اراء و مقالات

الأردن: محاكاة للنموذج المصري – الإماراتي أم اقتراب من تصور أمريكي؟

«دسترة» مجلس الأمن الوطني

عمان- «القدس العربي»: لا أسئلة من صنف حرج حتى الأن على الأقل ترافق الإعلان الأردني الهادئ عن إحالة مشروع تعديل دستوري يقضي بتشكيل مجلس الأمن الوطني الأردني. قد تكون تجربة جديدة تحت عنوان إعادة الهيكلة برتم متناسق هذه المرة لمؤسسات منظومة الأمن الأردنية.
وقد تكون المسألة أيضاً جزءاً من تصورات النموذج الجديد، الذي تحرص المؤسسة الأردنية على تقديمه بهدف الاحتواء في الداخل والتفاعل مع تحديات الخارج قبل مضي السنوات الثلاث المقبلة وضمن حزمة التحديث والتحريك التي يعتبر التقدم بتشريعات سياسية داخلية جديدة أبرز محاورها.
لا أنباء تشرح بعد باستثناء الأسباب الموجبة المعلنة بخصوص خطوة مهمة من طراز «دسترة» مجلس الأمن الوطني الجديد، لكن يمكن ببساطة ملاحظة أن تلك الخطوة بدأت من أعلى هرم السلطة وبتوجيهات ملكية وبدون ضجيج، وعبر تعديل على النص الدستوري أحالته الحكومة للبرلمان وسيناقشه قريباً، مما ينذر -حسب القطب البرلماني صالح العرموطي، وكما قال لـ«القدس العربي»- بمرحلة جديدة تنتقص من صلاحيات الولاية العامة للحكومة.

«دسترة» مجلس الأمن الوطني

أغلب التقدير أن مجلس الأمن الوطني الأردني الجديد قد يدفع إلى الوراء وخلف الستارة، بعد دسترة التشريع، مشاريع أخرى أو مؤسسات أو لجاناً دون بنية دستورية كانت تعقد الاجتماعات بين الحين والآخر، مثل مجلس الأمن القومي، وأيضاً مثل الجزء المختص بالأمن في اجتماعات مجلس السياسات.
«الدسترة» هنا تعني الكثير؛ بمعنى تأصيل وجود مؤسسة مرجعية واستحداث مجلس أو جهاز جديد وظيفته تنسيق التعاون بين الأجهزة المدنية والعسكرية، خصوصاً أن هذه المؤسسة الدستورية الأمنية سيترأسها الملك شخصياً، وأغلب التقدير أن ملفها مستقبلاً قد تكلف به مؤسسة ولاية العهد، التي تمثل اليوم وطنياً وبشكل عام تطلعات الأردنيين للمستقبل. وينظر بعض المختصين للخطوة بصفتها مشروع «محاكاة» لنموذجين حليفين، هما المصري والإماراتي. ويمكن ببساطة سياسياً ملاحظة التزامن المدروس بين تحويل مشروع نص لمجلس النواب، وإرفاق هذه الخطوة بوثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في البلاد.
وهو تزامن يعني الكثير سياسياً في هذه اللحظة، خصوصاً أن عملية إعادة بناء على مستوى الدولة وهيكلية جديدة تقفز على سطح الأحداث وسط تحشد المؤشرات التي توحي ضمنياً بأن التوسع في إعادة هيكلة المؤسسات السيادية جزء من شبكة الإقرار بالحاجة إلى مفهوم الأردن الجديد، مع أن التشكيك موجود ومتاح وسط السياسيين والإعلاميين، خصوصاً في الجزء المتعلق بصدقية النوايا تحت عنوان اللجوء إلى العمل الحزبي والتعددية الحزبية.
في كل حال، يمكن القول بأن مجلس الأمن الوطني الجديد وبحكم ارتباطه بنص دستوري هذه المرة، سيتمتع بصلاحيات كبيرة جداً لا علاقة لها فقط برسم السياسة الأمنية للبلاد في الداخل والخارج، بل لها علاقة أيضاً بالإشراف على الأفرع والمديريات الأمنية ذات الأهداف المتنوعة، وبتأسيس مرجعية أمنية عامة كان توق الأردنيين لها كبيراً في الماضي.
المجلس وحسب النص المحال، ووفقاً لتصريحات وزير شؤون البرلمان في الحكومة موسى المعايطة، سيترأسه الملك، ويضم رئيس الأركان ومدير المخابرات ووزيري الداخلية والخارجية ورئيس الوزراء.
ويضم المجلس، في لفتة لا بد من التوقف عندها، شخصيتين مدنيتين حسب النص، يختارهما القصر، مما يعني وجود حصة سياسية برفقة الجنرالات ومديري الأجهزة الأمنية في جسم الدستور الأمني الجديد، في وصفة يعتقد بأن الدول المانحة والحليفة سياسياً للأردن يفترض أن ترحب بها، لا بل تدعمها.
قبل إحالة مشروع التعديل الدستوري الجديد لمجلس النواب الأردني، كانت أوساط القرار تدرس الخيار الأمثل في إعادة هيكلة وضبط إيقاع عملية الهيكلة الجديدة في المنظومة الأمنية والسيادية، الأمر الذي احتاج على الأرجح الترتيب الدستوري الجديد، مع أن الحوارات والمشاورات في القصر الملكي وفي غيره من المؤسسات السيادية حاول تلمس ما هو جوهري وعميق في تجارب سياسية أمنية مختلطة أخرى، من بينها التجربة الأمريكية.
لن تصل عمان الرسمية إلى مستوى إخضاع الأمني إلى السياسي في المرحلة اللاحقة. وقد لا تذهب في اتجاه النمط الأمريكي أو الغربي القائم على فكرة تكليف شخصيات سياسية مدنية بالإشراف على أجهزة أمنية. لكن صياغة جملة تناسب الحالة الأردنية وتقترب من خليط يشارك فيه المدنيون، أو بعضه بتصورات رسم سياسات أمنية، هو الأسلوب المعتمد على الأرجح؛ بمعنى التدرج نسبياً ووقف التناقضات واحتكاكات الميدان، والتأسيس لحالة دستورية جديدة تسمح بعبور شخصيات مدنية وإن بنسبة ضئيلة، في عملية الإشراف على مطابخ أمنية تنفيذية مستقبلاً. تلك في كل حال، واحدة من أهم تجليات الرؤية الملكية الأردنية التي باتت تؤمن هذه المرة وتدعم وتسند تفاعلات ومحاورات تحديث المنظومة برمتها في البلاد مع بدء المئوية الثانية في الدولة.
وتلك طبعاً خطوات منهجية تسير الآن ببطء، لكن بعمق، وقد تؤدي لاحقاً إلى زحزحة مدروسة ومتدرجة للفلسفة الأمنية، وفي بعض الأحيان إلى تبديل منهجي وبقناعة جميع مؤسسات الدولة في بعض العقائد التي تقرر أن الدولة تحتاج إلى تحريكها ما دام الجميع منخرطاً الآن في ترتيبات المئوية الثانية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading