اراء و مقالات

بعد تسريبات «السيناريو السويسري»… الأردن أمام «ألغاز» التحرش والاستهداف وأدوات «التقصير»

عمان – «القدس العربي»: صعب جداً وقد يصبح مستحيلاً «توقع الوصول إلى نتائج مختلفة» ما دام الرد على «خطاب استهداف المملكة الأردنية» يعتمد على صياغات وأدوات ومنهجيات الماضي نفسها وبدون «جرأة» القفز إلى الأمام فعلاً، حتى بعيداً عن بيانات الإفصاح الرسمية التي تصاغ أحياناً بجملة «ركيكة» سياسياً أو تفتقر إلى المهارة المهنية الهادفة.
الأصعب حقاً هو جدية توقع تحصيل «نتائج» على صعيد الاحتواء والمسايسة وأحياناً الملاعبة، استناداً إلى مداخلات أو مساندات الإنتاج المصري الرسمي المعروف بالرداءة والتراجع، مما يسهم في تعقيد المسألة.
عملياً، تقدم واقعة «باندورا 2» أو ما سمي بـ«تسريبات سويسرا» دليلاً إضافياً على فكرة «استهداف الأردن شعباً وحكماً» وهي فكرة لا يناقشها الشارع الأردني بعد، لأنه يسمع «روايات» مجدداً باللغة القديمة ومن الأدوات التي تسببت في الأزمة أصلاً وبالصيغة الكلاسيكية ودون مقاربات إبداعية.

سؤال معقد

ثمة تقصير شديد مرصود في السياق، والدليل هو علم «القدس العربي» المسبق ومن أربعة أسابيع على الأقل بأن «هجمة جديدة في طريقها» بعنوان «تسريبات مالية» تهدف لتشويه سمعة البلاد والعباد.
المعنى هنا أن «خبر اليوم» كان نبأ الأمس على الأقل بالنسبة لقنوات وأوساط القرار، وعقدت اجتماعات وجرت اتصالات ومشاورات.. بالتالي يصبح السؤال: ما دامت صفوة المسؤولين لديها معلومة مسبقة.. ما هو مبرر الانتظار والترهل والزحف البطيء في تقديم روايات وشروحات على رواية كان يمكن التهامها مسبقاً؟
سؤال معقد، لكن الإجابة عليه تعيد المراقبين مجدداً إلى القاعدة المألوفة التي سمعتها «القدس العربي» على لسان عشرات المسؤولين، ويعيد المحلل السياسي عامر سبايلة تأكيدها: من نافلة القول الإشارة إلى أن النتائج ستكون بائسة عند مطالبة نفس أدوات الأزمة بوضع الحلول. الأردن اليوم من حيث «التحرش بسمعته»، لا توجد لديه مشكلة كبيرة إلا مع شريحتين.
الأولى هي الدول الصديقة والشقيقة التي تمول وتوجه أكثر من 700 هجمة سيبرانية، أو لا تمنعها، مع أكثر من 40 ألف حساب وهمي. والثانية طبقة متقاعدي رجال الدولة أنفسهم، سواء هؤلاء المصرون على تنظيم «اجتماعات» وإصدار بيانات تبدأ باتهام «النظام والدولة» ثم تنتهي بالتهام «مناسف» على سمعة المؤسسات، أو تلك الشريحة التي تصنف بمن تم إقصاؤهم أو تهميشهم أو عدم التواصل معهم من الغاضبين والمحتقنين أو الملاحظين أصحاب القناعة بأن إدارة الدولة لم تتدخل لحمايتهم من «رموز الصدفة» وإداريي الولاء المسموم.

«ديناصورات»

وصف أبناء الشريحة الأولى يوماً بـ»الديناصورات»، ومات بعضهم دون «أي تكريم»، ولا يتحدث مع بقيتهم أي مسؤول حالي، وانتقدهم رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز علناً وأمام «القدس العربي» وهو يستغرب عدم دفاع الطبقة عن الدولة.
في الشريحة الأول وقبل التحدث عن «الاستهداف»، لا بد من سؤال يحاول تقييم أداء وزارة الخارجية وطاقم السفراء المحظوظين، وعدد من هؤلاء السفراء سبق أن عملوا مع القصر الملكي والتهموا فرص غيرهم، ويمثلون بلادهم اليوم، تحديداً في العواصم التي تنهش صحفها ومؤسساتها الإعلامية سمعة البلاد بالتسريبات.
إزاء الواقع، يصبح السؤال إلزامياً حول ما قدمه السفراء ووزير الخارجية «القوي جداً في الدولة» من استدراك قبل ركوب موجة تسريبات سويسرا خلافاً للاستفسار عما قدم من «احتياطات» في عمان العاصمة، ومن جهة كبار المسؤولين فيها وفي مؤسساتها اليوم.
لا أحد في طبقة «سكان الطابق العلوي» يرغب بالتعرض لأسئلة حول قصور أو تقصير المبادرة والأداء عند كبار موظفي اليوم. ولا أحد في المقابل يريد السعي وبصراحة تليق بالمملكة والبلاد لما هو أبعد من «التلاوم» وتوجيه اتهامات فضفاضة ومعلبة لا معنى لها تارة لأجندات مشبوهة هلامية دون تحديدها، وتارة لدول أخرى بالتلميح يتبين أن غالبيتها في مستوى «الصداقة التحالفية». مسألة «التسريبات» جرحت الأردنيين و»صدمت الشارع»، لكن «الفلاتر» التي هي محصلة لأزمة الأدوات -كما يرى الناشط محمد الحديد- تعاملت مع «نشر التسريبات» فقط، وبدأت تقترح «القبضة الأمنية» فقط لمعالجة تداعيات الداخل ودون أدنى تركيز على أن «التصعيد»مع الداخل تحديداً قد يكون آخر ما يحتاجه البلد اليوم.
ثمة «كوارث» في الأداء والنتائج حصلت من نيسان العام الماضي، حيث «الفتنة» وحكاياتها، لكن الحكومة بقيت تتصرف بـ»صلافة بيروقراطية»، والمناخ السياسي دخل تماماً في مزاج الإقصاء، على رأي سبايلة، ولم تتقرر لا إجراءات تناسب التحديات ولا حتى قرارات بمستوى «تحدي السرديات المضادة»، وهو لغز محير الآن، يدفع بعض الحريصين على الدولة وليس معارضيها لتخيل بأن «السلبية والقصور» هنا مقصودان في سيناريو اتهام خطير للغاية لو كان صحيحاً.
العلاقات المندفعة جداً مع إسرائيل بصمت وعلنية ومع الإمارات بعلنية أكبر وفقط ولاحقاً مع «مصر السيسي»، لم توفر أي حماية من أي صنف للأردن في السيناريو السويسري المتفاعل الآن والظالم جراء التقصير المحلي النخبوي، مع أن روايات «المال» يمكن ببساطة تفتيتها لو تصرف القوم بالطريقة والوقت المناسبين. في المقابل، الحرص على تضخيم ثنائية «خطر الإرهاب والمخدرات» قد يفيد، لكن ليس كثيراً دون «مشروع اقتصادي فعال وسريع» يحتوي على ما يصفه وزير المالية الدكتور محمد العسعس بـ»التضحيات الكبيرة» المطلوبة من بسطاء المواطنين.

«مظلة شعبية»

كان يمكن لمشروع «تحديث المنظومة السياسية» أن يشكل «مظلة غطاء شعبية» فعالة إزاء فبركات السيناريو السويسري لو توفرت له حاضنة اجتماعية حقيقية، ولو لم تقحم به «تعديلات الدستور» إياها، ولو ترك لينضج دون «هندسات» تتوالد للانتخابات أو دون اعتقالات.
وبصراحة أيضاً، ليس سراً أن المزاج الشعبي الأردني مؤهل لتبني أي رواية سلبية، وكبار «الأمنيين» تستمر الانقلابات الصغيرة بالحصول معهم، وماكينة الحكومة «خارج الخدمة» عملياً، مما يعني سيناريو الإطاحة بها عند أو منعطف، وهو ما لا يمانعه في الواقع طاقمها وعلى رأسهم الدكتور بشر الخصاونة.
ما هو هامش المناورة أمام دوائر القرار الأردنية في ظل تلك المعطيات؟
حصرياً، هنا السؤال الأصعب في ظل وضع معقد، فجميع كبار المسؤولين تحدثوا أمام «القدس العربي» عن «مقاربة متطورة» لا تحصل، ونائب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي تحدث عن الحاجة الملحة إلى مقاربة بمستوى وحجم الاشتباك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى