اراء و مقالات

حماس والشارع ينشدان «الوصال» والأردن الرسمي «راغب ويتمنع»

عمان- «القدس العربي» : يقترح الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الأردنية الشيخ مراد العضايلة، باختصار الفكرة التي تشغل الجميع الآن في عمان، متمثلة في شرط استجابة للواقع الموضوعي وعلى أساس إدراك الجانب الرسمي بأن المصالح الوطنية العليا أصبحت الآن مرتبطة بالمقاومة الفلسطينية.
تلك مقاربة من الطبيعي لا بل من المنطقي أن يلجأ إليها زعيم أكبر أحزاب المعارضة وأهمها في البلاد، بعدما هتف الأردنيون لمحمد ضيف وصواريخ القسام. ومن الطبيعي أيضاً أن يتحدث بها لسان الشارع الأردني، لا بل ترد بصيغة «خاطر سياسي عابر» تتحدث به ألسنة نخبة من كبار النواب والوزراء والمسؤولين.
هل يشبك الأردن الرسمي يديه على أي نحو ويعرض ولو جزءاً من أحضانه للمقاومة الفلسطينية؟
سؤال محرج لكنه مطروح بقوة في عمان هذه الأيام، والمقاربة التي يعيد سياسي وبرلماني خبير من وزن الدكتور ممدوح العبادي التذكير بها وفي كل مجالسات السياسيين هي تلك القاضية بأن العدو للأردنيين والفلسطينيين كان ولا يزال واحداً وواضحاً، وبأن البوصلة التي لا تشير إلى القدس خائنة. لكن في أروقة بعض الموظفين الرسميين سؤال مفترض عن «خصومات» محتملة في التعاطي مع مستجدات المشهد الفلسطيني، فقد اضطرت المنظومة الأمنية لإجراء اتصال ما مع قيادات في حماس كان من بينها الشيخ إسماعيل هنية.
ورواد الخصومات والتردد يحاولون إقناع مركز القرار اليوم بأن الصيغة التي يقترحها الشيخ العضايلة وآخرون تحت وخارج قبة البرلمان من تشابك الأيدي والأصابع تحت عنوان سياسي مع ممثلي نصف الشعب الفلسطيني، بالمقاومة على الأقل، تنطوي على منزلق أو كمين مكلف.
هؤلاء تحديداً لم يعد سراً في عمان أنهم يقترحون صياغات أخف وطأة، فبدلاً من مصافحة المقاومة واستقبالها أو التحدث معها يمكن توجيه إشارة تحية لها عن بعد فقط، فالخصومة السياسية والرسمية مع حركة حماس تحديداً ممتدة منذ عام 1990 وتطورت مع السنوات وأصبحت أشبه بعادة وواقع، وجزء كبير من الرافضين اليوم لمصافحة المقاومة من الطراز الذي يقاوم أصلاً أي تغيير ولا يؤمن بالتكتيك، ومن الطراز الذي يجثم على صدر الإصلاح والتغيير الإيجابي في الأردن، حيث هامش المرونة ضيق في زوايا القرار ومراكزه في الدولة والجملة التكتيكية منضبطة على معيار واضح وملموس للجميع قوامه أن الأردن فلسطينياً يتحرك فقط تحت ظل الشرعية التي يمثلها الرئيس محمود عباس، وقوامها أيضاً أن البوصلة الأردنية في الاتجاهات لا تعاني من الخطأ البصري، فالفضاء الطبيعي للخيار الأردني هو البقاء في ظل العباءة الأمريكية والابتعاد عما يسمى بمحور المقاومة، وأحياناً الاختباء دبلوماسياً بالقرب من مصر والسعودية.
دون ذلك الحديث عن مصافحة المقاومة الفلسطينية اليوم باعتبارها خطوة إستراتيجية في تموقع المصالح الأردنية، ينشط خصومه في نخبة القرار.
لكن المؤيدين له يزيدون بالتوازي، وما أظهرته الحيثيات خلال الأيام القليلة الماضية هو أن قيادات حركة حماس تخاطب بذكاء الحالة الأردنية.
الشيخ إسماعيل هنية مثلاً اعتبر انتصار المقاومة الرباني في غزة مرحلة متقدمة ضد «التوطين» ومفردة التوطين، تفعل فعلها بالعادة في كل مفاصل الجسد الأردني. قد تبدو تلك التقاطة تكتيكية منتجة من الشيخ هنية الذي سبق أن قابلته «القدس العربي» في إسطنبول قبل أسابيع، معرباً عن أمله في أن يكون في عمان قبل الأحداث الأخيرة، موضحاً بأن المقاومة برجالها وسلاحها ضد «الوطن البديل».
لكن ثمة التقاطة ذكية أخرى في السياق الحمساوي، فخالد مشعل وجه التحية للأردنيين قيادة وشعباً. وشكر علناً بعد اتصال هاتفي بالنائب خليل عطية، مواقف العشائر الأردنية العروبية، وألمح في الأثناء إلى أمله في أن يتواجد وسط الأهل في عمان قريباً. بمعنى آخر، قادة حركة حماس على الأقل يعلنون بعد المستجد الأخير رغبتهم في الوصال.
لكن الوصال هنا وفي الجانب الرسمي الأردني ينظر له حتى اللحظة بارتياب، فعكسه تماماً عادة قديمة متجذرة ومستأصلة ومعلبة وكلاسيكية، وثمة عشرات الموظفين البيروقراطيين الذين بنوا مجدهم على مرحلة ما بعد ترحيل خالد مشعل ورفاقه من عمان في حادثة شهيرة قبل أكثر من 20 سنة .
التحدي الرئيسي في هزيمة تلك النظرة المعلبة. والتحدي الرئيسي أكثر في السؤال: هل يقتنع البيروقراطي الأردني بأن مصالح الدولة الأساسية اليوم تتطلب مقاربة مختلفة مع المقاومة الفلسطينية تقف عند حدود المصافحة على الأقل وتنشيط الاتصال والاستجابة للمستجد مع وضع حدود منطقية لا تؤدي إلى النوم في غرفة واحدة لا مع المقاومة الفلسطينية ولا مع محور الممانعة الإقليمي؟
ثمة حلول وسط، ولا مبرر للاسترسال في الخصومات ولا في المبالغات أيضاً، والمطلوب – برأي القطب البرلماني عطية، لا بل الواجب بتقديره والمصلحة – يتطلبان التحدث مع جميع مكونات الشعب الفلسطيني ضمن ميكانيزمات حماية الشعب الأردني.
يبدو أن المفاصل المتكلسة في المستوى البيروقراطي تحتاج إلى بعض الوقت، لكن الشقيقة الكبرى مصر وبحكم الواقع الموضوعي تخطف كل الأوراق على المائدة، والانتظار طويلاً قد لا يخدم مصالح اللاعب الأردني.
ويعني ذلك أن الزحف والتباطؤ في حسم مسألة الاتصال بالمقاومة قد يكون الآن أقرب إلى إيذاء الذات. لكن الجديد أن عدد من يتحدثون في الأمر من الأصوات المسيسة حتى داخل التركيبة الرسمية يزيد وبوضوح، حيث تبرز بعض «الرغبة» والكثير من «التمنع».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى