اراء و مقالات

القدس – مكة و«التلغيز المسيس»… «الجار الأردني» و«توقيت رمضان» بعيداً عن «السعودية والسلطة» و«الوصاية»

عمان – «القدس العربي»: قد لا ترتبط المسألة بمبالغات أو دراميات التحليل السياسي، لكن التوقعات والتنبؤات السياسية وما لحق بها من جدل متعاظم خلال اليومين الماضيين في الساحة الأردنية، وبلغ ذروته أو بلغ ذروة غير متوقعة سياسياً على الأقل وبعيداً عن السياق الشرعي عندما تعلق الأمر حصرياً بقرار الأردن الانسجام فقط مع سلطنة عمان فيما يخص تحديد اليوم الأول من شهر رمضان المبارك.
مجدداً، قد تكون المسألة خالية من التسييس والسياسة، لكن السياسيين، وهم كثر، ومعهم الشارع وعبر منصات التواصل الاجتماعي، يبالغون في تسييس غير المسيس. وبالتالي، الزاوية التي قرأ فيها قرار المفتي العام للمملكة الأردنية بخصوص تحديد يوم الأحد الأول من شهر رمضان وتعذر رؤية الهلال في يوم الجمعة كان قراراً سياسياً بامتياز بالنسبة للمشغولين بإعادة تدوير الزوايا ومراقبة كل صغيرة وكبيرة.
وزاد من تعقيدات التأويل السياسي هنا أن المفتي العام أو الجهات الدينية المرجعية في السلطة الوطنية الفلسطينية، لأول مرة وبصورة نادرة جداً، تصوم في يوم مختلف عن يوم الجار الأردني الأكبر، وكان ذلك فيما يبدو رداً ضمنياً على قرار الأردن النادر أيضاً بأن يصوم في توقيت مختلف عن ذلك التوقيت الذي حددته المرجعيات السعودية تحديداً.
المسألة التي لا يمكن التساهل أردنياً سياسياً في تأويلاتها هي تلك المتعلقة بصيام أهل الضفة الغربية والقدس قبل يوم من يوم الصيام الأردني.
وهنا بلغت التأويلات والتكهنات ذروة غير مسبوقة قوامها التخطيط المركزي للإشارة المتعلقة بأن مدينة القدس تحديداً تعلن الصيام ومعها المسجد الأقصى خلافاً لبلد الوصاية على الأوقاف في تلك المدينة، رغم أن الطاقم الذي يدير الأمور في أوقاف القدس والمسجد الأقصى أردني بامتياز.
في لغة السياسيين والإعلاميين أيضاً قد يعني ذلك الكثير. وفي لغة السلطات الدينية والمفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية لا يعني شيئاً؛ فخبراء الفلك يؤكدون تعذر رؤية الهلال مساء الجمعة.

توقيت مختلف مع الرياض

وبناء عليه، فإن الدوائر الأردنية مصرة على أن صيامها في التوقيت الصحيح. لكن هذا التوقيت الصحيح بصرف النظر عن مقدار صحته علمياً أو فلكياً وشرعياً، أسس لمفارقة سياسية لم يألفها الشارع الأردني من قبل، فالأردن ولأول مرة وحيداً مع سلطنة عمان من بين الدول العربية، يصوم الأحد.
والأردن لأول مرة تماماً يصوم في توقيت مختلف عن المملكة العربية السعودية، وعن جمهورية مصر العربية فوق ذلك. وفي الاعتبار الثالث، الأراضي الفلسطينية المحتلة تصوم لأول مرة بمعزل عن الجميع، لا بل بمعزل عن الأردن وقبل 24 ساعة من توقيته الشرعي، وتلك مفارقة حتى وإن لم تكن سياسية، يميل الأردنيون بمختلف أوساطهم لقراءتها في البعد السياسي، خصوصاً أن الأردن مهتم بإجراء حالة تواصل نادرة مع العمق الإسرائيلي منذ عدة أيام، وبعد غيابه عن طاولة لقاء النقب الشهير. ذلك طبعاً خلافاً لأن عمان مهتمة بالمعنى السياسي بالضغط باتجاه العودة للعملية السياسية وطاولة المفاوضات.
لكن ما ظهر على الأقل لصانع القرار في الحكومة الأردنية، أن الطاقم المعني بالشؤون الدينية والأوقاف يبدو أنه لم يقدر العمق الاستراتيجي للدلالة السلبية التي يخلقها أو ينتجها الوضع الذي يشير إلى أن الفلسطيني صام قبل يوم من صيام شقيقه الأردني.
وهو وضع يظهر مجدداً وجود أزمة أدوات، ليس فقط على مستوى مراكز القرار الأساسية في الدولة الأردنية ولا على مستوى الجهاز الاستشاري العامل في مؤسسات سيادية، لكن أيضاً على مستوى الحكومة نفسها التي يبدو أنها تعاملت مع الأمر في التواقيت اعتباطياً، بمعنى أن الالتزام بالبعد الفلكي والشرعي كان ينبغي أن يتم بالترتيب والانتباه مع الجانب الفلسطيني، لأن مفارقة الوصاية الأردنية على القدس هي التي يمكن أن تدفع الثمن هنا تحديداً وخصوصاً في هذا التوقيت، وسط تراكم الملاحظات التي تشير سياسياً إلى أن الأردن بدأ يتحدث عن تسهيل إجراءات دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى بدلاً من الحديث تصريحاً عن حقوقهم في أداء صلاتهم في الحرم القدسي والمسجد الأقصى.
عموماً، ما حصل في تواقيت الصيام على مستوى دول الشرق الأوسط والعالم العربي يعزز القناعة نسبياً بأن الأردن، ورغم نبل مواقف قيادته، قد يكون معزولاً سياسياً واقتصادياً في البعد الإقليمي، وقد تكون حركته في الاتجاه الإسرائيلي، خصوصاً بعد استقباله لوزير الدفاع بيني غانتس ورئيس دولة الكيان الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ، في غير مكانها المنتج الصحيح، لأن هذه الاتصالات لم تفلح بحماية المسجد الأقصى من دخول المتشددين من أعضاء الكنيست، ويبدو أنها لا تفلح؛ لأن الأردن في الدفاع عن حقوق المقدسيين والقدس والقضية الفلسطينية يصفق وحيداً دون بقية العرب والدول الإسلامية.
وبالتالي، هي لم تفلح حتى في منع الاضطراب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

قلق في كل الاتجاهات

وهو اضطراب يراقبه الأردني بكل العيون، ويعبر عن قلقه في كل الاتجاهات، لكن حتى الآن دون فائدة، وسط تكرار الملاحظة التي يرسمها دبلوماسيون استراتيجيون بعنوان فائض من الحراك الدبلوماسي غير منتج، خصوصاً عندما ينزل للمستوى التنفيذي، وليس في الاتجاه الصحيح الناتج عن المفارقة التي تقول بملء الفم بأن الأردن يتحدث مع المؤسسات العميقة في الكيان الإسرائيلي، ولا يخاطب حكومة اليمين الإسرائيلي ورئيسها نفتالي بينت، لكنه بالمقابل أيضاً لا يخاطب ولا بأي شكل من الأشكال، اليمين الفلسطيني؛ بمعنى أن الطرفين الفاعلين على الأرض لا يتحدثان مع عمان.
وبالتالي، يقترح كثيرون من الساسة والمراقبين أن يتوقف الأردن عن الشكوى من غياب التأثير لحراكه الدبلوماسي، لأن الفرصة فاتت حتى على ضبط إيقاع وتواقيت وزير الأوقاف أو الشؤون والأوقاف الإسلامية والدينية في السلطة الفلسطينية على التوقيت الأردني، وهي مناسبة تعيد التذكير بأن الطاقم الذي يدير الشؤون الدينية في عمان يخطئ بأبسط الحسابات ويحتاج إلى وقفة أكثر تسييساً بعد الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى