اراء و مقالات

الأردن: انفعالات نادرة بين «الأعيان» و«احتقان نخبوي» يسبق «تغييرات أيلول»

اضطراب ما قبل صعود «الدخان الأبيض»

عمان – «القدس العربي»: حصول ملاسنة أو خلاف علني في أروقة كبار أعضاء مجلس الأعيان الأردني يعني أن ثمة مشكلة في «الطبقة». انتقال هذا الخلاف إلى وسائل الإعلام يعني أن ثمة مشكلة كبيرة إلى حد قد لا يكون مسبوقاً.
المشكلة نفسها عندما تنتهي باستقالة عضو بارز من مجلس الأعيان وتحديداً على خلفية طريقة تمرير أحد التشريعات المهمة من رئاسة اللجنة المالية، يعني أن المشكلة مرتبطة بأطراف أخرى أكثر تنوعاً من الاجتماع الذي شهد الخلاف. هذا باختصار الوضع الذي يمكن استنتاجه أو اشتمام بعض تفاصيله بعد إعلان إعلامي من جهة نائب رئيس الوزراء الأسبق جمال الصرايرة وعضو مجلس الأعيان ورئيس لجنته المالية عن استقالته من منصبه باللجنة.
الأهم أن الصرايرة قال علناً إنه يستقيل بسبب خلافه مع رئيس مجلس الأعيان بالوكالة، وهو رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي خلال أحد اجتماعات اللجنة، وهو حصراً اجتماع مرتبط بقانون البيئة الاستثمارية.
الرفاعي حضر اجتماعاً للجنة المالية بصفته رئيساً لمجلس الأعيان بالإنابة، ولأن الرئيس الأصيل فيصل الفايز غادر البلاد في رحلة خاصة، وحاول الرفاعي هنا بحكم خبراته وصلاته القوية بالقصر الملكي الاعتماد على التقاليد الراسخة لا بل القيام بواجبه بلفت نظر الزملاء الأعيان إلى أن قانون البيئة الاستثمارية الجديد مهم جداً، ومطلوب تمريره بالسرعة المقبولة بعد عبوره من مجلس النواب. كانت باختصار ملاحظة تنسجم مع معايير الموقع الذي يشغله الرفاعي، أما في الخارطة السياسية النخبوية السياسية الوطنية أو حتى في خارطة مجلس الأعيان، فإن الصرايرة تعامل بحساسية تعني الكثير من الدلالات مع مداخلة كان يفترض أن تكون طبيعية لمن يترأس مجلس الملك، فتحدث عن محاولة يرفضها لـ»سلق التشريع».

اضطراب ما قبل صعود «الدخان الأبيض»

لاحقاً وفي لحظة انفعالية، قرر الصرايرة مغادرة الاجتماع بطريقة غير مسبوقة طبعاً، ثم إعلان استقالته، وحاول رئيس المجلس الذي يتواجد خارج البلاد فيصل الفايز، إقناعه بالعدول عن الاستقالة إلى أن يعود، لكن الصرايرة رفض.
وعليه، فقد تم تأسيس مشهد بطبيعة الحال كان يمكن الاستغناء عنه، يعني ضمنياً بأن الاحتقان لا بل التجاذب وصل إلى بعض المؤسسات التي كانت تتميز بالعادة بهرمونية مألوفة في العمل، الأمر الذي يعني -برأي سياسيين كبار- الكثير، لا بل يؤسس لبدء حالة التحقق والتعمق من المجريات.
ليس سهلاً على الرأي العام الأردني رصد عمليات مناكفة لها علاقة بغرفة التشريع الثانية في مجلس الأعيان، لكن يبدو أن العلاقات بين أقطاب المجلس لا تسير في الاتجاه الصحيح. وهي مسألة على الأرجح ستخضع للمعالجة مع نهاية أيلول، حيث الجميع اليوم تحت انطباع يقول بإعادة تشكيل مجلس الأعيان بعد انتهاء الولاية الدستورية الحالية لرئيسه.
والمعلومات والأنباء تشير هنا إلى أن أسماء جديدة ستدخل الحلبة في غرفة التشريع البرلمانية الأردنية الثانية، وبأن أسماء موجودة الآن ستغيب.
لكن هذه العملية على الأرجح ستكون حلقة في سلسلة حلقات أخرى تحت عنوان تجديد الدماء والأدوات استعداداً للعام 2023 الموصوف بأنه عام في غاية الأهمية، ستحسم فيه مسارات الوجود الواقعي لوثيقة التمكين الاقتصادي وقبلها وثيقة تحديث المنظومة السياسية.
وهو عام قد يطل على الأردنيين بحكومة جديدة أو بطاقم وزاري جديد مع نفس رئيس الوزراء الحالي، والسقف يقترب من نهاية شهر أيلول، وبعد عودة الملك عبد الله الثاني على الأرجح من زيارة عمل رسمية للولايات المتحدة لها علاقة باجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
إحساس الطبقة السياسية بموجة تغيير قادمة لا محالة يخلط بعض الأوراق ويتسبب بالانفعال أحياناً لبعض الطامحين بالبقاء في مواقعهم ومناصبهم أو عند بعض الطامحين، في المقابل، بأدوار جديدة على رافعة التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي، وإن كان الرفاعي لا يزال لاعباً أساسياً في هذا السياق وجميع الأنظار تراقبه في كل حال، ويتميز بالاحتفاظ بصمود العبارة والموقف.
كثيرون من أبناء الطبقة المقربين من مركز القرار يوجهون ملاحظات نقدية هذه الأيام للحكومة الحالية بعنوان البطء والزحف. وكثيرون بالقرب من رئيس الحكومة الحالية الدكتور بشر الخصاونة، لديهم قناعة مطلقة بأن الطاقم الوزاري الحالي أنهى أعماله ليس دستورياً، لكن عملياً، وبأن أجندة الحكومة الحالية انتهت، وبأن الأمر بين يدي صاحب القرار.
الواضح أن الانفعال بين أعيان الأردن يصاحبه انفعال تشريعي مرتبط بالتجاذب تحت عنوان قانون حقوق الطفل الجديد حصرياً، وقانون البيئة الاستثمارية الجديد يحتوي بطبيعته على جزء من دسم الخلافات أكثر مما يتوقعه كثيرون.
لكن الأوضح هو أن النخبة الأردنية اليوم مضطربة بصورة كبيرة أو إلى حد غير مسبوق، وهو في العادة الاضطراب الذي يسبق عاصفة تغيير ما أو صعود محتمل للدخان الأبيض من القصر الملكي، حيث تتجاذب مراكز القوى هنا بين الحين والآخر، وحيث يبدأ طامحون بالبحث عن حصتهم من النفوذ والحضور فيما يعتقد بأن آخرين سيأفل نجمهم.
التجاذب الذي حصل بين أعضاء بارزين في مجلس الأعيان، إنه في الواقع ليس جديداً، وهو مرتبط بتجاذبات سابقة حصلت على تشريعات تحديث المنظومة السياسية وبخلافات بين بعض أقطاب مجلس الأعيان الكبار، لكن المهم أن هذا التجاذب هو الذي يوحي بأن الدخان الأبيض قد يصعد قريباً، وبأن خارطة جديدة من النخب تلوح في الأفق، وبالتالي فإن الانفعال هنا على الأقل من بعض الأطراف والأطياف التي تعتقد أنها ستخسر مواقعها قريباً جداً هو سيد المــوقف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading