اراء و مقالات

الأردن ورفع «الكمامات السياسية»: وزارة الخصاونة «محظوظة» أم تحاول الإفلات من صراعات مراكز القوة؟

عمان – «القدس العربي»: قد يجد المهتمون بمحاولة قراءة وتفسير سعي رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة لتجنب خيار التعديل الوزاري رغم الإلحاح والمناخ العام خصوصاً بعد إعلان الرؤية الاقتصادية، عدة أسباب ومبررات منطقية قد لا تشرح كل شيء لكنها تعني، سياسياً، الكثير.
بين تلك الأسباب لا بل قد يكون أهمها، قناعة المحللين والمراقبين السياسيين بأن رئيس الوزراء إذا ما ذهب في اتجاه التعديل الوزاري، وبالرغم من الجدل الدستوري المحيط بخطاب التكليف الوحيد حتى الآن لحكومته، قد لا يتمكن من إخراج بعض رموز وزارته أو من اختيار من يريدهم فعلاً للاستعانة بهم في طاقمه.

إعادة التشكيل

يعلم السياسيون دوماً في نخبة عمان العاصمة بأن المساحة التي يحصل عليها «أي رئيس» في إقالة وزراء أو الاستعانة بآخرين من خارج النادي البيروقراطي أكبر عندما يتعلق الأمر بإعادة تشكيل الحكومة مع خطاب تكليف جديد منه عندما يتعلق بالزوايا الضيقة التي يتيحها التعديل الوزاري. من هنا يبدو في القراءة السطحية للمسألة أن من حق الخصاونة، ما دامت حكومته قد تعاملت وتفاعلت مع ملفين ضخمين هما فيروس كورونا والفتنة الشهيرة، الحصول على تفويض جديد أوسع إذا لم يكن كاملاً وشاملاً على الأقل في مساحة الاشتباك مع ملفي مشروع تحديث المنظومة السياسية والرؤية الاقتصادية الجديدة.
ذلك طبعاً غير ممكن بيروقراطياً وسياسياً إلا بتفويض على أساس إعادة التشكيل، لأن الطاقم الوزاري الحالي حصل وفق المحاججة التي سمعتها «القدس العربي» مباشرة من بعض أعضاء البرلمان، على ثقة مجلس النواب بناء على خطاب تكليف دستوري مرتبط حصراً بملف الفايروس كورونا، الأمر الذي انتهى الآن بإعلان التعافي وخلع الكمامات صحياً فيما يبقى خلع الكمامات سياسياً في طرق الحكومة ودربها.
وهي خطوة لم يتبق عليها إلا إعلان رفع أو تجميد قانون الدفاع، وهو قرار متوقع قبل الأول من تموز، بمعنى في غضون الأيام القليلة المقبلة ليس لأنه يخدم سياسياً وزارة الخصاونة، لكن لأن التنشيط الاقتصادي يتطلبه وبإلحاح. تلك في المسار البرلماني وجهة نظر… وهي وجهة نظر – في رأي المشرع الاقتصادي المختص النائب الدكتور خير أبو صعليك- يمكن للحكومة المحاججة فيها، لكن الأهم هو التركيز على الإنجاز والعمل اليوم على رؤية جديدة هي الأكثر شمولية وإنتاجية.
النواب طبعاً لا يطالبون بصفة جماعية بنيل الوزارة بثقة جديدة بناء على برنامج جديد، بل بالعكس، فمع أزمة الأسعار الأخيرة وارتفاعها لوح بعض النواب مثل محمد الفايز وزملاء له في لجنة الطاقة بطرح مذكرات حجب الثقة عن الحكومة في إطار مخاطبة غرائزية سياسياً لمخاوف الشارع وتعبيراته.
بعيداً عن البرلمان الذي يبدو اليوم حائراً في أكثر من اتجاه وملف، يعلم من يراقب مجلس الوزراء جيداً بوجود «3» مراكز قوة على الأقل من الطراز الذي يمكن الاستدلال عليه إذا ما رغب الوسط السياسي والبرلماني والإعلامي بمناقشة أي جزئية لها علاقة بالسؤال التالي: لماذا لا يتحمس الخصاونة لفكرة التعديل الوزاري؟ هنا ليس سراً إطلاقاً الحديث عن مركزي الثقل في مجلس الوزراء، يتراكم الشعور سياسياً بأنهما خارج نطاق الكيمياء مع رئيس الوزراء.
وليس سراً أن الإشارة هنا للرجل الثاني في الحكومة توفيق كريشان والوزير الخارجية أيمن الصفدي، بدلالة أنهما حتى اللحظة على الأقل ورغم تقدهما الصفوف في مجلس الوزراء لا يشاركان علناً في حفلة الدفاع عن الحكومة أمام المواطنين ووسائل الإعلام وحصراً في ملف الأسعار.
طبعاً، ثمة مركز ثقل ثالث في الوزارة لكنه لا ينازع ولا يصارح ولا أجندات سياسية خارج الخطاب التقني تخصه، والحديث هنا عن وزير المالية الدكتور محمد العسعس والطاقم الاقتصادي الحالي الذي يديره أو يترأسه وزير التخطيط ناصر الشريدة، حيث لا تبدو الكيمياء شديدة في ثنائية الشريدة – العسعس، ولا في ثلاثية المشار إليهما عندما ينضم لهما وزير الاستثمار الحالي الغامض الدكتور خيري عمرو.
لا يعارض معنيون متحمسون من الطبقة مثل رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، التقييم الذي يقول بأن حاجة الحكومة الحالية ملحة لطاقم اقتصادي أكثر انسجاماً وخبرة، خصوصاً إذا قرر الخصاونة الاحتفاظ بموقعه المتقدم كمدافع ناشط ومركزي ورئيسي عن الرؤية الاقتصادية الملكية الجديدة.

ميزتان

هنا يلاحظ المقيمون أن الخصاونة قرر ضمنياً حتى اللحظة «اللعب بالموجود» في الطاقم الاقتصادي تحديداً، الأمر الذي يبرر قراره بتشكيل خلية وزارية ثمانية تتولى دراسة برامج تنفيذية لنصوص الرؤية الاقتصادية باعتبار وثيقتها عابرة للحكومات، وهو ما دعمه الخصاونة شخصياً حتى بحضور «القدس العربي».
هذا الدعم من رئيس الوزراء للرؤية الاقتصادية هو تفاعل واشتباك إيجابي في الواقع والمحصلة، لكن الحكومة اليوم سواء تعدلت أم تغيرت أم أعيد تشكيلها برأي مقربين جداً من مراكز القرار، تحتفظ بميزتين: واحدة مثيرة والأخرى خطرة، وفقاً لما قيل أيضاً أمام «القدس العربي» من أحد خبراء المشهد العميق.
الميزة الأولى تقول بأن حكومة الخصاونة «محظوظة جداً وللغاية» فهي قد تكون الوحيدة منذ ربع قرن التي لديها خطط عمل ومشاريع مكتوبة الآن بغطاء ملكي وتوافق مؤسساتي، بينها واحدة في التحديث الاقتصادي، وأخرى في التحديث السياسي، وثالثة على النار ألمح لها خطاب ملكي معنية بالإصلاح الإداري، مع ملاحظة أن الحكومات السابقة لم يكن بين يديها وثائق شاملة مع خطط من هذا النوع.
الميزة الثانية تنتج عن الأولى مباشرة وتشكل خطورة، مضمونها أن وزارة الخصاونة غير مسموح لها بعد الحظوظ والدلال السياسي المرجعي بأي فشل وأي إخفاق من أي نوع.
بدلالة أن رئيس الوزراء أصلاً يحمل تفويضاً مستمراً بإخراج من يريده من رموز الوزارة وفي أي وقت، أو باستبدال من يريد، وإن كانت اعتبارات الطبخ العميق والمركزي وتفاصيل التجاذبات مع مراكز القوى في الدولة قد لا تسمح للخصاونة أو لغيره باستعمال مريح لمثل هذا التفويض، خصوصاً عبر هوامش تعديل وزاري يمكن أن يعبث بتفاصيله آخرون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى