اراء و مقالات

إقصاء ألوان واستضافة أخرى… أيهما أفضل «المستشار أم الموظف؟»

عمان – «القدس العربي»: ما الذي يمكن قوله مجدداً إزاء “كيس من المقترحات” تم نفخه باسم الإصلاح السياسي في المشهد الأردني؟
سؤال مطروح بعد الانتشار الأفقي والعمودي لأعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في مواقع الصف الأول في غرفتي التشريع على الأقل وفي مواقع سياسية وسيادية مهمة تقف على المفاصل، مثل الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وغيرها من المؤسسات، على أمل أن تتخذ مسألة التحديث المنظومة السياسية حصراً شكل “العملية”.
ونمط العملية هنا كان مطلوباً بحد ذاته، لا بل يمكن اعتباره إذا حسنت نوايا الحكومة، خطوة متقدمة تظهر بأن مفاصل القرار تمنح حصة لا يستهان بها من أعضاء لجنة استشارية كانت الأعرض والأوسع مقاعد متقدمة في الصف الأول، على أمل إدامة وإطالة التفكير في مسار التحديث والتمكين مادامت الوثائق المرجعية موجودة ومتاحة ولإضفاء أكبر قدر من الجدية.
وعليه، يمكن القول إن عملية نثر العشرات من أعضاء اللجنة التي ترأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي هنا وهناك في مواقع الصف الأول، تبدو مثيرة لا بل تختبر الأدوات والرموز والنمط، وإن كانت المفارقة القديمة نفسها تتجدد حيث لا ضمانات من أي صنف على توقع نتائج مختلفة باستعمال نفس التقنيات القديمة.
خلف الستارة من صغار المسؤولين وكبارهم المتفاعلين مع وظائفهم الاستشارية من لجأوا للهندسة مجدداً. وثمة من يتصور أنه “يصنع الأحداث والأدوات والرموز” أكثر مما يلبي الاحتياج المرجعي والوطني العام لبرامج تنفيذ وإجراء.
لا ضرر في ذلك إذا بقيت النتائج في الحد الأدنى، فالملاحظات تتراكم على مسار التحديث السياسي مادامت الحريات العامة بالتراجع، وثمة ملحوظات بالمقاربة الاقتصادية تحت عنوان التمكين بعد ما وصفها كثيرون وأمام “القدس العربي” مختصون وخبراء من وزن الدكتور محمد الحلايقة بأنها طموحة جداً وللغاية، بمعنى أن نجاح ما أعلن في نمط التمكين قد يشكل، إذا ما ترتبت الأمور لاحقاً، مفاجأة من الوزن الثقيل لمن يشككون بجدية مسارات الإصلاح.

«إنجاز مرحلتين»

في التحديث السياسي تحديداً، يلاحظ المراقبون أن ما أنجز مرحلتان حتى الآن وبصورة تستوجب التصفيق لمن أدار عملية الطهي والطبخ خلف الستارة إجرائياً واستشارياً. المرحلة الأولى تأسيس الأدبيات والوثائق، وهي خطوة كانت منقوصة في المشهد طوال الوقت. والمرحلة الثانية ارتبطت بتمكين النشطاء والفاعلين في لجان التحديث والتمكين الاقتصادي من بعض الوظائف والمفاصل عبر نثرهم وتوزيعهم في بعض المؤسسات، والهدف هنا قد يكون نبيلاً وبلا ضمانات إنتاجية بعد، وعلى أساس وجهة نظر تعتقد بأن المخلصين الأوفياء الأنشط لمساري التمكين والتحديث متمكنون الآن لأغراض التنفيذ والإجراء في مفاصل لها علاقة بصناعة الأحداث واتخاذ القرارات.
تراكم واضح لهذه الشريحة من لاعبي التحديث والتمكين موجود الآن في الحكومة بعد التعديل الوزاري الأخير. لكن التراكم الأكبر هو في مجلس الأعيان، حيث غرفة التشريع الثانية والأكثر وفاءً للمنهج والفكرة من دعاة طي صفحة الماضي والمضي قدماً للأمام يعملون الآن في مؤسسة مهمة هي الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، والتي تحتفظ بمكانة متقدمة في مراقبة نقاء الالتزام بقانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين باعتبارهما المفرزات الأهم لمسار التحديث.
سياسي بيروقراطي مثقف من طراز المهندس موسى المعايطة يدير الأمور باتزان هذه الأيام، والعضو الناشط في اللجنة الملكية الدكتور رائد عفاش العدوان، يحاول منح موقعه الوظيفي الجديد كمفوض لشؤون الأحزاب بعد التحاقها بالهيئة المستقلة الزخم المطلوب في السهر على تطبيق القانون والمراجعات والتقييمات. وثمة طاقم مستقل للانتخابات يعمل بصمت وبصورة معقولة ومنتجة.
لكن طاقم التحديث المنثور بكثافة باسم الحداثيين واليساريين في مجلس الأعيان لا أحد يسمع عنه بعد، لا على صعيد الخطط ولا على صعيد الاشتباك، وهنا حصراً عناصر مهمة من دعاة الإصلاح والتغيير في عضوية الأعيان عليها العين ويراقبها الآخرون خصوصاً من أصحاب اللون اليساري الذي أصبح حليفاً للسلطة، وله أنصار ومؤيدون في بعض المؤسسات المرجعية خلف الستارة، فيما لم تعرف بعد مقادير إنتاجية إقصاء التيار الإسلامي عن كل هذه الاحتفالات والترتيبات بعدما شارك أو استخدم في المشاركة باللجنة الأم التي صاغت المرحلة.

«إقصاء منهجي»

قالها القيادي الشاب في الحركة الإسلامية الدكتور رامي العياصرة أمام “القدس العربي” مباشرة بعد تشكيل مجلس الأعيان: هذا إقصاء منهجي مختل لا يخدم بالضرورة ما يتحدثون عنه في مسار التحديث، لكنه بكل حال إقصاء يخدم شرائح لا ينفي الإسلاميون وجودها من الذين يشككون بنوايا الإصلاح أصلاً، سواء في صف التيار أو في صف الشارع.
بكل حال وفي المحصلة، نثر نشطاء التحديث والتمكين هنا أو هناك تعبيراً عن نوايا قد تكون طيبة، لكنه ليس خطوة كبيرة وعميقة من الطراز الذي يوحي بأن التحديث والتمكين أصبح بمثابة عقيدة بيروقراطية بعد.
تلك خطوات قد تكون شكلية وديكورية، لكن الطهاة خلف الستارة ليس من الطراز الذي يقدم لمركز القرار معلومات وافية تعكس الوقائع على الأرض، فالاستثناءات كانت كبيرة، ومن أغضبتهم في المجتمع تعيينات الأعيان الأخيرة أكثر من الذين دفعتهم باتجاه الشعور بالرضا.
وجزء فاعل من تكوين الأحزاب السياسية تعامل مع اشتراطات قانون الأحزاب الجديد، لكنه يحمل كل الأسباب التي تمنعه من الالتحاق بالحافلة.
صمت حتى من تم نثرهم، وخف الحديث والحماسة لمسار التحديث والتمكين حتى عند أصحابه من الذين تحولوا فجأة من نطاق الاستشارة وتمكين المجتمع تحت غطاء ورش عمل مرجعية الشكل إلى غطاء أصحاب وظائف، وطبعاً رواتب وامتيازات. لعله من نمط الصمت الذي يسبق عاصفة التغيير الإيجابي، لكن الجميع يراقب الجميع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى