اراء و مقالات

بعد المهندسين والبلديات… كيف قرأ «مطبخ الإخوان المسلمين» الأردني سياسة «الإقصاء»؟

عمان – «القدس العربي»: يبدو أن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين، قد حدد بوصلة وأولويات إستراتيجيته في التعاطي والاشتباك مع المستجدات الحساسة التي يشهدها الواقع المحلي، خصوصاً أن البلاد على أعتاب انتخابات المجالس المحلية واللامركزية، وبعد سلسلة من البيانات لها علاقة بالأزمة التي حصلت وتكرست في جسد نقابة المهندسين الأردنية، والتي تعتبر من أهم النقابات المهنية.
وكان التيار الإسلامي ممثلاً في القائمة المزدوجة بين المستقلين والقائمة البيضاء، قد أعلن أنه لن يشارك في انتخابات نقابة المهندسين المقبلة، اعتراضاً على ما وصفه بعدة تدخلات رسمية حاولت تزييف هذه الانتخابات حتى في الصناديق إضافة للحشد المسبق وتكليف مهندسي القطاع العام والمؤسستين المدنية والعسكرية، كما جاء في بيانات مهنية بالتصدي للمرشحين المستقلين ومرشحي التيار الإسلامي، فيما أعلن التيار الخصم للإسلاميين، وهو يمثل قائمة «نمو»، حسم انتخابات الفروع بصورة كبيرة في انتخابات مثيرة تخللها العديد من التجاوزات الموثقة، مع أن مجلس نقابة المهندسين الحالي أعلن أنها شفافة ونزيهة، وهنأ الفائزين، حيث فازت قائمة «نمو» بغالبية المواقع في انتخابات فروع المهندسين في المحافظات.
ويبقى على انتخابات نقابة المهندسين، وهي أضخم النقابات المهنية وقوامها أكثر من 170 ألف عضو، انتخابات المكاتب والشعب، حتى انتخابات هيئة ونقيب الهيئة الإدارية ونقيب المهندسين في آذار المقبل. وبالتالي، قرار الإسلاميين مقاطعة المراحل الانتخابية الثلاث المقبلة حصل أو حظي بغطاء سياسي من قيادة الحركة الإسلامية الأردنية، وحصل ذلك بطبيعة الحال على خلفية استراتيجية اشتباك تقررت بعد العديد من المشاورات.
وتبدو قيادات الحركة الإسلامية مستقرة عند قراءتها التي تتحدث عن ظروف دولية وإقليمية وأخرى لها علاقة بالانحياز للعلاقات مع أجنحة الحكومة الإسرائيلية الحالية، ونمو الاتصالات معها، وعودة ظاهرة التطبيع معها بقوة، وهي التي أملت استهداف التيار الإسلامي دون وأكثر من غيره، سواء في انتخابات البلديات أو في تحضيرات انتخابات نقابة المهندسين، أو في القراءة التي تقدم بها لعدة شخصيات سياسية ووطنية الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة؛ فاستهداف الإسلاميين لا يتعلق بهم فقط، ولا يتعلق على الأرجح بأسباب داخلية أو محلية، لكنه جزء من استهداف كل من يعارض التطبيع أو يمكنه أن يقف في وجه الترتيبات السياسية الإقليمية التي تجري مع الإسرائيليين وغيرهم في هذه المرحلة.
وفقاً لقراءة العضايلة ورفاقه في الحركة الإسلامية، ينبغي أن يتم خنق صوت النقابات المهنية باعتبارها داعماً قوياً للأهل في قطاع غزة وللشعب الفلسطيني، وفي سياق مقاومة ومجابهة التطبيع، مع الإشارة إلى أن نقابة المهندسين مثلاً المطلوب منها سنوياً 50 مليون دينار لنفقاتها واشتراكات الأعضاء، وهو عبء كبير في الواقع، وما يجرى له علاقه بتفريغ المضمون الوطني والمحتوى السياسي في العمل النقابي لصالح إخلاء الساحة من الأصوات التي يمكنها أن تدعم الشعب الفلسطيني أو تهتم بتقديم المعونة له، تجاوباً -على الأرجح، في قراءة الإخوان المسلمين حصرياً، مع خطاب إسرائيلي وآخر مدعوم من دول خليجية وعربية أخرى خلف الستارة والكواليس .لكن تلك القراءة تبدو سياسية وأعمق من مشهد التجاذب، سواء على صعيد الانتخابات المحلية للمجالس اللامركزية، أو حتى على صعيد نقابة المهندسين، حيث إن تعليق المشاركة بمراحل انتخاباتها المقبلة قد يؤدي لاحقاً أو يتم إسقاطه من قبل حزب جبهة العمل الإسلامي وأنصار التيار الإسلامي على بقية النقابات المهنية.
وينظر الإسلاميون والمعارضون والحقوقيون المستقلون إلى الترتيبات الهندسية التي رافقت انتخابات البلديات والنقابات ونقابة المهندسين باعتبارها جزءاً من حلقة سياسية لها علاقة بترتيبات إقليمية قادمة، وتقليص الأصوات التي تعترض أو تحتج أو يمكنها أن تعيق ما سيجري لاحقاً. وهي قراءة لا تزال قاصرة سياسياً على الأقل، عن تفسير إشكالات متجذرة وعميقة في البعد المحلي.
وكان الرجل الثاني في الحكومة وزير الحكم المحلي ونائب رئيس الوزراء توفيق كريشان، قد صرح علناً بأن الوزارة لم تقدم أي خدمات أو تسهيلات خاصة لمن يقرر مقاطعة الانتخابات المحلية واللامركزية، واعتبرت تلك إشارة من النوع الذي يعلق على قرار حزب جبهة العمل الإسلامي بتعليق المشاركة أيضاً في تلك الانتخابات.
لكن بيت الحركة الإسلامية فيما يبدو، لديه تصور استراتيجي أعمق مما جرى مع كتلته في البر لمان أو نقابه المهندسين أو حتى الانتخابات البلدية، وهو تصور سياسي ينظر إلى المرحلة المقبلة من صدام محتمل مع السلطات والحكومة بكثير من الحذر والترقب، وعلى أساس عدم الصدام والتعامل بالقطعة والتقسيط مع النسخ الانتخابية عندما تحصل وفقاً للظروف والاعتبارات ولمصلحة تنظيمات الحركة الإسلامية، التي يحذر قياديون بارزون فيها علناً، ومنهم العضايلة، من أن استعصاء المزاج السياسي واستمرار نهج الإقصاء الذي يظهر بوضوح في كل الملفات، يؤدي إلى دفن برنامج تحديث المنظومة السياسية ونهشه وتفتيته، ويؤدي أيضاً إلى حالة استعصاء عام قد تدفع الإسلاميين إلى إعلان اعتزال العمل السياسي والعودة إلى العمل الدعوي، وهو مطلب ملح من قواعد الحركة الإسلامية طوال الأسابيع الماضية، مع التأكيد على أن مؤسسات الإخوان المسلمين ليست معنية إطلاقاً وبأي حال من الأحوال، بتطوير حالة صدام مع السلطات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading