بعد 6 أشهر؟

«شبح سيناريو»

قطع القانون المفصلي في محور الإصلاح السياسي شوطه التشريعي بسرعة يرى البعض أنه مبالغ فيها، وسط تحذيرات القطب البرلماني صالح العرموطي من التسريع وسلق المسائل بصورة تقفز بسيناريو حل البرلمان الحالي بعد ستة أشهر.
وهو أمر اعتبره رئيس اللجنة الملكية التي صاغت وثيقة تحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، وفي مجالسات عدة حضرت «القدس العربي» بعضها، حساباً خارج السياق وعلى أساس أن ولاية مجلس النواب الحالي ستكمل دورتها.
ويرى العرموطي ومعه بعض القلقين من النواب عدم وجود أو رصد أي قرائن أو أدلة من النوع الذي لا يدفع الحكومة لحل البرلمان بعد إنجاز المطلوب في تشريعين رئيسيين هما الأحزاب والانتخابات، فيما يتجول شبح سيناريو حل البرلمان وسط النواب مع ضمانات خلف الستارة معاكسة، وضمن منطق استسلام تشريعي لحزمة تحديث المنظومة التي حظيت بكل الألوان الخضراء وبإرادة وغطاء سياسي طالما عبرت المعارضة قبل الولاء عن الشوق إليها. الاستعجال لم يقلق النواب فقط، بل نصوص التشريع الجديد للانتخاب يقال إنها تنطوي على كمائن.
في الوقت الذي يخشى فيه عرموطي استثمار التشريع للقفز على صلاحيات مجلس النواب، يتحدث السياسي الناشط والبرلماني السابق خالد رمضان، مع «القدس العربي» مباشرة، عن مقاربة فيها كمائن بعنوان بروز زوايا حالة «الثلث المعطل» بعد تحسين بعض التشريعات بموجب التعديلات الدستورية في إطار تبديد مخاوف مراكز الثقل المحافظة من بعض العناصر الأساسية في البعد الاجتماعي وحتى السياسي.
في الاتجاه المعاكس، يقدر عضو اللجنة الملكية محمد الحجوج، بأن تحصين بعض التشريعات دستورياً بالإصرار على حاجة تعديلها لأغلبية الثلثين هو بحد ذاته من حزمة الضمانات التي قد تظهر لاحقاً بأن مشروع تحديث المنظومة جدي وعميق ومفتوح على مساحات إيجابية متعددة. وحذر كثيرون من الاستعجال، ومن بين هؤلاء علناً وبصفة الرأي الشخصي رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، الذي تغيب عن المنصة عدة مرات مؤخراً.
وحذر الإسلاميون أيضاً من تسريع تعديلات دستورية خارج نطاق ما عرض على اللجنة الملكية لتحديث المنظومة.
وهو ما أوضحه في حوار بمعية «القدس العربي» عدة مرات الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، فيما لاحظ الجميع بأن التيار الإسلامي السياسي وفر ضمنياً رافعة سياسية تصلح لخدمة تشريع قانون الانتخاب الجديد، بمعنى تقدير الإسلاميين بأن لهم مصلحة، وبأن التعديلات في قانون الانتخاب فيها قدر لا ينكر من التطور، وهو التعبير الذي استخدمه الشيخ العضايلة.
في كل حال، عَبَر أكثر القوانين في تاريخ الأردن المعاصر إثارة للجدل والاعتراض محطتي التشريع بسرعة فائقة، الأمر الذي يظهر بأن أجندة التوقيت أيضاً تحت ضغط الغطاء السياسي لمجمل عملية التشريع.
وهو ما ألمح إليه نائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، عندما استفسرت منه «القدس العربي» عن معطيات الاشتباك، مشيراً إلى أن السلطات متوافقة على التحديث ولا مبرر للتلكؤ.

الحراك الشعبي؟

الأهم هنا في عناصر بناء المشهد الجديد وفهم حيثيات عملية الاستعجال والتسريع هو الانتهاء قبل شهر رمضان المبارك من مفاصل التشريعات الأساسية، والسبب الضمني الأعمق عزل تلك الرؤية التشريعية عن عناصر الضغط المحرجة التي يمكن أن تظهر في شهر رمضان، سواء على صعيد عودة الحراك الشعبي لأسباب سياسية، أو على صعيد احتقانات معيشية يتوقع أن ترتبط بمجمل سلسلة قضايا الغلاء وتوفر الغذاء. ويوحي التسريع هنا بأن الغطاء السياسي يتحرك بالتفاصيل ولا يترك الأمر لتفاعل الشارع وقواه. والهدف الذي يمكن استنتاجه طبعاً هو تشكيل وبناء حالة وطنية فيها القدر الأكبر من التوافق، ثم طي الصفحة والملف والمضي قدماً إلى المستقبل والأمام، كما يصر وزير التنمية السياسية وأحد المحركين الأساسيين في مشروع التحديث، موسى المعايطة.
لكن إغلاق ملف قانون الانتخاب بعد تمرير وعبور قانون الأحزاب الجديد والتعديلات الدستورية المرافقة المثيرة للجدل يعني بأن الدولة أمام استحقاقات مرتقبة ووشيكة في غاية الأهمية، وهي استحقاقات تبرز وسط تعقيدات إقليمية وعالمية واقتصادية ومعيشية.
ليس سراً أن أبرز تلك الاستحقاقات يتمثل في مراقبة الكيفية التي ستدار بموجبها الصلاحيات الضخمة التي حظي بها مجلس الأمن القومي الجديد الذي لم يشكل بعد، وسيشكل لأول مرة وسيحظى بالإشراف المباشر على مجمل الملفات السيادية الأساسية.
ولادة مجلس الأمن القومي في الشكل والمضمون يضع هذه المؤسسة الدستورية الوليدة، ثم مؤسسة القصر، وجهاً لوجه أمام نتائج وتداعيات الصلاحيات الجديدة وممارستها، وهو نمط جديد في إدارة الدولة لم يعتد عليه بعد ولم يخبره لا الأردنيون ولا دولتهم العميقة التي يتحدث عنها السفير الأمريكي هنري ووستر، ولا تلك التي على السطح.
في السياق، لم يعد سراً أن الجانب الإجرائي بعد تشريع عملية سياسية قائمة على تقاسم بعض السلطة مع الأحزاب هو محطة الاختبار الأكثر أهمية في ظل شيوع وبروز مشروع صناعة أحزاب أنابيب بعد تشريع قوانين لأحزاب غير موجودة، حيث ملاحظات ضد توجهات رسمية في هذا الاتجاه حتى لبعض أركان اللجنة الملكية المعنية، وحيث عملية هندسة – وهذا الأهم – قد لا تكون شرعية، وقد تنتج عنها مشكلات معقدة للأحزاب بعد هندسة الانتخابات.. هنا الاختبار الأهم للدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading