اراء و مقالات

الأردن: معادلة «الذئب والغنم» تحيط بملف «الأسعار»

أيهما «أعقل» المواطن أم الطاقم؟

عمان- «القدس العربي» : قد تنطوي المسألة على توجيه مجرد رسالة أكثر من إثبات نظرية متكاملة عندما يتعلق الأمر بالوقفة الاحتجاجية الرمزية التي نظمت بعد ظهر صلاة الجمعة الماضي في الأردن تحت عنوان إسقاط نهج رفع الأسعار.
ما يريده الإسلاميون تحديداً بعدما تصدر حزب جبهة العمل الإسلامي قائمة 8 أحزاب دعت لتلك الوقفة الاحتجاجية، هو على الأرجح المسار الرمزي في المسألة، خلافاً لضرب عصفورين بحجر واحد سياسياً، هما تثبيت الوضع الداخلي بعد انتهاء انتخاباته الأخيرة، والاستعداد لاختيار المكتب التنفيذي أي حكومة الحزب قبل نهاية حزيران. كما يريد الإسلاميون بوضوح إحياء التجربة القديمة التي توحي بإحياء وإنعاش ليس فقط التنسيق الحزبي تحت عنوان المعارضة، لكن أيضاً الإيحاء بأن التيار الإسلامي راغب بالعمل ولو أحياناً مع بقية الأحزاب.

أيهما «أعقل» المواطن أم الطاقم؟

بالمعنى الثلاثي لتلك الرسائل، حققت مسيرة الجمعة الماضية أهدافها. وتلك الأهداف لم يكن ممكناً تحقيقها من خلال وقفة احتجاجية بزخم جماهيري، الأمر الذي يؤشر على بعض القدرات التنظيمية لحزب الجبهة الذي يظهر مجدداً مزاعمه بالقدرة على تنسيق مسألة الحضور الشعبي والزخم وبنسب لا تستفز السلطات أو لا تؤدي لصدام غير محمود الآن بين الشارع وقواه من جهة، ولسلطات الحكومية من جهة أخرى، وخصوصاً تحت عنوان مستفز للجميع ويمثل عصباً حيوياً هو الوضع المعيشي.
«لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم».. تلك هي العبارة التي استعملها قيادي بارز في الحركة الإسلامية وهو يحاول لفت نظر «القدس العربي» إلى أن المأمول إظهار الاعتراض ولو رمزياً، وليس الوصول إلى حالة صدام مع نهج الحكومة على أمل أن تتنبه دوائر صناعة القرار؛ لأن حساباتها في الإدارة المحلية الاقتصادية بدأت تؤذي الأردنيين ولا توخزهم في المواجع فقط، لأن الحديث عن البنزين والمحروقات وأسعار الدجاج ونقص القمح قريباً، قد ينتقل إلى المحظور الأهم وهو سعر رغيف الخبز.
ذلك المنطق التكتيكي هو الأساس الآن في الجملة التي يحاول بناءها حزب جبهة العمل الإسلامي. لكنها جملة تبقى قاصرة عن التعامل مع وقائع وتدحرج معاناة الناس بالرغم من الأمل الذي تشيعه هنا وهناك اتجاهات الرؤية الاقتصادية، وبصيغة تعني بأن على جميع الأردنيين التطلع إلى الأمام لأن ظروف الجميع حساسة، ومعيار المصلحة الوطنية -كما يرى عضو مجلس الأعيان الناشط خالد البكار- مرتـــبط بالاشتباك الإيجابي وليس بالتفاعل السلبي أو بمواصلة طرح التساؤلات العدمية.
والقرار الأخير برفع أسعار المحروقات ثم الإصرار عليه قد يكون الإشارة إلى أن إدارة الحكومة لملف الأسعار تبدو أحياناً مرتبكة، لا بل بعض الوزراء يغردون خارج السرب وهم يتحدثون للرأي العام عما يؤلمه ويوجعه تحت الانطباع بأنهم يدرسون الشفافية وبأن الحكومة قررت الابتعاد عن الشعبوية وعرض الحقائق والوقائع على المواطنين، لكن بالمقابل، لا أحد يختلف مع مبادئ الشفافية والمصارحة، شريطة أن تكون أفقية وتشمل كل الملفات.
وتجيب على كل الأسئلة وفقاً للقيادي في الحركة الإسلامية رامي العياصرة، الذي يلاحظ على هامش نقاشات مع «القدس العربي» بأن التعايش مع واقع الأزمة وفقاً للسردية الحكومية للأحداث شيء، وغياب المصارحة عن بعض الملفات شيء آخر تماماً، خلافاً لأن العياصرة يسأل عن جدلية تلك العلاقة بين المواطن وحكومته في أن بعض تجليات المصالحة تحتاج إلى مغادرة شعور المواطن الأردني باليتم البيروقراطي والسياسي، بدلالة السؤال عن غياب غريب لمبادرات ومقترحات تظهر حرص الحكومة على تخفيف آثار ونتائج وتداعيات مستويات التضخم ورفع الأسعار على فئات الموظفين والأكثر فقراً بين عائلات الأردنيين.
يقترح العياصرة ويسانده كثيرون بأن حزمة مساعدات ممكنة تخفف وطأة ارتفاع الأسعار على الطبقات الفقيرة هو خطاب غائب عن الحكومة، الأمر الذي يعني بأن موجة ارتفاع الأسعار بصرف النظر عن سببها، إذا لم توضع برامج حماية للبسطاء يمكن أن تفتك بالأردنيين وتنتهي بخشونة وغلاظة.
لا يوجد عملياً ولا مواطن أردني يرغب في الصدام مع الدولة والحكومة الآن.
ولا توجد مجموعة في مكونات المجتمع تؤمن بما يقوله بعض الوزراء السابقين أو المحذرين العامين من مقولة الانفجار الاجتماعي، لكن حتى يتحقق الشرط الموضوعي لا بد من حزمة ما واجب على الحكومة اجتراحها وابتكارها تظهر إلى جانب موجة ارتفاع الأسعار لمداواة الجروح ما دام الوصول إلى التعافي الآن صعباً وبعيد المنال. وأغلب التقدير أن التيار الإسلامي وهو يرفع رسالته الرمزية يوم الجمعة الماضي، يقرأ هذا الواقع جيداً.
وأغلب التقدير أن انخفاض القدرة الشرائية عند المواطنين وترنحها جراء التضخم والأسعار قد يقود -إذا غابت الحكمة البيروقراطية- إلى ملامسة احتقانات وانفجارات اجتماعية لا أحد يرغب فيها، خصوصاً في أوصال المجتمع الذي تشعر اليوم شرائح كبيرة منه بالغربة جراء المنطق والأدبيات التي يستخدمها ذلك التحالف في الإدارة ما بين رأس المال والليبراليين.
وهو تحالف له- في رأي الدكتور أنور الخفش- اليد الطولى الآن في إدارة ممارسات وتقرير مسارات تؤسس، للأسف، لسحب المزيد من رصيد الدولة والنظام والحكومة عند الناس.
يبدو للجميع أن المواطن الأردني اليوم أعقل من الطاقم الذي يدير شؤونه. كما يبدو أن المعارضة السلبية والصامتة هي التي توجه رسائل حكيمة وعميقة باسم غالبية الأردنيين، الأمر الذي يفترض أن تنتبه له جيداً النخبة التي تحكم باسم الدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى