اراء و مقالات

«فيل» في حقل الجرار الأردني مجدداً: بعد «هندسة الانتخابات»… «فرامل» ثم الانتقال إلى «الغيار العكسي»

 كيف يمكن، بصورة محددة، قراءة الخلاف الغريب والعلني الذي اندلع بين المركز الوطني لحقوق الإنسان والهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن طوال الأسبوع الماضي؟

 كيف يمكن، بصورة محددة، قراءة الخلاف الغريب والعلني الذي اندلع بين المركز الوطني لحقوق الإنسان والهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن طوال الأسبوع الماضي؟
صعب عملياً إنجاز هذه القراءة وتفكيك أسرارها مادام الضوء الأخضر صدر على الأرجح تحت عنوان «المراجعة» وما دام الدخان الأبيض صعد على الأرجح أيضاً تحت عنوان «تكفين» ودفن قانون الانتخاب الحالي الذي بدأت حفلة التبرؤ الأفقي منه على مستوى القرار والدولة. يقلق المختصون الحريصون مثل تلك التقارير التي تنهش بالنتيجة بسمعة المؤسسات الرسمية، حتى وإن كان السبب خلافاً هنا أو اجتهاداً متعاكساً هناك.
المقلق أكثر أن المؤسسات الكبيرة عندما تشتبك أو تختلف وتحديداً في تشخيص وتقييم ملف شائك مثل الانتخابات النيابية، تتحطم الجرار؛ لأن الصراع هنا يشبه ما يحصل عندما يدخل فيل إلى حقل جرار، حيث يوحي المشهد الآن بأن إجراءات يجب أن تتخذ وفوراً بعدما سمح للمعارضين سابقاً وهم الموالون حالياً من أصحاب المناصب العليا في اليسار واليمين، بالمواجهة علناً وأمام الـرأي العام.
فقد حصل في الماضي وفي ملف الانتخاب تحديداً أشياء مماثلة، لكنها أقل حدة وعلى المستوى الفردي. وذاكرة الأردنيين مثلاً تحتفظ بتعليق شهير زعم فيه جنرال أمني سجن لاحقاً علناً بأنه تسبب بتعيين 80 عضواً في مجلس النواب عام 2007، وهو تعليق أعاد إنتاجه قبل أسابيع قليلة رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات عندما كان يحاول الدفاع في ندوة علنية، عن منظومة إجراءات النزاهة التي استحدثتها هيئته المهمة.
خرج الدكتور الكلالدة نفسه مجدداً قبل أيام قليلة ليتحدث عن دول في الخارج حاولت الاستعانة بخبرة الهيئة الأردنية في إدارة الانتخابات، وكان الجواب مختصراً وبسيطاً في مقايسات الرأي العام، فالسؤال الصغير الذي وجه عبر المنصات آنذاك للكلالدة كان على النحو التالي: معالي الأخ، هل انتهى التحقيق بحادثة سرقة صناديق المرشحة هند الفايز؟
استمعت «القدس العربي» وعلى هامش نقاش ودي وهادئ، لوزير التنمية السياسية موسى المعايطة، يتحدث عن نوايا الحكومة إطلاق حوار عميق وشامل حول قانون جديد للانتخابات، وفي الأثناء إشارات واضحة على مستوى القرار في الدولة بأن ما كان ينبغي أن يتحقق بنظام الانتخاب المعتمد الحالي واضح أنه لم يتحقق بعد دورتين.
الحكومة لا تستعجل الأمور، وتعلم أن ملف الانتخاب والإصلاح السياسي عابر لها، وأنها ليست اللاعب الوحيد في المسرح. لكن ورقة قانون الانتخاب الحالي في الأردن سقطت فجأة وبصيغة أقرب إلى الموت المفاجئ. حصل ذلك بعد انتخابات وسمت شعبياً وحزبياً بأنها «مهندسة».
ووصفت -حقوقياً ورسمياً- اليوم بأنها «معيبة» لكن مع فعاليات الهندسة التي حذر منها الجميع وتحديداً القيادي في التيار الإسلامي الشيخ مراد العضايلة وحصرياً في حديث سابق له مع «القدس العربي» يميل أحد المرشحين من خارج العلبة التقليدية للانتخابات وسـياسي بخبرة عمـيقة هو يونـس زهران، إلى طـرح سؤال أصغـر مع ما يلـزم له مـن ابتسـامة مسيـسة: بعد الهـندسة.. هل بـدأ العــد العكســي؟
يبدو سؤالاً لعوباً، لكن الجميع في الوسط السياسي والحزبي بات على أطراف مرحلة أقرب إلى صناعة السيارات، فبعد 3 أشهر فقط من انطلاق مركبة مجلس النواب الجديد واندفاعاته في الطريق العام أصبح الضغط على الفرامل خياراً استراتيجياً أكثر عمقاً الآن، والأسباب قد لا تكون صريحة ومباشرة لكن يمكن استنتاجها.
ليس سراً أن الضغط على الفرامل في ملف الإصلاح السياسي وقانون الانتخاب الجديد مفاجئ ويربك جميع الأطراف، وعلى الأرجح يمهد -حسب ما فهمت «القدس العربي» من زهران- إلى مرحلة العد العكسي.
ما الذي يعنيه هذا التشبيه وتلك المقارنة الآن؟ واضح في الإجابة أن الضغط على الفرامل ينهي تماماً فرصة استمرار وبقاء وصمود قانون الانتخاب الحالي، ويفتح المجال لأول انتقال في الغيارات العكسية على شكل حوار سياسي يلمح له دون تفاصيل الوزير المعايطة، تحت عنوان البحث عن توافق جديد لقانون انتخاب مستحدث «يلبي الطموح الملكي» والمعنى الوحيد المفهوم للعبارة الأخيرة هو العمل على الغيار العكسي الثاني وفوراً بعنوان تفكيك لغز تراجع الأحزاب.
الاسترسال في الانتقال بالاتجاه المعاكس للهندسة البغيضة التي حصلت، يعني إنتاج مناخ جديد وفي ظرف سياسي واجتماعي وأمني، والأهم اقتصادي ومعيشي أكثر من حساس، يستند إلى الرغبة في التغيير الإيجابي عشية الاحتفالات في نيسان المقبل بمئوية الدولة الأردنية. ثمة كلف لذلك بالتأكيد، وفي حال مراقبة موقف أعضاء مجلس الأعيان تحديداً وهم يحاولون قراءة الفاتحة على قانون الانتخاب الحالي، يمكن القول بأن جسم الدولة بدأ يستعد لبعض الكلف، خصوصاً أن بوصلة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تتربص بالحلفاء قبل الخصوم، كما أن أوضاع الأردن مع الأمريكيين ممتازة في كل شيء باستثناء ملف الحريات والإصلاح السياسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading