اراء و مقالات

الأردن خلف «الستارة السورية»: «سبوتنيك» والسفير الروسي يتحركان… لماذا تبدلت لهجة الصفدي؟

عمان- «القدس العربي»: طرحت المؤسسة الأردنية خلف الستارة السورية مبكراً ومنذ أسابيع على الطاقم الناشط في الإدارة الأمريكية سؤالين محددين في الكواليس.
السؤال الأول: هل تستطيعون المضي قدماً في سيناريو إسقاط النظام؟
والسؤال الثاني مرتبط بالأول: الجواب واضح لنا الآن هو “لا”، لذا عليكم تخفيف الضغط والقيود لأننا سنتحرك باتجاه بشار الأسد؟
زمنياً، طرحت الأسئلة على هامش ما اجتاح المنطقة من تفاعلات إثر الزلزال الكبير.
ولم يعد سراً أن هذا النمط من الحوار التفاعلي مع الإدارة الأمريكية شكل منطلقاً لحوار ونشاط وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما تمأسست خطة ما يسمى بالمبادرة الأردنية التي استبقت ما سمي لاحقاً باجتماعات أو مشاورات جدة وعمان، التي انتهت بالمسار العربي وعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية.
تصرفت المؤسسة الأردنية بوضوح على أساس أن نظام الرئيس بشار الأسد حسم المعركة وانتصر عسكرياً، وعلى أساس أن الإدارة الأمريكية بالحد الأدنى لا جواب لديها وسط انطباع متراكم بأنها تنسحب من الملف السوري عموماً وتحافظ على مساحاتها داخل سوريا.

من خلط الأوراق؟

لكن كل ذلك لا يدفع المراقبين إلا للقناعة بأن الاستدارة السعودية نحو إيران استراتيجياً هي التي خلطت الأوراق أكثر وبعثرتها، ونتج عنها فوراً استدارة أردنية دبلوماسية قسرية -إن جاز التعبير- لكن ينبغي لها أن تمضي ببطء وتترسم على أساس حسابات المصالح الوطنية الأردنية، وفقاً للتعبير الذي استخدمه في ندوة عامة حضرتها “القدس العربي” المحلل والخبير الأمني الاستراتيجي عمر الرداد.
بكل حال، المتابعون جيداً لنشاطات الوزير أيمن الصفدي في المسألة السورية لاحظوا عدة انطباعات تعني الكثير؛ فالرجل في أكثر من جلسة نقاشية مغلقة ومع أكثر من نائب في البرلمان يستبق الحديث عن انعطافة في الاتجاه السوري الرسمي بمقدمة شخصية الطابع يؤكد فيها أنه لا يجتهد في النص والتوجيه، وأن ما يقوله يمثل السياسة الأردنية ومواقفها.
يميل الصفدي إلى هذه المقدمة لسبب يمكن استنتاجه، فالمؤسسة السورية طوال الوقت تتهمه شخصياً بالتحريض عليها وتأخذ عليه قربه الشديد من المعارضة السورية، وإصراره حتى بعد الحسم العسكري في الداخل السوري على بقاء مكتب في وزارته يواصل التنسيق مع تلك المعارضة أو ما تبقى منها. وليس سراً أن دمشق في الماضي كانت تعتبر وزير الخارجية الأردني سبباً في طرد سفيرها الجنرال الشهير بهجت سليمان. وأن الدبلوماسية الأردنية قبل الزلزال كانت تنظر بارتياب للطاقم الذي يدير الدبلوماسية الأردنية.
لذلك، يرصد المتابعين مباشرة بعد استقبال الرئيس بشار الأسد للصفدي في دمشق بعد الزلزال، تبديلاً في لهجة الأردنيين؛ فعبارة “سوريا بلد مجاور وشقيق” حلت بدلاً من عبارة “النظام السوري”، وفكرة “بشار الأسد حسم المعركة وانتصر” بدأت تقال بصورة علنية أكثر في عمان. وعبارة “السيد الرئيس ومعالي الأخ فيصل المقداد” كررها الصفدي أكثر من مرة.
باختصار، تبدلت منذ أسابيع قليلة اللهجة الأردنية بوضوح، فزار فيصل المقداد عمان وجلس في منزل الصفدي خمس ساعات بعدما كان قبل سنوات يصدر البيانات ضد لهجته، وإن تداعيات الاستدارة الأردنية الواقعية -وهي مطلوبة شعبياً بالمناسبة- وصلت حد ما يمكن وصفه بضوء أخضر سيادي سوري يمنح قوات حرس الحدود الأردنية بالباطن تفويضاً شاملاً بالتصرف ضد محاولات تهريب المخدرات التي وصلت إلى مناسيب مرهقة جداً، وتعدت كل الخطوط الحمراء في المقياس الأردني.

ثلاثة أضواء خضراء

ليس صدفة هنا أن ثلاثة أضواء خضراء صدرت بالتزامن لصالح التصدي الأردني الأمني لتهريب المخدرات، من دمشق وواشنطن ومن موسكو أيضاً.
وليس صدفة أن الوزير الصفدي حريص طوال الوقت على بقاء حالة التشاور في الملف السوري بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي أظهر بدوره وبالتوازي مرونة في فهم الاحتياجات الأمنية الأردنية المرتبطة بالجنوب السوري.
لذلك، وبعد الاستدارة السعودية الإيرانية التي تغزل فيها علناً أمس الإثنين وبطريقة لافتة للنظر سفير موسكو في العاصمة عمان، انتهى المشهد باستدارة أردنية سورية تتفاعل أكثر الآن، وبدعم روسي واضح مبني على استراتيجية موسكو الجديدة التي كشفها السفير غليب ديسياتيكوف علناً باختصار عندما أعاد ما سماه بمبادرة “الأمن الجماعي” وخفض التصعيد بالمنطقة، معرباً عن تفاؤله بالتعاون بين إيران والسعودية، ورابطاً بخبث دبلوماسي بينه وبين تعزيز التعاون بين الأردن وسورية. ولأسباب لا تبدو مفهومة لكن يمكن استخلاصها، قرر السفير الروسي في عمان كشف بعض الأوراق عبر محطة “سبوتنيك”، الذراع الإخباري الشرق أوسطي للمؤسسة الروسية.
وإفادة السفير في “سبوتنيك” تضمنت بعد استعراض التحالفات في شكلها الجديد في المنطقة تكثيفاً في المساحة التي تعبر عن الاحتياج الأمني الأردني المرتبط بالجنوب السوري، فقد بات واضحاً حتى للأردنيين أن الإدارة الأمريكية تحذر وتضغط فقط بخصوص المخدرات في الجنوب السوري وتهريبها لشمال الأردن، لكنها لا تفعل شيئاً أكثر من ذلك في مساعدة الأردن على احتواء معضلة التسلل والاختراق والتهريب.

غزل روسي

خلافاً لتموقع واشنطن هنا، تغازل المؤسسة الروسية الاحتياجات الأردنية؛ فالسفير الروسي اعتبر أن ما يحصل جنوبي سوريا لا يزال محل اهتمام ثنائي كبير بين بلاده والأردن.
وأفاد بأن الاتصالات مستمرة بشكل دائم وأنها تؤدي إلى جوانب إيجابية، لكنه لم يحدد تلك الجوانب، وإن كان المقصود فيها بالتحليل الواقعي ذلك الضوء الأخضر الذي يساعد الأردن ويفوضه بقواعد اشتباك جديدة مع مهربي مخدرات من الجانب السوري.
في الخلاصة، لم تعد الاتصالات بين عمان ودمشق تتحرك ببطء وتزحف، بل تتواصل بإيقاع أسرع وبرافعة روسية أكبر هذه المرة ضمن استراتيجية مبادرة الأمن الجماعي الروسية وخفض التصعيد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى