اراء و مقالات

عندما يضرب «الاستطلاع» وتعزف «المملكة»: ثقة الأردنيين في مؤسساتهم: تراجع على حافة الانهيار

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا يتعلق الأمر فقط بالنسب والأرقام أو البيانات الرقمية، بقدر ما يتعلق برسالة ما نشطة فيما تعكسه ليس تلك الأرقام الاستطلاعية، لكن طريقة عرضها وتقديمها وتسليط الأضواء عليها.
مساء الثلاثاء، انشغل السياسيون الأردنيون بالتغطية المكثفة الخاصة التي أبرزتها فضائية «المملكة» تحديداً خلافاً للتلفزيون الحكومي الرسمي لحيثيات الاستطلاع الأخير المتعلق باتجاهات الرأي العام الأردني تجاه العديد من الملفات والقضايا الأساسية.
الأرقام الإحصائية تبدو مربكة لا بل مرعبة، ولا بد من التوقف عندها ملياً وبعمق، ولا يجوز تجاهل ذلك الآن، كما يصر الوزير البرلماني السابق الدكتور محمد الحلايقة وهو يبلغ «القدس العربي» مع سياسيين آخرين بأن الأرقام الأخيرة لاستبيان مركز الدراسات تكشف تحدياً كبيراً من غير الجائز تجاهله عندما يتعلق الأمر بحافة تراجع حاد للثقة بين غالبية مؤسسات الدولة والناس.
تقول الأرقام عملياً ما لم تقله سابقاً. وتلك خطوة متقدمة في الشفافية البحثية قد تسجل ليس لمركز الدراسات الاستراتيجية فقط وبصورة نادرة، لكن للطاقم الذي يديره أكاديمي نشط جداً يترأس الفريق ويشرف على مثل هذه الدراسات، وهو عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الدكتور زيد عيادات.
الدكتور عيادات كان قد تحدث لـ«القدس العربي» وأمامها عدة مرات، عن ضرورة التأمل فيما يعنيه الرقم انطلاقاً من المصالح العامة بمعية التوقف عن الإنكار. المهم أن تلك الأرقام الاستطلاعية قالت بوضوح بأن نصف الأردنيين على الأقل في العينة المنتقاة لا يثقون بقدرة الحكومة الحالية، وتحديداً لا يثقون بقدرتها على القيام بالواجبات الموكولة إليها.
الأكثر إنتاجاً للصدمة هو أن البيانات الرقمية تظهر انعدام الأمل في احتواء الأزمة الاقتصادية عند غالبية ساحقة من الأردنيين خلال العامين المقبلين، حيث نشرت الاستطلاعات بالتوازي مع بيان رقمي آخر يقول بأن أسعار المحروقات ارتفعت سبع مرات في العام الأخير فقط، فيما ينتظر الخبراء أن تصل إلى أعلى معدلاتها السعرية في تاريخ الأردن.
لكن الصدمة يمكن تقديمها كوجبة سياسية دسمة عندما يقدر ويقرر الاستطلاع بأن أقل من ربع الأردنيين ليست لديهم ثقة بقيام مجلس النواب بواجباته الحقيقية، فيما تتراجع الثقة العامة في الجهاز القضائي من إلى 12 % الأمر الذي يعكس ويقول الكثير في سياق القلق على الحصن الذي اعتبر دوماً ملاذ الأردنيين بالنسبة للمؤسسات والأفراد.
مسألة القضاء يتم تسليط الضوء عليها باستطلاع بصورة غير مسبوقة، لكن استقلاليته ودعمه مسألة كانت دوماً تحظى بالتوافق الوطني؛ لأن الدكتور الحلايقة بمعية خبراء قانونيين، يقترحون الوقوف بمسؤولية وعمق عند معطيات الأرقام وطرح سؤال على أساس الفارق بين منظومة تطوير الجهاز القضائي المستقل ودعم إمكاناته، وبين اجتهادات التطويع بدل التطوير.
نسبة الأردنيين الذين يثقون بالعمل الحزبي هي الأدنى، وتقل عن 15% والرقم المختص بالأحزاب هنا يقول بذلك في توقيت مغرق بالحساسية، عنوانه المرحلي الانتقال الذي يفترض أن تؤسس له وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهي لجنة وضعت برنامجاً متكاملاً يفترض أن يقود البلاد بعد 10 سنوات إلى مرحلة تشبه حكم الأحزاب أو إدارة مؤسستي التنفيذ والتشريع من خلالها.
في الاقتصاد والحكومة والقضاء ومجلس النواب، تقول ضمنياً أرقام الدكتور عيادات وطاقمه الكثير ودون تلغيز هذه المرة في سياق التراجع الحاد جداً بثقة الأردنيين في جميع مؤسسات الدولة، باستثناء بعض المؤسسات السيادية والأمنية التي تعكس الأرقام ثبات الثقة فيها، وإن كانت بعيدة إحصائياً عن ملامسات السؤال الاستطلاعي والإجابة عليه. قد لا تكون هذه الأرقام والمعطيات مهمة للغاية إذا نظر لها المراقبون بشكل مجرد.
وقد يكون الأهم فعلاً معرفة الخلفية والأسرار الكامنة حول تركيز مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، الذي تتعزز استقلاليته الإدارية والمالية، ويتحول بالتدريج إلى مركز قوة على هذه المفاصل في مسلسل تراجع وأحياناً انهيار ثقة المؤسسات بالدولة.
ما الذي يريده المركز بصورة خاصة، وعلى أي أساس؟
سؤال برسم الإثارة وليس الإجابة، ولا يقل حدة عنه السؤال التالي: لماذا تقرر فضائية يفترض أنها في خدمة المجتمع وممسوكة رسمياً وتمولها الدولة، مثل «المملكة» التركيز وبشدة على تلك المعطيات الرقمية المهمة؟
يعلم الجميع في عمان بأن فضائية المملكة، تحديداً، خارج بيت الطاعة الحكومي، وبأنها يفترض أن تمثل ذراعاً إعلامياً رسمياً للدولة، وبأن علاقاتها المبرمجة سيادية الطابع، ما يعني أن رسالة من جهة ما في الدولة أو حتى من عدة جهات أهم من معطيات رقمية تسجل عبر ميكروفون وكاميرا تلك المحطة.
لصالح من تقوم فضائية «المملكة» بتلك المهمة، التي قد تكون نبيلة؟
الضحية الأولى بطبيعة الحال لتلك المعزوفة بين مركز الدراسات الاستراتيجية و«المملكة» هي الحكومة وليس مؤسسة أخرى، والانطباع قوي بأن جرعة الشفافية والمصارحة وهي تتحدث اليوم علناً عن تراجع يشبه الانهيار في ثقة المواطن الأردني في مؤسسات الدولة وليس الحكومة فقط بما في ذلك السلطات والبرلمان- قد تكون خطوة في اتجاه فتح صفحة جديدة ودفن ثقافة الإنكار، ثم الاتجاه نحو رؤية مرجعية ملكية أعمق لا أحد يعرف بعد بقية تفاصيلها.
تضرب أرقام الاستطلاع بقوة، وتلتقط بحماسة فضائية «المملكة» وهي تعزف.. ما هو واضح للخبراء فقط حتى اللحظة هو حصرياً أن ذلك لا يحصل مجاناً ودون سبب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading