اراء و مقالات

ماذا حصل في جناح الأردن في «إكسبو ـ دبي»؟ «أخطاء فادحة» و«صدمة» و«سموم مجتمع» و«الحقيقة الإدارية» كما هي

عمان ـ «القدس العربي»: تصلح الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في الجناح الأردني في معارض إكسبو في إمارة دبي، إن حسنت النوايا السياسية والإدارية على الأقل، لإطلاق الثورة الإدارية البيضاء التي طالما تحدث عنها كبار المسؤولين لكن دون تحقيق تقدم حقيقي.
الأخطاء التي انشغل بها الأردنيون نحو أسبوعين على التوالي وكانت أقرب إلى خلل إداري علني عبر وسائل التواصل وحتى محطات التلفزة، أطلقت كل أجراس الإنذار في الحالة الإدارية السياسية والبيروقراطية الأردنية، فحجم المرارة التي شعر بها الرأي العام جراء أخطاء إدارية بمنتهى البساطة يمكن السيطرة عليها بإجراء بيروقراطي بسيط وسطحي وأولي من نوع الاعتماد على الاحتراف والمهنية في تكليفات لها علاقه بفعاليات ونشاطات خارج البلاد.
انشغلت الدولة الأردنية ومعها الناس، بكل التفاصيل جراء عاصفة الجدل التي افتتحت منصات الأردنيين ووسائل إعلامهم بعد ما حصل في معرض إكسبو. المسألة تتعلق طبعاً بسلسلة هفوات رصدت في نشاط عالمي ولها علاقة بالجناح الأردني، الذي أقيم في هذا المعرض الاستثماري الضخم، وهو معرض يتخصص ليس فقط بعرض المنتجات، كما صرح الإعلامي المعروف أسامة الشريف، بل بعرضه كيف تفكر وما الذي تخطط له مستقبلاً على صعيد الاستثمار.
الأخطاء كانت فادحة للغاية، وتسببت بصداع كبير لرئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ولطاقمه الوزاري، ونتج عنها ضغط مباشر وسريع ومبكر على وزير الاستثمار الجديد الدكتور خيري عمرو، الذي يكلف بمهمة استثنائية قوامها تثبيت أركان نمط جديد من جذب الاستثمارات وتوحيد قوانين الاستثمار، لكن ما حصل مبكراً وفي أول نشاط يشرف عليه ويرعاه الوزير الجديد للاستثمار في عمان، ضيّق من هوامش المناورة أمام الوزير والحكومة وأرهق جميع الأطراف.
القصة بطبيعة الحال بدأت مع كاميرا فضائية «رؤيا» التي تجولت في أروقة الجناح الأردني وسألت شاباً وفتاة بعض الأسئلة البسيطة. لكن الإجابة كانت صادمة للرأي العام، وتدل على أن الموظفين الذين كلفوا بمهام إدارة المعرض واستقبال الزوار من ممثلي شركات الاستثمار، لم يخضعوا لأي تدريب وتأهيل من أي نوع على الإطلاق.
الفتاة اعتبرت أن رام الله مدينة أردنية، والشاب تقدم لكي يشرح الثورة العربية الكبرى، فتحدث بوقائع لا علاقة لها لا بالثورة العربية الكبرى ولا بتاريخها ولا بالجغرافيا التي تحركت فيها، قائلاً إنها انطلقت في سوريا وانتهت في اليمن.
طبعاً، لم تقف الأخطاء عند هذه الحدود، فالزوار عند الجناح الأردني في إكسبو، وملاحظات المغتربين الأردنيين في دولة الإمارات كانت أيضاً خشنة وقاسية، وأبرزها عرض إلكتروني لمواقع سياحية وعدم تقديم أي فرص استثمارية متكاملة حقيقية تعكس تطلعات الأردن وقيادته نحو مستقبل استثماري مضمون، وصورة وزراء بينهم وزير الخارجية، تلتقط أمام زجاجات الرمل تباع بالعادة في أروقة وادي رم ومدينة البتراء الأردنية، إضافة إلى ذلك زيارات لشخصيات بدون مرافقة، وحديث عن فرص الاستثمار بالأردن تصادف مع عدم وجود خدمة الترجمة.
كلها ملاحظات تؤكد بأن الطاقم الذي أدار أو أشرف على مشاركة أو تحضير مشاركة الأردن في معرض إكسبو العالمي لم يحفظ درسه جيداً، لا بل لم يتهيأ كما ينبغي.
صدمت هذه الحيثيات الجميع، سواء في دوائر القرار أو حتى في الشارع الأردني.
وتسلطت الأضواء أكثر على تفاصيل التفاصيل، وأصبحت أخطاء إكسبو مؤشراً حيوياً وقوياً، كما يؤكد الوزير والبرلماني السابق الدكتور محمد الحلايقة، على خلل عميق جداً ومعقد في الإدارة الأردنية برمتها.
وهو ما أجمع عليه الكثير من المراقبين، حتى إن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول، اضطر للتحدث عن مشروع برنامج لتطوير الإدارة الحكومية بعد جدل أخطاء إكسبو، قائلاً بأن حكومته تعكف على إعداد هذا البرنامج كجزء من خطة الإصلاح الإداري، وبالتوازي مع إجراءات الإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
لاحقاً، تحدث رئيس الحكومة عن خطة للإصلاح الإداري، لا أحد يعرف من أين تبدأ وإلى أين تقود، خصوصاً أن المشاركة في معرض دبي العالمي كشفت الحقيقية الإدارية كما هي بيروقراطياً.
لا توجد طريقة أمام الحكومة إلا التحدث عن خطط وبرامج لتطوير الإدارة الحكومية، وهي خطط قديمة تحدث عنها الجميع، لكن مجدداً حجم السلبية في النظر إلى المؤسسات البيروقراطية الأردنية بعد ما حصل في دبي ازداد ونما وتدحرج، في الوقت الذي سبق فيه حتى لمصادر قريبة من رئيس الوزراء أن قالت أمام «القدس العربي» عدة مرات، بأن الوضع الإداري في حالة تراجع، وأن الإدارة المحلية تحتاج لكثير من التركيز والجهود في المرحلة اللاحقة.
يحصل ذلك رغم أن ما خطف الأضواء مؤخراً هو فقط التركيز على الإصلاح الاقتصادي والحاجة إلى إرضاء الجهات الممولة الدولية والمانحة. ويحصل أيضاً في ظل التركيز، سياسياً، على بوصلة وأجندة وثيقة تحديث المنظومة السياسية باعتبارها أداة للإصلاح السياسي. لكن ما حصل في إكسبو، يصدم الجميع ويقول لجميع الأردنيين مجدداً بأن الإصلاح الإداري هو الأساس قبل أي شيء.
طبعاً، ما حصل في الجناح الأردني في معارض إكسبو 2020 كشف عن العديد من العورات في الحالة الأردنية، بما في ذلك الحالة الاجتماعية وليس الإدارية فقط، فالأداء كان ضعيفاً للغاية، وحجم التعليقات التي مالت إلى صنف من «السموم» في الحديث عن الأردنيين المقيمين في الإمارات أو عن الفتاة والشاب اللذين ظهرا في فيديو أثار ضجة، يوحي بأن المطلوب من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الكثير الكثير، في الوقت الذي يمكن القول بأن الشارع الأردني المحتقن لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة اجتماعية، حاول الاحتقانات عبر التركيز على ما حصل في إكسبو تحديداً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading