اراء و مقالات

الأردن: عزيزتي الحكومة «لطفا افقسي بيضة»: أزمة «القمح الكونية» بين «كعكة اردوغان» وسحر «الملوخية»

لا تكاد تخلو نشرة أخبار، ولو واحدة على قناة «الجزيرة» من نبأ جديد عاجل أو زاحف له علاقة بـ»معركه القمح»، التي حبست أنفاس الكرة الأرضية الآن، وتنذر الجميع بأزمة جوع عابرة للقارات، بما في ذلك الدول الثرية والميسورة.
كمواطن عربي نشأ وترعرع وتشكل وتكون ويقترب من سن الكهولة، وهو يتغذى على القمح الأمريكي الأبيض، أشعر برغبة «شماتة» عندما أرصد مذيع الأخبار في «الجزيرة» يقف، وخلفه صورة عملاقة لباخرة روسية يقال إنها تسرق القمح الأوكراني!
علية القوم اليوم، والأثرياء يستطيعون إظهار قدر من التضامن مع دلالات واحتمالات «الجوع»، بسبب نفوذ الكبار وصراعاتهم، فيما شعور الجوع مستقر أصلا وسط شعوب العالم الثالث.
ما علينا، محطة «سي أن أن»، كانت لها وقفة أيضا مع حرب القمح الكونية.
وتخصصت في إظهار تلك البيانات والرسومات والخرائط التي تشرح كيف تسرق دولة كبرى، مثل روسيا قمح المزارعين الأوكرانيين.
الرئيس التركي أردوغان بدوره على النسخة التركية من محطة «سي أن أن» يقف ببدلته في اللون المخطط المعتاد – فستقي مع خطوط طولية – وهو يخطب في جمهور من طلاب الجامعات، مستعدا لتأمين القمح، تخيلوا شكل العالم اليوم: تحريك «قمحة» من هنا لهناك يحتاج لاجتماعات مجلس أمن ولجان ووساطات تركية!
ومن جهتنا نستطيع التهام شعير وأعواد الملوخية وتدخينها أيضا، والمسعدون منا عليهم استذكار ماري أنطوانيت، حيث التهامها البسكويت ومشتقاته.
عند الإضاءة نعود لضوء «الشنبر»، فقد درس ونجح معظم أبناء جيلنا على إشعاعاته.
ماذا يفعل الأمريكي أو الفرنسي الحزين، إذا ما لم يتمكن بعد الآن من إعداد الكمية المطلوبة لقطعة «كورواسان» شهية؟ ماذا يفعل الشعب التركي الشقيق، إذا استمرت أزمه القمح في سياقها الكوني، عندما يتعلق الأمر بـ 100 مليون كعكة تركية تخبز يوميا؟!
نحن هنا قوم الملوخية الساحرة والجريش لنا الله. باختصار، وعلى رأي أهل المخيمات في عمان «تكلكوش»!

ماذا يريد بايدن؟

على سيرة الطعام ومشكلاته، أيضا لا بد من الآتي.
مجددا قناة «المملكة» الناشطة جدا لدعم وإسناد الرؤية الاقتصادية التحديثية الجديدة في الأردن تدخلنا في نفس مفارقة السؤال القديم: هل يعقل أن القوم مصرون على إمكانية إعداد طبق العجة دون تكسير ولو بيضة واحدة؟
استخدمنا هذا السؤال عشرات المرات، لكن محطة «المملكة» الفضائية، التي تستضيف مروجين ثقات لديهم أمل في الرؤية الاقتصادية، تدفعنا لطرحه مرة تلو الأخرى.
لا أحد حتى الآن يريد أن يبلغنا بالمفارقة التي نشاهدها على شاشة تلفزيون الحكومة الرسمي، حيث وزراء سابقون وأعضاء لجان محترمون يظهرون لإبلاغنا أن البلاد والعباد معها لا يحتاجون عندما يتعلق الأمر بتحديث الاقتصاد، لا لحريات ولا لإصلاح سياسي، ولا لاستقلال حقيقي لسلطة الإعلام المعنوية أو حتى سلطة القضاء.
فقط – نحن دون غيرنا – لدينا القدرة على الادعاء أن تقديم طبق العجة ممكن بدون فقس البيض. طبعا ذلك ممكن، وقد حصل في بلاد العرب أوطاني عشرات المرات، لكن الجميع الآن في أزمة نفط وزلازل وحروب وتضخم، والرئيس الأمريكي جو بايدن يقبل اليوم اليد الخليجية ويحضر شخصيا – ليس لإنقاذ الشرق الأوسط أو حل القضية الفلسطينية ولا لنقل قوات بلاده من «عندنا» الى «بعضنا» – ولكن لكي يحاول السيطرة على ارتفاع أسعار المحروقات في بلاده فقط!
يحصل ذلك فيما نحن مصرون على إعادة تغليف الغبار وطهي الحصى، وتقديم وعود لا يمكن الثقة بها.
حتى الآن، نفهم الجزء المتعلق بتحرير الإمكانات الاقتصادية باعتباره دعوة مرجعية نبيلة للعودة إلى مظاهر الانفتاح برمتها والعمل بعد الآن ضمن قواعد لعب نظيفة.

«لطفا: افقسي بيضة»!

الزملاء في محطة «المملكة» لا يرغبون في ذلك حتى اللحظة، وعلى حد علمي حكاية قلي البيض دون قلي سمعتها من صديق واحد، فقط في حياتي هو بالمناسبة صحافي مرموق، تمكن وهو طالب جامعي أيام الفاقة والفقر من قلي بيضتين بإحراق بعض الكتب ووضع زجاجة مياه بدلا من الزيت.
لكن صاحبنا هنا استخدم بيضا في النهاية، حتى بدون زيت أو نار، وأقر أمامي معترفا «ما أكلته لا علاقة له بالبيض».
لدينا كتب كثيرة يمكن إحراقها لإشعال النار ومياه يمكن تدبيرها، لكن إعداد الطبق يحتاج جديا لحريات عامة تساعد أصلا في تحرير إمكانات الاقتصاد.
دون ذلك سنضطر للاستماع مجددا الى تلك النغمة التي ترد عندما يعلق شريط الصوت الإلكتروني في إحدى الدعايات التلفزيونية على قنوات النيل و»أم بي سي مصر»، حيث الماكينة لسبب ما تخاطب سيدة المنزل: «لطفا عزيزتي… افقسي بيضة»!
نداء للحكومة: عزيزتي رجاء افقسي أي بيضة!
وفي باب «نقع الرز» احتياطا لاستدراج «مشاعر الزوج»، وبما أن برامج «فوائد الميرمية» وأعشاب البحر تتوسع في القنوات المحلية لا بد من التأكيد على ما ذكرته أمامي إحدى جارات أمي يوما، وهي تقول «أعواد الملوخية بعد تنشيفها يمكنها أن تعجن لتحضير الخبز».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى