اراء و مقالات

الإصلاح الأردني و«النوم في فراش السلطة»

لا تحتاج قوى الشارع والنخب لقول ما الذي تريده فهو معروف للقاصي والداني، والوثائق القديمة خرجت عن السكة وارتمت في الأرشيف لأن جهات قرار عميقة في الدولة ارتابت فيها

قد لا أتفق في الحالة الإصلاحية الأردنية تحديدا مع القول بأن العودة لوثائق قديمة سبق أن أنجزت ثم أتلفت أو وضعت في الأرشيف بأذرع الحكومات المتعاقبة يمكن أن تكون مفيدة، فمن أصدر هذه الوثائق وسمح بها في الماضي لم يمنحها الضوء الأخضر الكافي لكي تتحول إلى سلوك سياسي للحكومات.
فأزمة الإصلاح السياسي في الأردن بأصلها وجذرها أزمة «إرادة سياسية» قبل أي شيء آخر، لكنها أيضا تعبر عن نفسها في المستوى التنفيذي بأزمة الأدوات.
تحدثنا مرارا وتكرارا وطوال سنوات عن أزمة الأدوات، وعن صعوبة إنجاز أبسط أنواع الإصلاح، بما في ذلك الاقتصادي والإداري في ظل استقرار الطريقة التي تختار فيها أدوات الإدارة والحكم، خصوصا على المستوى التنفيذي، حيث تمنح المراجع ومنحت عشرات الأردنيين وبنوايا طيبة فرص الإنجاز والتقدم إصلاحيا، لكن تلك الفرص عبرت بدون بصمة وبدون أثر، قد لا يكون السبب فقط غياب إرادة سياسية فاعلة بقدر ما له علاقة مجددا بفصام كلفة وفاتورة الإصلاح.
جرب مركز القرار الأردني إصلاحيين كبارا أو ليبراليين متمرسين، ومنحت لهم فرصة الإشراف على التنفيذ والانتقال الإيجابي نحو مواجهة الإصلاح الشامل، لكن هؤلاء من الذين جربوا فقدوا البوصلة بسرعة، وتحت وطأة سحر المواقع والامتيازات، وسحر الرايات الوطنية التي ترفع على مقدمات السيارات، والدهشة الناتجة عن المرافقين والعسس والحرس، غرقوا تماما في التسويات على حساب مبدأ التشابك الإيجابي، وحتى على حساب قواعد العمل المنظمة والتدرج في المسألة الإصلاحية، حتى المعترضون على الدوار الرابع حظوا بحكومة وولاية عامة.
لكن تلك الحكومة سرعان ما دخلت نفق التسويات الذي ينتهي بتقليص الأحلام وابتداع كل مهارات التورية السياسية والإكثار من المصفوفات الكلامية بصيغة تقود الجميع إلى القناعة بأن من يؤمنون بالإصلاح الحقيقي سياسيا هم أقلية في الواقع والمشهد الأردني.
قالها رئيس وزراء من أصحاب الفرص التي ضاعت أمامي على عشاء سياسي: أنا وأنت والجالسون والليبراليون ودعاة الإصلاح وأصحاب الرأي المهني والمستقل لا نمثل أكثر من 2 في المئة من أبناء المجتمع الأردني.

لا تحتاج قوى الشارع والنخب لقول ما الذي تريده فهو معروف للقاصي والداني، والوثائق القديمة خرجت عن السكة وارتمت في الأرشيف لأن جهات قرار عميقة في الدولة ارتابت فيها

تلك كانت أقرب وصفة لتبرير هزيمة بأثر رجعي، ولتفسير الأسباب التي تدفع الحكومات التنفيذية للدخول في نفق، يقول أحد دهاة الإدارة والمراقبة الأردنية، إنه نفق مليء بغرف النوم المخصصة لتسويات زواج، وأحيانا على الطريقة الكاثوليكية مع قوى الأمر الواقع التي لا تريد الإصلاح أو تمسك بزمام السلطة. نفق بمنتهى الطرافة تبدأ ملامح التسوية العميقة فيه عندما يصطدم أصحاب فرص الإدارة بأول سرير، حيث اشتباك التزاوج وتسوياته قسرية ومن يحجم عن خوض اللعبة بإمكانه التصفير والتصفيق أعلى النفق وفي الهواء الطلق، والاكتفاء بالمراقبة والتحسر، فالسلطة لها مغريات والإصلاحيون ينسحبون مقابل أول مواجهة والليبراليون متهمون، وعلبة الاتهام بدعم المشروع الصهيوني يستخدمها الأردني مثل سيجارة يشعلها بمناسبة وبدونها.
يتزاحم على باب النفق كل الطامحين بالمناصب وعدد الساعين لزواج مع السلطة أكثر بكثير من عدد الذين يحاولون التأثير فيها. نفق طريف جدا وكلفة الدخول من عتبته الأولى يعرفها كل من دخل اللعبة، مما يعني بأن الحاجة ملحة مجددا لإزالة الكثير من المطبات والكمائن داخل النفق أو بناء نفق جديد على أساس نوايا الإصلاح الطيبة.
قد اختلف مع الدكتور مروان المعشر في التحدث عن نفض غبار وثائق وملفات إصلاحية قديمة انضمت إلى المتحف دون أن يدافع عنها المعنيون، وتصوري أن الحاجة ملحة لمقاربة إصلاحية أعمق تجري التسويات تحت قبة الحوار وقبل الدخول في نفق الفراش إياه.
لا حاجة لميكروفونات تهتف باسم حراكات ولا لبيانات تخيف الأردنيين على مؤسساتهم، ولا حاجة لاجتهادات متزاحمة، فالوثائق التي أخفقت في الحضور والبصمة والتأثير قد لا تعود هي الحل والعلاج، وإذا كان بناء الوطن والحفاظ على مستقبله دون الخوض في الشرعيات والأسس الدستورية وبعيدا عن أي مساس بالمؤسسات والدولة.
الفرصة مواتية حقا للتأمل وينبغي أن تبدأ بحوار تقول فيه السلطة هذه المرة للشعب الأردني ما هي مخاوفها أصلا وبكل صراحة ووضوح.
لا تحتاج قوى الشارع والنخب لقول ما الذي تريده فهو معروف للقاصي والداني، والوثائق القديمة خرجت عن السكة وارتمت في الأرشيف لأن جهات قرار عميقة في الدولة ارتابت فيها. وعليه ليناقش هذا الارتياب علنا قبل الوثائق وقبل الحرص والسهر على تعزيز ذلك المتحف العبثي.
اقتراحي المحدد إغلاق النفق القديم أو إنارة بعض الإضاءة فيه، والكف عن الإغراق في الحسابات وإخراج فراش الزواج القسري، والتخلص من المخاوف عبر عرضها بصراحة على الناس بدلا من الغرق في زيف الشعار الإصلاحي وأوهام الخطاب المكتوب والنقاش غير المكتوب. لنغلق النفق القديم مؤقتا ونجلس على بابه لنتحدث وبصراحة.
دون ذلك إعادة تدوير لما كنا قد قلناه سابقا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى