اراء و مقالات

الأردن: «القصر» يتحدث للناس مباشرة والاستغناء مؤقتاً عن «حوارات عمان»

ماذا سيحصل في شهر رمضان؟

عمان – «القدس العربي»: تبدو مقاربة منتجة أكثر سياسياً ووطنياً تلك التي شهدت ولادة عودة برنامج التواصل الملكي الأردني مع الجمهور مباشرة، مما يعني ضمنياً الإقرار بعدم إنتاجية وضعف نتائج وانعكاسات اللقاءات التي كانت تجري سابقاً برعاية الديوان الملكي، خصوصاً مع أبناء العشائر وممثلي الأطراف، في الوقت الذي تعالت فيه تلك الأصوات التي تدعو الأردنيين مجدداً للتلاقي في الشارع يوم 24 آذار الحالي، على أمل تنشيط الحراك الشعبي عشية شهر رمضان المبارك. وهو ما لا تريده السلطات العليا في الأردن بكل الأحوال، لا بل تخشاه ويشكل أحد أسوأ السيناريوهات.

ماذا سيحصل في شهر رمضان؟

الظرف الاقتصادي صعب جداً ومعقد، ومقاربة شهر رمضان المبارك -برأي خبير اقتصادي وسياسي من وزن الدكتور محمد الحلايقة – تحتاج إلى وصفة أكثر هدوءاً في الاستيعاب والاحتواء وإدارة السوق والأسعار، لا بل في تحضير الدروس جيداً، خصوصاً أن أجواء رمضان أصلاً في حالة احتقان بطبيعتها فيما الحكومة تناضل للسيطرة على إيقاع ارتفاع الأسعار، حيث الشهر الذي تزيد فيه حسب الخبراء معدلات الاستهلاك، وقد يشكل حالة تسمح بالسهر في الشارع والاعتراض والاحتجاج، حيث تجربة سابقة يعتقد أنها أسقطت وزارة الرئيس الدكتور هاني الملقي.
طوال الوقت، المطبخ الحكومي مشغول تماماً بأن لا تتمأسس في الشارع الأردني حالة اجتماعية احتجاجية عشية شهر رمضان المبارك، وقد سمعت «القدس العربي» مباشرة من وزير المالية الدكتور محمد العسعس، تقديرات ونوايا قرارات في التعاطي في تحضير الحالة المزاجية العامة لما يمكن أن يحصل في شهر رمضان المبارك، حيث زادت تعقيدات ليس فقط الأسعار، لكن تعقيدات السلع الاستهلاكية الأساسية بعد أزمة البحر الأسود وأوكرانيا والتوقعات التي بدأت تظهر في ازدياد الأسعار المنتجات والبضائع في السوق الأردنية.
عملياً، تعرف السلطات الأمنية والبيروقراطية بأن مزاج شهر رمضان إذا ما ارتبط بالمزاج الشعبي الحاد وتكرس سياسات الإقصاء على المستوى الرسمي، يصبح أرضاً خصبة للانفعال الشعبوي مجدداً.
وقد تتحول ميادين العاصمة وبعض المحافظات إلى محاولات حراكية وفي ظرف إقليمي ودولي واقتصادي ومعيشي وسياسي مغرق في الحساسية ومفتوح على كل الاحتمالات، لذلك فوبيا شهر رمضان المبارك كانت مبكرة ضمن استعدادات وسيناريوهات الاشتباك الحكومي.
لكن الأمر يحتاج لمبادرات من طراز مختلف دوماً تحت عنوان الاحتواء كما يلاحظ الحلايقة، دون التفريط بما بعد الاحتواء على مستوى القرارات والإجراءات التي تتخذ بتعقل. يعرف الحراكيون ذلك جيداً ويعرف المعارضون الشرسون الذين اخترقوا السقف، وصبرت في مواجهتهم الدولة والمؤسسة الملكية حتى على الإيذاء والاتهامات.
ويعلم أيضاً من قرر من المجموعة المحيطة بالوزير السابق أمجد المجالي وبالمعارض المعروف ليث شبيلات، تفعيل نقاشات استعادة الدولة عشية شهر رمضان المبارك، يعلم جيداً ما الذي تعنيه محاولته التحريضية بالنسبة لمزاج حاد على المستوى الشعبي يقابله بيروقراط شبه عاجز عن وضع استراتيجيات طويلة الأمد السورية.
إضافة – بالتوازي – إلى أن عملية تحول كبيرة دستورياً في النظام السياسي حمالة أوجه وقفزت بمخاوف الناس والنخب إلى مستويات غير مسبوقة. والوضع مربك تماماً، ولعل هذا الإرباك هو الذي أوقف -ولو مؤقتاً- برنامج لقاءات النخب في عمان العاصمة التي لا تقال فيها الوقائع والحقائق كما هي، والتي بدأت تمارس أحياناً بعض التضليل على الذات والوطن والقيادة خلافاً لـ»التقية السياسية». ومقابل ذلك تفعيل اللقاءات المباشرة مع الجمهور والعودة إلى سياسة لقاء الناس في الشوارع العامة، خصوصاً بعدما أعلنت الحكومة اعتباراً من أول آذار رفع غالبية أنماط الإغلاق والرقابة الصحية وعودة الحياة تقريباً إلى طبيعتها.
وعليه، يمكن القول وبضمير رقابي مرتاح، إن الحراك الملكي مع المواطنين والشارع في الأيام الأخيرة له أغراضه ومدلولاته السياسية الأعمق، ويشكل في واقع الأمر رداً على كثير من محاولة نهش سمعة البلاد والدولة، وخصوصاً في الخارج، وأحياناً بالداخل، بالإضافة إلى محاولة على الطريقة الملكية الأردنية المعروفة لتلمس احتياجات الناس وهمومهم ومقابلة الواقع ونزع الاحتقان، خصوصاً أن ذلك الاحتقان بدأ يلامس أطراف القبيلة والعشائر.
وهي الأطراف التي تشكل أساس عماد البيروقراطية في الدولة، حيث يزيد عدد كاظمي الغيظ على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، وتزيد معدلات الاحتقان، وحيث -وهذا الأهم- يقرر الوزير العسعس بأن الأزمة المالية تفرض بصماتها أحياناً على عدد الوظائف، وأن المطلوب تشغيل الأردنيين بكثافة أكبر وخلق فرص عمل، والتعقيدات زادت على وضع معقد بعد الأزمة الأوكرانية.
في كل حال، ثمة مقاربة جديدة تحت عنوان تعامل المؤسسة الملكية مباشرة مع الشارع، وهذا يعني الكثير من الوصول إلى ملاحظات حيوية أكثر ومقنعة أكثر والابتعاد مسافة أكبر نسبياً عن محاولات التشويق اللفظي ولقاءات القصور النخبوية التي ثبت اليوم أنها لا تغني شيئاً عن التعامل مع وقائع الأمر. وبالتالي، وجود هذا التلامس الملكي مع الناس قد يكون وصفة وطنية بهدف محاولة استعادة الهدوء، خصوصاً في ظل استعصاء الحلول الحقيقية وعبثية نتائج العودة إلى لعبة الشارع فقط، وظهور محاولات متعددة لابتزاز الدولة إلى حد ما، واستغلال الظروف المعقدة في مقابل طاقم يدير الأمور بصيغة تستفز جميع القواعد والمكونات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading