اراء و مقالات

معسكرات أمريكية تقترب من «مليار دولار»: جدل وصخب في عمان حول «اتفاقية دفاعية» مع واشنطن… والشارع يرفض والحكومة «تصفق»

اسمها اتفاقية التعاون الدفاعي بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية. رسمها السياسي هي اتفاقية تكرس علاقات التحالف، لا بل تحول هذه العلاقات في الجزء المتعلق بالتعاون العسكري إلى مستويات استراتيجية كانت ترحب بها وتنشدها الدولة الأردنية طوال الوقت لأنها تعني الكثير.
شكلها غامض إلى حد ما من حيث النصوص، الأمر الذي أعاد إنتاج الجدل والإثارة وأحياناً دون مبرر، خصوصاً على منصات التواصل وفي أوساط الحراك الشعبي وفي بعض الأوساط الإعلامية التي سارعت لمناشدة البرلمان الأردني التصدي للاتفاقية الدفاعية الجديدة.
موقفان في غاية الغرابة وفي مستويات الاشتباك التناقضي تجاه هذه الاتفاقية التي أثارت الجدل عملياً بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية.
الموقف الأول تعبر عنه معارضة لم تتدخل بالتفاصيل، وعلى أساس أن هذه الاتفاقية تنتقص من قيمة سيادة الأردن وتنص على بعض الأفكار المجحفة بحق الأردنيين، خصوصاً أن القوات العسكرية الأمريكية لها حق التمركز والانتشار داخل معسكرات.
في كل حال، تلك الاتفاقية أثارت جدلاً واسع النطاق في الوقت الذي هاجمها العديد من نشطاء الحراك وأحياناً المعارضة، واستفسرت عنها العديد من النخب السياسية والمثقفة كانت أوساط القرار والدولة الأردنية تعتبرها منتجاً إيجابياً يظهر أهمية الحفاظ على الدور الإقليمي الأردني في السنوات المقبلة، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس جو بايدن، تنظر للأردن باحترام شديد، وتعتبر التحالف معه والصداقة معه من الأسس والمعادلات الأساسية في المنطقة.
بطبيعة الحال، الاتفاقية الدفاعية بين الأردن والولايات المتحدة ليست على الإطلاق وليدة اللحظة، إنما وليدة ظروف واعتبارات لها علاقة بطبيعة الاصطفاف الإقليمي والتمحور في المنطقة، والنصوص التي ينتقدها اليوم العديد من رموز الأوساط التي تعارض هذه الاتفاقية أو ترتاب فيها كانت أصلاً مداراً للبحث والتمحيص والنقاش طوال السنوات الأربع الماضية.
وقد بدأت المسألة تتفاعل عندما قررت ألمانيا قبل عدة سنوات وخلال الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا اختيار الأردن لنقل بعض قواتها إليه، مما يفسر الصداقة المتنامية بين ألمانيا والأردن، والتعهدات الألمانية الأخيرة بزيادة المساعدات للأردن، وبتحويل شحنة كبيرة من لقاحات الفايروس كورونا.
منذ حدث الانقلاب في تركيا، تفاعلت النقاشات بين الأوروبيين والأمريكيين والأردنيين حول استضافة الأراضي الأردنية للعديد من المعسكرات الدفاعية أو التجمعات العسكرية لأغراض التوازن الاستراتيجي العسكري.
وفي الوقت الذي يمكن انتقاد الاتفاقية الدفاعية شعبوياً، ترحب بها أوساط جميع المسؤولين الأردنيين وتعتبرها أساساً للحديث عن استمرار دور الأردن الإقليمي والدولي وتكريس العلاقات التحالفية العلنية بطبيعة الحال مع الولايات المتحدة على أرض الميدان. وبالتالي، المفارقة ملموسة في النقاش حول تلك الاتفاقية الدفاعية، وإن كانت بعض النصوص لم تشارك الحكومة الأردنية بشرحها دون أن يعرف ما إذا كانت هذه الاتفاقية بموجب الدستور ينبغي أن تعرض على مجلس النواب الأردني أو على سلطة التشريع.
الناقدون للاتفاقية يتحدثون عن حقوق ومزايا لها علاقة بأن لا تدفع القوات الأمريكية، في حال وجودها في الأراضي الأردنية، أي نوع من الجمارك والرسوم، وأن العسكرين الأمريكيين أثناء عملهم بالأردن لا يمكن محاسبتهم قانونياً بصرف النظر عن التصرفات، وأن هذه الاتفاقية تقترب إلى مستوى الإذعان أو تمس بالسيادة، كما صرح القطب البرلماني صالح العرموطي.
لكن تلك تبقى وجهة نظر ناقدة، فأوساط الحكومة والسلطات تعتبر هذه الاتفاقية مماثلة لاتفاقيات دفاعية مستمرة على أكثر من صعيد بين الولايات المتحدة وحلفائها، وهي تسند بطبيعة الحال العلاقات الاستراتيجية التحالفية، وتوصل دعماً إضافياً تحت بند المساعدات العسكرية للأردن، كما تؤدي إلى توفير ملاذ استراتيجي عميق للأمن والاستقرار في الأردن وحماية مصالحه في سياق الإقليم الملتهب إلى حد ما.
الاتفاقية ما ينقصها حتى الآن هو تقديم شروحات تخصها للرأي العام وطمأنته، خصوصاً أن مصادر خاصة تؤكد لـ»القدس العربي» بأن هذه الاتفاقية قد تبلغ كلفتها نحو مليار دولار على الأقل، وستؤدي إلى تعزيز الفرص الاقتصادية، خصوصاً أن هذا المليار مع نهاية العام الحالي أو صيف العام الحالي قد ينتهي بإقامة وتأسيس وإنشاء العديد من المعسكرات الأمريكية في إطار التعاون الدفاعي القديم أصلاً.
لكن الأهم سياسياً هو أن توقيع هذه الاتفاقية والمصادقة على أوراقها ونصوصها والتي حصلت عليها «القدس العربي» بطبيعة الحال يؤسس إلى مرحلة جديدة من الاشتباك يكون منهجياً. بمعنى أن العلاقات الأردنية – الأمريكية في أفضل أحوالها، رغم أن الحديث عن الاتفاقية وإقامة المرافق العسكرية ووجود القوات الأمريكية أصلاً في الأراضي الأردنية كان تحت الخدمة في عهد الرئيس الأمريكي السابق، وبالتالي المسألة لها علاقة بعلاقات مؤسسية عميقة بين البلدين تتجاوز حسابات الانتخابات الأمريكية في بعض الأحيان، ومن شأن هذه الاتفاقية تعزيز فرص السلام في المنطقة بطبيعة الحال كما يقول الأمريكيون، لا بل التأسيس لوجود الأردن كقوة فاعلة على الطاولة الإقليمية، وإن كان ذلك الأمر يربطه الناقدون للاتفاقية عملياً بوجود خطط سلام أو تسوية على صعيد الملف الفلسطيني.
وهي خطط يمكن أن تكون موجودة دائماً، بصرف النظر عن وجود القوات الأمريكية في الأردن، ضمن برامج متفق عليها ذات طابع دفاعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading