اراء و مقالات

كلفة «الزحام» في مربع «الإصلاح» الأردني تتقدم و«اللجنة» أمام مخاطر «القفز من السفينة»

عمان – «القدس العربي»: بعيداً عن الشخص وهويته السياسية وعن الظرف الزمني، يمكن القول بأن استقالة عضو ثالث في لجنة ملكية عريضة شكلت لإعادة تنظيم مشهد الإصلاح السياسي في الأردن، قد لا يصبح محطة عابرة إذا ما فكر آخرون في اللجنة بإظهار التباين مع مخرجاتها التي لم تعلن بعد لأسباب شعبوية أو حتى حزبية، وعلى قاعدة القفز من السفينة قبل وصول الشاطئ.

«مسافات غير واضحة»

بالمعنى السياسي، قد لا تكون مغادرة لجنة تحديث المنظومة السياسية في ربع الساعة الأخير من وقتها مسألة أخلاقية أو مهنية. لكن الاعتراض ورفع الصوت وحتى الاستقالة، أدبيات يمكن أن تدخل في باب حرية الرأي والاحتجاج عندما يتعلق الأمر بالعمل المسيس أو بالمسيسين.
المعايير هنا قد تختلط، والمسافات بينها قد لا تكون واضحة. لكن الملموس الوحيد حتى الآن بأن الوثيقة التي ستنتج عن أعمال اللجنة الملكية دخلت ولعدة أسباب برسم الولادة العسرة إلى حد ما، وإن بقيت في كل الأحوال ولادة لعنصر جديد يمكن البناء عليه بدلاً من الاستسلام للفراغ وعدم وجود البدائل، كما يلمح أثناء نقاش مع «القدس العربي» عضو اللجنة النشط جميل النمري.
النمري مبكراً طرح سؤال البديل وتحديداً على شرائح الغاضبين والمحتقنين والذين لا يعجبهم شيء محدد داخل اللجنة وخارجها أيضاً.
والتحدي الذي واجهته اللجنة قبل إنهاء باكورة أعمالها في نهاية شهر آب الحالي لا يقف عند حدود غياب البديل عند المعترضين، بل ظهر مجدداً لطهاة المسألة خلف الكواليس الدرس القائل بأن العدد الضخم في عضوية لجنة بمهمة محددة من هذا النوع يؤسس لمشكلات ويطرح مفارقات بالرغم من امتيازات التمثيل الأفقي التي يمكن ادعاؤها.
بين تلك الكلف بالتأكيد ظهور لجنة عاجزة في حالتين على الأقل؛ أمام حماية الرأي الفردي والشخصي لعضوين فيها، وظهورها ضعيفة في مواجهة محكمة الشعبويات عندما تقرر.
بين الكلف والفواتير أيضاً ظهور طموحات «شخصيانية» أو فردية عند بعض الأعضاء في اللجنة يمكن تفريغها وفي وقت حرج ومتأخر بصيغة الاستقالة، بمعنى الانسحاب المتأخر الذي لا مبرر له وطنياً ومهنياً من اللجنة ولأغراض مخاطبة الشارع، الأمر الذي دفع برئيس اللجنة سمير الرفاعي للتأشير على مثل تلك العدمية.
يعرف أركان اللجنة الملكية بأن إرضاء الجميع داخل الدولة وخارجها غاية لا تدرك، وما يقترحه عضو اللجنة المسيس محمد الحجوج هو الصبر وانتظار المخرجات وتقليبها في نقاش وطني وذهني إيجابي أمام التعاون مع المرحلة الأولى في إنجاز تشريعات إصلاحية، ويبقى الخيار النهائي للمؤسسات الدستورية المعنية.

محطات عدة «أمام الأنا»

لا أحد يريد الوقوف عند دعوى راشدة من هذا النوع. والرفاعي وجد نفسه في محطات عدة أمام الأنا عند بعض أعضاء اللجنة بعيداً عن المنطق السياسي وقريباً من الذات التي يمكنها المجازفة بالتوافق، أو عدم احترامه؛ بمعنى المشاركة في تحمل المسؤوليات. تصدعت اللجنة مرتين فيما كانت تخوض معركة في عدة اتجاهات.
في المرة الأولى دفع عضوان بارزان فيها إلى الاستقالة تحت ضغط جدل الرأي العام، وفي الثانية استقال عضو ثالث قبل رسو السفينة، وفي توقيت بحساب شخصي على الأرجح مع مساجلات علنية أمام الجمهور هذه المرة بين المستقيل والرفاعي، وبينه وبين زملاء آخرين له انتقدوا الاستقالة.
في الأثناء، ومع اقتراب اللجنة من بعض الخلاصات التي تبدو تثقيفية وسلوكية اجتماعياً أكثر من كونها عملية سياسية إصلاحية مباشرة، بدأت مرحلة المخاطر؛ فوجود آلية غير منظمة ترسم العلاقة بين عضو اللجنة الفرعية واللجنة الأم قدم مساهمة في بعض المخاوف، وتقلبُ بعض المقترحات والأفكار وفلترتها بين الحين والآخر علناً ساهم بدوره في مخاوف متنوعة.

«معمعان»

طبيعي في لجنة ضخمة -وهذا أمر لم يحسبه المطبخ جيداً- أن يقرر شخص ما بأن ما توافقت عليه اللجنة العريضة لا يمثله.
طبيعي في المقابل، بأن يقدر تيار سياسي أو حزبي ما بأن المخرجات ليست على قياسه لاحقاً. وطبيعي أكثر أن يرى فاعلون في اللجنة الملكية ثم يقولون لكل الجهات بأن عملية إقصائهم وتهميشهم في الداخل لها ثمن ولديها نتيجة.
ووسط هذا المعمعان، طبيعي بالمحصلة والمقابل أن يفكر تيار عريض داخل اللجنة بإظهار تباينه مع المناخ العام، أما حدة هذا الإظهار فهي تختلف من عضو إلى آخر بموجب الدوافع والحسابات، وإن كان بعضها انتهازياً كما يحصل بالعادة.
تلك مخاطر يفترض أنها كانت متوقعة، لكن الجديد أنها لم تكن متوقعة فقط اليوم، فهي تلامس أطراف ثوب اللجنة ووثيقتها ومخرجاتها، وستلامس أكثر في الأيام المقبلة في الاتجاه المعاكس لقرب توقيت الاستحقاق الزمني، وأغلب التقدير أن شخصية سياسية مرنة مثل الرفاعي تدرك ذلك أو أنه قد استعد له، إلا إذا استعد له أكثر من باب التوظيف والاستثمار خصوم اللجنة من قوى الأمر الواقع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى