اراء و مقالات

الأردن يعاني مجدداً من «الحسابات الوهمية»… تنشر السلبية بين المواطنين وتشوه منجزات الدولة

لغز «الجهات الصديقة والحليفة» التي «تمول»؟

عمان – «القدس العربي»: معركة الأردن مع ما يسميه الرسميون بـ»الحسابات الوهمية» قديمة وعمرها سنوات عدة. لكن تلك المعركة أو المواجهة، إن جازت التسمية، تميزت بالاستمرارية وأصبحت عابرة للحكومات على الأرجح، الأمر الذي دفع البعض مؤخراً وبحضور رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، للتحدث عن نحو عشرة آلاف حساب وهمي تم التوثق من أنها تستهدف في اتجاهين: الأول هو التشويش على الدولة وخياراتها، والثاني هو التضليل والتمويه على الإنجازات.

لغز «الجهات الصديقة والحليفة» التي «تمول»؟

طوال الوقت يتجادل المسؤولون الكبار في الحكومة وخارجها عن تلك الأزمة التي تراكمت بعنوان «الذباب الإلكتروني» الذي يستهدف الأردن حكومةً وشعباً. وطوال الوقت يتحدث المسؤولون في غرف القرار العميقة وغير العميقة عن جهات متعددة في الإقليم تحديداً، تنشغل في بث الرواية السلبية لإضعاف بنية الأردن الداخلية، وعن غرف بأكملها من الذباب الإلكتروني لها وظيفة.
بقي الأمر مطروقاً ومطروحاً، وقد سمعت عنه «القدس العربي» عدة مرات خلف الستارة وفي المجالسات المغلقة، إلى أن طرح على طاولة رئاسة الوزراء مؤخراً، رغم ملاحظة أن الخطاب الرسمي لم يعترض على تقليص عدد تلك الحسابات الوهمية التي كانت بعشرات الآلاف، إلى أن تعاملت وسائل الإعلام دون نفي رسمي مع الرقم 10 آلاف حساب وهمي.
مرات عدة وأمام «القدس العربي» كان وزير الدولة المختص بالإعلام الناطق الرسمي فيصل الشبول، يلمح لذلك الأرق الذي سببته الحسابات الوهمية للمؤسسة الأردنية، متفائلاً بإيجابية أن هذا الاستهداف الإلكتروني لا بد من تحطيمه بخط إنتاجي وقائي يتعامل مع الواقع الموضوعي.
طبعاً، الوزير الشبول تحدث عن خطة منهجية موضوعة للاشتباك، لكن مشكلة الحكومة لا ترتبط في رأي خبراء فيها ومنها بالحسابات الوهمية فقط، حيث تراكمت الإشكالية وزادت تعقيداً؛ لأن ذهنية الشارع الأردني والمجتمع على منصات التواصل الاجتماعي تحديداً وللأسف، تتأثر بالبضاعة الرديئة التي ترد أو يتم ترويجها عبر تلك الحسابات الوهمية.

«تضليل وتحرش»

والمعنى هنا أن الإشكالية لا تقف عن حدود إنشاء حساب وهمي تواصلي يتحرش أو يستهدف أو يضلل أو يشوش، بل الأزمة الحقيقية تبدأ مع تعقيداتها في مستوى التسويق والالتقاط عند المزاج الشعبي الأردني، الذي يحترف ما يسميه الراصد الإلكتروني المختص جهاد بدر، مزاولة النميمة الإلكترونية بكل أصنافها.
والراصد بدر هنا يعيد التذكير بأن هذه النميمة بطابعها الإلكتروني المشوه تجد -أفقياً- الكثير من المروجين البسطاء الأردنيين، ليس فقط لأن المحتوى فيها مهم، لكن أيضاً لأن الرواية الرسمية المضادة إلكترونياً إما متأخرة أو غير صلبة أو تنقصها المهارات الفنية، حيث عدة لجان في مؤسسات وأجهزة السلطة تقف عند حدود الرصد فقط ولا تعمل في نطاق فني وسياسي ومهني موحد يرد ويشتبك. الذهنية البيروقراطية هنا تضرب أيضاً؛ فقد أنفقت بعض الأموال في عدة مؤسسات على أمل ضبط إيقاع نشاط التواصل الاجتماعي. ووضعت تشريعات قانونية متصلبة، لكن الممارسات الجماعية بقيت في السياق الغث وغير السمين والنميمة السلبية، حتى إن وزيراً بارزاً في الحكومة أصر أمام «القدس العربي» على أن نصف الوقت اليومي على الأقل، له والطاقم الوزاري، ينفق في إطار التعامل مع ما بعد منتجات منصات التواصل.
لكن في المقابل، حتى اللحظة لا يوجد إستراتيجية وطنية فعالة موحدة تتعامل بموجبها الحكومة مع المشهد المنفلت إلكترونياً، وإن كان الوزير الشبول وعد بواحدة قريباً يفترض أنها قيد الطهي، ويعتقد بأن الجزء المتعلق بتفعيلها وتنشيطها خلال وقت قصير هو الذي اقتضى أن يعلن رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة أمام نحو 15 كاتباً صحافياً عن حسابات وهمية أو عن تلك الغزوة الإلكترونية التي تحاول بث السلبية بين مواطنيه.

100 ألف حساب

السلبية بطبيعة الحال لها أسباب وسط الأردنيين تتغذى عليها ولا تحتاج لحسابات وهمية تضيف التعقيد على مشهد معقد أصلاً. لكن ما يلفت النظر في خطاب الحكومة الصريح مؤخراً بعنوان الحسابات الوهمية، مسألتان:
الأولى أن الرقم عندما تردد وسط الحكومة لم تنفه أو تعدله؛ فعدد الحسابات الوهمية المشار إليه قد يكون أقل بكثير من عددها الحقيقي الذي رصدته مؤسسات معنية ومختصة، لا بل قد يكون أقل حتى من الأرقام التي سبق لوزراء أن تحدثوا عنها.
فقد حيث سمعت «القدس العربي» في مرتين على الأقل رقمين؛ يتحدث الأول عن رصد 70 ألف حساب وهمي متحرش، ويتحدث الثاني عن أكثر من 100 ألف حساب على الأقل. وثمة حكمة وسبب في التأكيد تطلب حصر وتقليص وواقعية الرقم الحكومي لعدد ما رصد من حسابات وهمية، لكن الحكومة – وهنا تبرز المسألة الثانية – لا تبلغ الرأي العام بكيفية إنشاء تلك الحسابات الوهمية، ولا بآلية عملها، والأهم أن السلطات لا تتحدث عن مصدر وتوجيه وتمويل تلك الحسابات الوهمية التي تنثر السلبية بين الأردنيين وتشوه أو تنكر منجزات الدولة الأردنية.
ليس سراً وفي محطات زمنية مختلفة، أن دولاً شقيقة أو صديقة وحليفة كانت متهمة بيروقراطياً ورسمياً برعاية وتغذية وتسمين تلك الحسابات الوهمية. وليس سراً أن عملية الرصد والتقصي ألمحت في عدة مرات، لجهات في دول، من بينها سوريا، وبعض الدول الحليفة في الخليج، وأحياناً إسرائيل، وحتى ليبيا والجزائر، ضمن قائمة مواقع مشتبه بها تقدم الدعم اللوجستي للذباب الإلكتروني الذي يدعم حسابات وهمية ضد الأردن.
تعرف حكومة الأردن أن تلك المعطيات والمعلومات لم تعد سراً على الإطلاق، ويعرف الخبراء المختصون بالشبكة ذلك أيضاً، لكن ما لا يعلن بالشفافية والصراحة هو ذلك الجزء المتعلق بالإفصاح عن الجهات التي تستهدف الأردن إلكترونياً أو عن أهدافها التي يبدو للمراقب العام أن بعضها قد تحقق، فيما تغيب تماماً استراتيجية نشطة ومنتجة للتصدي أو حتى للاشتباك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى