اراء و مقالات

الأردن: ظهور سريع لـ «مقاولات» تحريض الدولة ضد الحراك الشعبي المناصر لغزة

ما الذي يحصل في العاصمة عمان؟

عمان ـ «القدس العربي»: إذا كان ظهور جملة مشحونة هنا أو هناك في هتافات الأردنيين التي يخدش وجدانهم استمرار وجود سفارة إسرائيلية في قلب عاصمتهم سلوكاً مرفوضاً أو غير ذي صلة بأحداث قطاع غزة، يمكن القول في المقابل إن الغضب الشعبي الأردني العارم الذي تجلى بأكثر من صورة طوال الأسبوع الماضي بإمكان السلطة السياسية فقط تحويله إلى ورقة رابحة في حضن الغضب الرسمي للدولة على جرائم إسرائيل.
يحصل ما يحصل الآن في عمان لسبب بعضه واضح وجله غامض. تصدر هتافات قد لا تكون لائقة وبصورة مرجحة تنطوي على استفزاز أحياناً لرجل الأمن المعسكر في الأزقة والشوارع منذ أسبوع ليلاً نهاراً، وتحصل مشاحنات، لكن ما يقوله السياسي المتابع مروان الفاعوري هو أن الحدث جلل والجريمة ضد الشعب الفلسطيني ضخمة وإرهابية وتستمر على مدار الأيام، فيما النظام الرسمي العربي إما عاجز أو متواطئ.
لا يوجد في النخبة الأردنية من يمتدح الإساءات أو الهتافات الخشنة، لكن مع وجود جريمة يقارب المواطن الأردني البسيط أنها تطال أساسياته وليس مشاعره فقط، تصبح تصرفات مثل صعود فتاة على كتفي شاب وإلقاء حجارة على بوابة مخيم وصراخ امرأة في وجه شرطي كلها مؤشرات احتقان ينبغي أن تستوعبها السلطة أو العقل الرسمي. ولا تستوجب بتقدير الفاعوري وغيره حفلة الزار والمباخر التي يحملها اليوم هتاف مضاد ضد المتظاهرين المحتجين، وفكرتهم تحت عنوان «تظاهرات منطقة الرابية انحرفت، ولا بد من تدخل الدولة».

استثمار الغضب الشعبي

الأصل والطبيعي أن تستثمر السلطة السياسية والحكومية في غضب الأردنيين، وأن تجمعه -كما اقترح المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة عبر «القدس العربي» وتزيد عليه- غضبها ثم تطرح حاصل الغضب على طاولة عواصم القرار الدولي للضغط على إسرائيل والإدارة الأمريكية حقاً لا قولاً، بدلاً من استباحة احتجاجات الأردنيين وخلط الهتاف المسيء أو الجارح لبعضهم برسالة الهتاف الوطني للأغلبية، وبدلاً طبعاً ودوماً من تكرار عبارات مثل «المقيم» و«المتجنس».
تحصل بإجماع الوطنيين الأردنيين القلقين على أمن واستقرار بلادهم في التظاهرات والاحتجاجات، مخالفات أو هتافات خارج السياق. لكن يحصل في شوارع عمان وبالإجماع شبه الوطني اليوم رصد لحالة يتم تغذيتها وراء الستائر، وفكرتها التحريض على فكرة الاحتجاج نفسها.
بين هذه وتلك، لا بد من فهم الطريقة التي يفكر فيها اليوم عقل الدولة؛ لأن مظاهرات الأسبوع الثالث من شهر رمضان فيما يبدو وجهت رسائل سياسية عميقة للحكومة ولدوائر القرار، وتضمنت مستجدات مربكة وسط اعتدال لا يمكن إنكاره في الاحتواء الأمني.

ما الذي يحصل في العاصمة عمان؟

مقالات وتعليقات على شكل مقاولات بالأطنان ظهرت فجأة تجرح في الحراك الشعبي ضد إسرائيل وتحاول شيطنته. وأدبيات بالجملة تحرض الدولة على شعبها بذريعة انحراف التظاهرات دون تقديم أدلة حقيقية مقنعة على مؤشرات ذلك الانحراف المقصودة أكثر من الإشارة لفتاة مراهقة شوهدت تهتف باستفزاز، أو من شبان ملثمين يحاولون الاقتراب من مقر سفارة العدو أو لبقايا تركت في الشارع بعد احتشاد أكثر من 50 ألفاً من المواطنين في ليلة رمضانية، أو حتى لصبية حاولوا إغلاق طريق على بوابة مخيم، فطاردتهم القوى السياسية قبل قوات الدرك واستنكر الجميع فعلتهم.
ما لا يقوله مسار النقاش الآن في عمان هو أن السلطات على الأرجح فوجئت بعودة الزخم الشعبي وبقوته وبرسائله، والأهم بتكويناته الاجتماعية حتى وإن بقيت التهمة المعلبة المفضلة هي تلك التي تخاطب الإخوان المسلمين، مع أن تظاهرات عمان والمحافظات أفلتت من بين أيديهم تنظيمياً. لا بل كانوا مجرد شركاء.
وما لا يقوله بروز حملة التحريض المباغتة ضد الشارع هو أن غالبية القطاع الشاب الذي ظهر محتجاً ليس مسجلاً لدى الأجهزة، بمعنى أن نغمة إغلاق سفارة إسرائيل بدأت تجذب أردنيين جدداً قد يكون أغلبهم غير مسيسين أصلاً، فيما لا يريد الناقدون للاحتجاجات والمتهمون لها بالانحراف عن البوصلة الفلسطينية القول إن ما أقلق بعض الدوائر الرسمية هي تلك اللمحات التي توحي ضمناً بأن مكون اللاجئين الفلسطينيين في البلاد بدأت ملامح حراكه السياسي ضد العدوان.
طبعاً، جماعة «الانحراف» المخلوط بادعاءات الولاء لا يريدون رؤية الحقائق والوقائع كما هي، بدليل عدم الإشارة إطلاقاً لتلك التقارير التي استفزت الأردنيين عن اغتصاب جيش الاحتلال للنساء في غزة، أو الإشارة لدور ما تداولته المنصات عن عودة طاقم إسرائيلي لإنارة مكاتب السفارة المغلقة.
والأهم أن الحملة التي تستهدف تشويه وشيطنة الحراك الشعبي حتى في رأي الناشط السياسي والعشائري البارز الذي تحدثت معه «القدس العربي» محمد خلف الحديد، ولدت وبدأت تظهر بالتزامن مع ما قررته وحدة الاستخبارات الإسرائيلية بخصوص العبث في اتجاهات الرأي العام في عدة دول، من بينها الأردن.

انعكاسات عميقة

والمتهمون للحراك لا يريدون الإقرار بأن حجم الجريمة هائل وانعكاساته على مزاج الأردنيين عميقة جداً وتدفع الجريمة الشعب الأردني للشعور بالخطر، وسط قناعة بأن مساحة الخطر الأكبر ناتجة عن بقاء سياسات التكيف والتطبيع؛ لأن إسرائيل هي التي تعيد إنتاج الواقع الجغرافي والديموغرافي اليوم في غزة والضفة الغربية، لتكريس التهجير إلى الأردن.
رغم ذلك، ظهرت تلك الشريحة التي تعهدت بمقاولة تضخيم المخالفات التي حصلت هنا أو هناك بين المتظاهرين، والمبالغ فيها أنها تضم إعلاميين ونشطاء يتقمصون عناوين وأسماء بعض العشائر ووزراء سابقين وأحياناً لاحقين وأشخاصاً لم يسبق لهم الكلام، يشاركون اليوم في حفلة تحريض الدولة على الناس بدلاً من دعوة الطرفين إلى اللقاء في المنتصف لإعادة صياغة ليس الموقف الأردني من القضية الفلسطينية فقط، فهو عملياً لا يحتاج لصياغة جديدة، بل مجمل ملف العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
تولد ظاهرة المتحرشين بالحراك الشعبي لسبب على الأرجح، لكنه غير واضح أو مرسوم بعد خلافاً لأسباب ولادة أو عودة ظاهرة الاحتجاج بصورة عريضة اجتماعياً، حيث الرسالة واضحة بأن الأردني لم يعد يريد علاقة مع إسرائيل ولا يحتمل استفزازات تجريح المقاومة.
ما تحتاجه السلطة السياسية هو فهم عميق ومتطور في تحليل المشهد لا يسمح لشريحة المزاودين والمحرضين باللعب في زوايا ضيقة تحرم الأردنيين، شعباً وحكومة، من إيقاع وحدة الموقف ما بين ثوابت القيادة ومشاعر الشارع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى