اراء و مقالات

الأردن بين «ترف» التعديل الوزاري واستحقاق حكومة جديدة

ما الخيارات بعد التعافي من كورونا؟

عمان – «القدس العربي» : ما الذي يخدمه بصفة خاصة استمرار الحديث في الأردن عن «تعديل وزاري وشيك»؟
لا تبدو الإجابة محددة وواضحة هنا، لكن استمرار الجدل ما بين سيناريو التعديل وخيار التغيير الوزاري ثم بروز خيار ثالث، وبنعومة شديدة بعنوان «إعادة التفويض والتكليف»، هو بمثابة عملية مستمرة سياسياً تهدف لخدمة مجتمع النميمة المألوف في الصالونات، ولا تقدم قيمة مضافة لأي عملية سياسية منهجية خلافاً لأنها حصاد وثمرة لفكرة توقيت نهاية أيلول وتوقف الدورة الاستثنائية الطارئة للبرلمان، الأمر الذي يدفع بنقاش وتكهنات بعنوان هوية وملامح تركيبة الطبقة الوزارية التي ستعامل مع الدورة الجديدة في نوفمبر للبرلمان.
حتى اللحظة لا يوجد دليل أو قرينة من أي صنف على أن قراراً اتخذ في هذا السياق. وحتى اللحظة لا يقف رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، عن تأكيده المباشر عندما يسأل أو يطرح السؤال كما فعلت «القدس العربي» قبل أيام قليلة بعدم وجود نية لديه كرئيس للحكومة لإجراء تعديل وزاري جديد على فريقه، مع التأكيد بالمقابل على أن التعديل الوزاري لا يخدم الحكومة ولا تحتاجه في هذه المرحلة على الأقل، لا بل لا يخدم الدولة.

ما الخيارات بعد التعافي من كورونا؟

ثمة تقاليد جديدة في العقل السياسي لمقر رئاسة الوزراء تحمل توقيع الخصاونة حتى إن لم يتحدث بها مباشرة.
الانطباع عميق جداً بأن كثرة التعديلات الوزارية التي ترافق الحكومات ورؤسائها أصبحت أقرب إلى موضة أو موجة يمكن الاستغناء عنها، تفكك هيبة مجالس الوزراء وتؤثر سلباً على رئيس الوزارة ما دام التعديل متاحاً أو تقترحه بعض مراكز القوة بسبب حقيقي أو جوهري، أو بدونه، بين الحين والآخر.
الانطباع أعمق بأن حكومة الرئيس الخصاونة على الأقل شكلت أصلاً بموجب خطاب تكليف ملكي أكثر من 70 % منه له علاقة باحتواء تداعيات فيروس كورونا، مما يدفع في اتجاه إما ترحيل هذه الحكومة واستحضار طاقم جديد، أو في اتجاه إعادة تكليف رئيسها وتفويضه، ليس فقط لأن ذلك ضروري في رأي عضو البرلمان الناشط خير أبو صعليك، لكن أيضاً لأن مجلس النواب الحالي منح الحكومة الحالية ثقته على أساس برنامج واضح ومحدد مرتبط بتكليف واضح ومحدد بدوره، فيما المطلوب على المحك وفي المستقبل القريب يحتاج أو قد يحتاج إلى ثقة برلمانية جديدة وطاقم مختلف مع خطاب تكليف ملكي من طراز مختلف.
الوقائع التي عددها بعض النواب حصراً تقول بأن وزارة الخصاونة أنجزت الجزء المطلوب تماماً من تكليفها الملكي بخصوص احتواء تداعيات الفيروس كورونا صحياً واقتصادياً، فقد دخل الأردن صحياً في عهد هذه الحكومة الحالية بحالة التعافي الفيروسي، ووصل إلى ترف تحديد سقف زمني متوقع لرفع أوامر وقانون الدفاع.
اقتصادياً، وضعت البرامج التي لم تكن نتائجها مميزة جدًا على صعيد التعافي الاقتصادي، لكنها أكثر من كافية تحت عنوان الصمود والاحتواء ووقف الانهيار والخسائر، وهو ما حصل عبر وصفات وبرامج كان ذلك هدفها، في رأي وزير المالية الدكتور محمد العسعس، الذي سمعته «القدس العربي» عدة مرات يتحدث عن الأولويات.
فوق التكليف والواجب المعلن ملكياً، قطعت الوزارة الحالية مسافات إضافية في اتجاه ملفات لا علاقة لها بكورونا تحديدًا فقط، فقد انشغلت واجباتها بتأمين عبور آمن مع صندوق النقد الدولي والمجتمع المانح، وتصدت للفتنة الشهيرة، ووضعت قواعد حماية اقتصادية للفقراء، وانهمكت بالأحداث اليومية الاعتيادية، وحافظت على مستويات متقدمة في الأمن العام الداخلي، وتعاملت مع البرلمان ومع حزمة تشريعات كان أهمها قانون البيئة الاستثمارية الجديد، خلافاً طبعاً للتحديات الإقليمية والدولية العابرة للقارات.
قد يعني ذلك عملياً أن وزارة الخصاونة تجاوزت في الاشتباك المطلوب منها ما حصل خلال وقتها الدستوري، مما يرجح السيناريو الذي يردد أعضاء في البرلمان أنهم يسمعونه من أركان الحكومة نفسها حول انتهاء مهامها ولواجباتها الرئيسية في حدود ما كلفت به أصلاً، مما يجعل أي حديث عن تعديل وزاري جديد ليس أكثر من لعبة بهلوانية حقائبية غير مفيدة ولا ضرورة لها.
لا بل يبدو أن الرئيس الخصاونة أقرب تماماً لهذا المنطق، وهو لا يجد مبرراً من أي نوع لتعديل وزاري الآن، تاركاً أمر الحكومة برمتها لصاحب الشأن والقرار، ومفترضاً عبر المعسكر السياسي المقرب منه بأن صاحب القرار المرجعي هو الذي يحدد بقاء الحكومة برمتها من رحيلها.
في الترجمة الفعلية لهذا الطرح قناعة بأن التعديل الوزاري لأغراض التسكين أو الإرضاء أو إطالة العمر قليلاً أو البقاء لفترة أطول أو لأغراض مخاطبة غرائز الشارع ومؤسسات الإعلام هي خطوة يقدر الخصاونة بأنه لا يحتاجها وورقة لا يجد ما يبرر اللعب بها، لا الآن ولا لأسابيع.
والمعنى هنا أن قناعة رئاسة الوزراء تبدو راسخة بأن من يحدد الحاجة لتعديل وزاري أصلاً ودوماً هو رئيس الطاقم، وأن الحكومة الحالية قامت بالواجب الموكول إليها، ولا يوجد ظرف يستدعي تعديلاً وزارياً محدوداً أو موسعاً، والقرار برمــته بمطلق الأحــوال لصــاحب القرار.
مثل هذه النمطية في التعامل مع استحقاق دورة البرلمان العادية المقبلة محاولة لإبلاغ الرأي العام ضمناً بأن موجة التعديلات الوزارية لا يرغب رئيس الوزراء الحالي في ركوبها، وبأن مركز القرار المرجعي لا يطلب في العادة تعديلاً وزارياً؛ فتلك مهمة رئيس الطاقم، والمرجعيات توافق أو تمنع أو تحجب. والتغيير الوزاري قرار ملكي في الأساس، وله ظروفه، أما التعديل الوزاري فهو قرار لرئيس الحكومة وله اعتباراته وظروفه أيضاً، والواضح المرجح هنا أن الظروف بقياسات الخصاونة لم تنضج بعد حتى يستأذن بتعديل وزاري خلافاً للقناعة بأن كثرة التعديلات في حكومات سابقة لسبب جوهري أو بدونه كانت نمطية قلصت من هيبة من يتنسم موقع رئيس الوزراء، لا بل أضعفت الحكومات.
الدولة والمؤسسة والقصر جهات لا تستفيد من كثرة التعديلات الوزارية التي حولتها أهداف في الماضي إلى استراتيجية بهدف البقاء فقط، لا بل تلك الجهات السيادية تستفيد اليوم من وقف حالة ولادة تعديلات وزارية خارج رحم الحقيقة والاحتياج الوطني.
ذلك المنطق لا يحمل ضمانات من أي صنف، لا للخصاونة ولا لطاقمه، بالبقاء طويلاً؛ لأن الجميع ينتظر الخطوة التالية عشية الدولة الاستثنائية للبرلمان، ولأن الوزارة الحالية أقرب إلى الاقتناع بأنها قامت بالمطلوب منها، وبالتالي بقاء تركيبتها فترات طويلة إضافية قد لا يكون منتجاً، مع أن القرار ليس لرموزها.
وبالضرورة، لا يعني كل ذلك تمكين الخصاونة أو غيره من سيناريو إعادة التكليف، بل يعني باختصار أن الأخير حتى اللحظة لا يرى مبرراً بتعديل وزاري.. نقطة وأول السطر، هكذا على الأقل ما يبدو أن الحكومة الحالية تفكر به وسط القناعة المطلقة بأن القرار في النهاية لصاحب القرار، وبأن النخب من الطبيعي والمألوف أن تتدافع نحو خيارات تغيير أو تعديل وزاري بمجرد صدور إرادة ملكية تفض الدورة الاستثنائية الحالية للبرلمان.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى