اراء و مقالات

القصر بدأ «الاستكشاف» وصانع القرار الأردني أمام «الحقيقة الاقتصادية»: محاولة لإقصاء «السيناريو اللبناني»

عمان- «القدس العربي» : لا حائل على المستوى الشعبي الأردني وحتى السياسي النخبوي أحياناً دون الارتفاع الحاد بسقف المعارضة، وأحياناً الاعتراض، بالتوازي مع استمرار عملية تحديث المنظومة التي لم يهضمها أو حتى يفهمها الشارع بعد. وبالتوازي أيضاً، مع حالة الاحتقان الاقتصادي والمعيشي، حيث يقر مسؤولون كبار ورموز في القطاع الاقتصادي الخاص بأن سلسلة وسلالة آثار الفايروس كورونا بدأت تتكشف في قطاع أعمال أصحابها.
«الوضع صعب والأضرار بليغة».. هذا ما قاله رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، وهو يتحدث مع «القدس العربي» بعد تغريدة يطالب فيها بالعودة للشراكات الحقيقية، وإن كان يرفض الاستسلام لمسألة الأضرار ويتحدث علناً بين الحين والآخر عن آمال الاستدراك، التي تتطلب بعد تحديد الاحتياجات الاحتواء والتقليل من الخسائر عبر تملك الجرأة لتأسيس شراكة حقيقية هذه المرة.
على جبهة القصر الملكي، تحظى التداعيات الاقتصادية بعد إنجاز حزمة التعديلات الدستورية، بالأولوية؛ فقبل أيام فقط بدأت عملياً ورشة العصف الذهني التي وجه بخصوصها الملك عبد الله الثاني علناً بلقاء استكشافي مع نخبة من رموز قطاع الأعمال تحت عنوان إمكانات التحفيز والعمل الجماعي بتثبيت الاستثمارات، وأيضاً تحت عنوان حوار صريح حول طبيعة ما يجري في إدارة المسألة الاقتصادية؛ بمعنى صعوبة إدارة الأمور كما كانت تجري في الماضي، وذلك عملياً وفقاً لما ألمح له الوزير السابق، يعرب القضاة عبر الإعلام عندما أشار إلى حوارات صريحة في ظل القصر الملكي أقرب إلى مكاشفة بالحقائق.
القضاة تحدث عن ضرورة تعريف الهوية الاقتصادية، خصوصاً في الاستثمار في قطاع الخدمات، وذلك مؤشر يوحي ضمنياً بأن عملية التشخيص الصريح للواقع الإداري والتشريعي في بنية الدولة بدأت فعلاً على المحك.
وهو أمر اعتبره وزير المالية الدكتور محمد العسعس، ضرورة أساسية وهو يناقش مع «القدس العربي» عدة مرات قبل نقاشات الميزانية بين النواب هوية ما ينبغي أن يحصل لاحقاً، خصوصاً أن الوضع المالي -حسب الخبراء- تحت السيطرة تماماً.
لا يريد الأردنيون اقتصادياً، الاقتراب من ملامسة السيناريو اللبناني الذي سبق أن حذر منه رئيس اللجنة الاقتصادية الاستثمارية في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك، المبادر بدوره الآن لسلسة طويلة من الحوارات المعمقة بين مجلس النواب عبر لجنته، وخبراء وأركان قطاع الأعمال.
يناور أبو صعليك ولجنته في كل الاتجاهات بدوره، لكنه لم يقل بعد ما إذا كانت إجراءات الحكومة تقترب أو تبتعد بالبلاد من السيناريو اللبناني.
الأهم اقتصادياً أن ثمة خطة الآن مسندة مرجعياً وملكياً، وعملية البحث ذهنياً متفاعلة عن خريطة طريق، لكن المطلوب قرارات شجاعة وجريئة وإجراءات سريعة تناسب تحديات المرحلة، حسب الحاج توفيق ونخبة عريضة من أركان القطاع الخاص.
الانطباع لدى أوساط القرار الأردنية عميق بأن الإغلاق بأقل الخسائر الممكنة لملف تحديث المنظومة السياسية واستقرار البوصلة على أهداف محددة هنا قد يسمح بالانتقال للاشتباك مع خطوط خريطة الطريق الاقتصادية، وقد يضع وصفات عابرة للحكومات مجدداً بضمانة مؤسسة القصر الملكي. ومن ثم، المجازفة مجدداً لأغراض الإصلاح البنيوي عموماً بمبدأ الولاية العامة، ومغادرة تقلبات أمزجة الوزراء والحكومات المتعاقبة.
الانطباع أقوى في العمق بمركز القرار بأن مشكلة الأردن والأردنيين ليست سياسية وليست إقليمية، بل اقتصادية بالمقام الأول.
ولذلك، تتمحور خريطة الطريق بعد حسم الطريقة الجديدة في إدارة المسار الضريبي في اتجاه إنتاج الوظائف وخلقها وتمكين الاستثمارات المحلية أولاً.
وهي الأولوية التي بدا واضحاً أن مؤسسة القصر مشغولة بها، وأن مؤسسات الحكومة تعمل بحماسة لتحقيق منجزات فيها، بدلالة أن أوامر من رئاسة الوزراء دفعت الأسبوع الماضي، 7 من أعضاء الطاقم الوزاري دفعة واحدة لالتقاء زير العمل القطري بهدف تفعيل التزام قطري سابق بتوفير 20 ألف وظيفة للأردنيين، وبالتوازي العمل في اتجاه سلسلة حوافز للشركات والمؤسسات الكبرى للحفاظ على الوظائف، لا بل للمزيد من التشغيل.
ويعني المشهد بتفاصيله هنا أن احتواء الاحتقان السياسي الشعبي وحالات الحراك والاعتراض عبر الرهان على تحسين البيئة الاقتصادية هو الوصفة المعتمدة الآن دون ضمانات لنجاحها، على أهميتها.
حتى ينجح ذلك، وبعيداً عن الجزء المتعلق بتعريف الهوية الاقتصادية للبلاد، يقترح الخبير البارز والوزير السابق الدكتور محمد الحلايقة، أن على جميع المؤسسات العمل بروح الفريق؛ لأن التحدي كبير، والاحتياجات لا يستهان بها، والمطلوب قرارات وتوجهات جريئة في حال بروز الرغبة والإرادة لتحويل الأزمة إلى فرصة.
وعلى أساس أن خيار الفرصة متاح، وإن كان بعض الخبراء بالمقابل يحذرون دوماً من صعوبة إنجاز تحول اقتصادي مهم يحتوي الخسائر دون إصلاح سياسي أفقي حقيقي، حيث لا قرائن ولا أدلة على أن ملف تحديث المنظومة السياسية، بالصورة التي تمت وبصفة الاستعجال، يمكنه أن يساعد فعلاً في التأسيس لنموذج اقتصادي ينطوي على آفاق إيجابية مستقبلاً.
مجدداً، يحذر وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، من التورط في ازدواجية المعايير والاعتقاد بأن الإصلاح الاقتصادي لم يكن إنجازه فعلاً والاستثمار فيه دون كلفة الإصلاح السياسي العميق والجذري.
ويؤشر مثل هذا الرأي على أن النخبة الأردنية تعود إلى مربع النقاش الأول والدائم تحت عنوان جدلية الاستئثار بالسلطة والصلاحيات سياسياً ودستورياً وتشريعياً، مقابل الاستثمار في خريطة طريق اقتصادية، حيث كمائن ومطبات بالجملة في الطريق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى