اراء و مقالات

نائب “شتم” وزيراً… إشكالية في الأردن باسم “مسلكيات” بعض نواب “الموالاة” مقابل “انضباط” غالبية المعارضة

عمان -«القدس العربي»: لا يتعلق الأمر باستعراضات فيها قدر من التجاوز خصوصاً أمام الوزراء والمسؤولين تحت قبة البرلمان الأردني، ولا يتعلق بهندسة الانتخابات التي أصبحت عنواناً لكل التجاوزات والانتهاكات باسم بعض أعضاء مجلس النواب، بقدر ما يتعلق بضرورة الانتباه لثقافة التمثيل النيابي وسط مكونات المجتمع بحد ذاتها.

 والمعنى هنا أن قيام أحد أعضاء مجلس النواب أمس الأول بشتم علني لوزير العدل في الحكومة مستعملاً ألفاظاً نابية استوجبت تحويله إلى التحقيق في اللجنة السلوكية والقانونية ليس إلا حادثة تعبر مجدداً عن غياب الفهم والوعي الحقيقي في مسألة التمثيل البرلماني، خصوصاً أن دوافع الهجوم هذه المرة على وزير في الحكومة وبصورة علنية دوافع شخصية وذاتية محضة.

النائب الذي أحيل للتحقيق وقد يعاقب بفصل مؤقت قريباً جداً، لم يختلف مع الوزير في الحكومة لا على قضية مبدأ وموقف سياسي ولا على قضية لها علاقة بالتشريع والرقابة، وكل ما في الأمر أن النائب استشاط غضباً وبدأ يكيل الشتائم لوزير العدل، وهو من أكبر الوزراء سناً وأغزرهم علماً في طاقم الحكومة الحالية، بسبب رفض الوزير نقل نجل النائب من وظيفة حظي بها مؤخراً.

بكل حال، سبق لرئيس لجنة أن استدعى مسؤولاً في شركة عامة تملك الحكومة حصة من أسهمها، وتعامل معه بغلاظة وقسوة خشنة أمام الكاميرات.

وسبق أن شتم النواب أحياناً أنفسهم وأحياناً أخرى الناس، وفي بعض الأحيان الوزراء والمسؤولين، وقد أصبح الأمر ظاهرة حتى إن غالبية أقطاب البرلمان الأردني يعلمون مسبقاً بأن المسألة الأساسية التي صدر فيها توجيه مرجعي وملكي للطاقم الجديد في المكتب الدائم لمجلس النواب هي تلك التي تحدثت بلباقة وأدب شديد عن ضرورة وقف المشاجرات والشتائم والملاسنات، خصوصاً أمام الكاميرات، ووضع حد لها.

أصبحت طريقة بعض النواب في التعبير عن حقهم الشخصي مسألة تدخل في سياق الأمن الوطني والقومي، خصوصاً في ظل برلمان اتهم مسبقا شعبيا وأحياناً رسمياً بالهندسة، وفي ظل الإصرار على أن مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد في واحدة من أهم تجلياته يستهدف إدخال القوى الحزبية إلى قيادة السلطة التشريعية، بمعنى احتواء وتجاوز الفردية والشخصانية قدر الإمكان.

بكل حال، الدولة بأجهزتها سبق أن صمتت على استهداف شخصي لوزير المالية، مما شجع نواباً آخرين على الاسترسال في المخالفات السلوكية، خصوصاً أن أحدهم طالب قبل أسبوعين بسحب جنسية فنان محلي اعترض على مشاركته بمسلسل.

 أقر رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي بوجود إشكالية في تعبير النواب وبحصول نزاعات مع الوزراء لا مبرر لها، لكن الصفدي صرح علناً وبجرأة بعد حادثة وزير العدل وشتمه من قبل النائب عبد الرحمن العوايشة بأن قيادة المجلس قررت ألا تسكت بعد الآن عن أي حالة يتجاوز فيها نائب على وزير أو وزير على نائب.

 ويقضى الأمر هنا تفعيل اللجنة السلوكية المعنية بالانضباط السلوكي للنواب وتفعيل اللجنة القانونية التي جزء من واجبها بعد الآن مراقبة أداء النواب وانضباطهم.

وكانت الفكرة التي سمعتها “القدس العربي” مباشرة من الصفدي تلك التي تسأل من حيث المبدأ والشكل والمضمون عن حاجة مجلس النواب لوجود الطاقم الوزاري طوال الوقت وفي كل الاجتماعات.

 وهنا برزت ملاحظات نظامية في غاية الأهمية، فقد رصد الصفدي وهو يقول بأن مجلس النواب أثناء التشريع في اللجان ليس بحاجة إلى طاقم الحكومة برمته، وأن الجلسات الرقابية بعد الآن يمكن أن يحضرها الوزير المعني في المسألة والملف ليس أكثر ولا أقل.

طبعاً، يعرف الجميع بأن نواب تيار الموالاة حصراً هم الأكثر ارتكاباً للتجاوزات المسلكية بين الحين والآخر.

 لا بل إن النواب المحسوبين على المعسكر القريب من السلطات هم حصراً دون غيرهم أبطال ونجوم حالات الاستعراض الشعبوية أمام الكاميرات، سواء في اجتماعات اللجان أو حتى تحت قبة البرلمان وفي كواليس ومكاتب المجلس النيابي أحياناً.

 وتلك مسألة تؤشر على أزمة صامتة وحقيقية في فهم طبيعة المطلوب من الموالاة ورموزهم في التمثيل البرلماني أصلاً، وفي فهم هؤلاء من النواب ومستقبلاً المرشحين لدورهم وواجبهم الوطني في إطار التشريع والرقابة، مع أن مثل هذه الخطابات والطريقة في إدارة الأمور ينبغي أن تنتهي، وهي جزء من تراثيات الماضي التي تعاكس المنطق القائل بطي الصفحة، والتطلع إلى الأمام، وهو المنطق الذي أعاد التأكيد عليه في نقاش خاص مؤخراً مع “القدس العربي” رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات المهندس موسى المعايطة، الذي شغل حقيبة الشؤون البرلمانية سنوات عدة.

بالتأكيد، مسألة العلاقة بين الوزراء والنواب تحتاج لكثير وحتى الوزراء أمامهم واجبات في احتواء النواب والإصغاء لهم.

 لكن ما تصمت عليه أذرع وأجهزة ومؤسسات الدولة حتى الآن هو تلك المشاجرات، مما يشكل اشتباهاً بالتواطؤ أو العجز عن المواجهة.

 المسألة مرتبطة بتحصيل إجابة عن سؤال يتردد الآن وبقوة: لماذا لا يلتزم بضعة نواب محسوبين على دعم الدولة أو خندق الموالاة بالمعايير السلوكية المنضبطة أثناء ممارساتهم في سياقي التشريع والرقابة مع أنهم الأجدر بذلك؟

السؤال يستنسخ آخر في غاية الأهمية، يصر عليه الجميع بدون نفي أو تعاكس، وهو رصد الحالة التي تقول بأن نواب المعارضة، سواء أكانوا ضمن التيار الإسلامي أو غيره، قد يكونون الأكثر التزاماً بالضبط السلوكي خلال ممارسات عملهم التشريعي والرقابي أو حتى خلال تواصلهم وتفاعلهم السياسي والبرلماني والتشريعي مع الطاقم الوزاري طبعاً على مستوى أغلبيتهم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى