اراء و مقالات

العراق: أيهما الأقرب الصومال أم سنغافورة؟ و»مونديال» مع أرجيلة آخر «صرعة أردنية»

وددت شخصيا كمشاهد حريص لقناة فضائية «المملكة» الأردنية شبه الرسمية لو أنها تابعت الخبر باستضافة أطراف ميدانية تتحدث عن القصة، التي شغلت الرأي العام الأردني طوال الأسبوع الماضي، حيث تحدث الخبر عن عودة 6 آلاف متعاقد أردني من رجال الأمن المتقاعدين فجأة معا برحلة سفر جماعية مع هدية نقدية لكل واحد منهم، إضافة الى كتاب الاستغناء عن خدماتهم وإنهاء العقد.
فضائية «المملكة» نشرت الخبر، لكنها دخلت بحالة صمت مع الحكومة بعد ذلك مباشرة.
فئة قليلة على الأرجح قررت لعب مباراة القيام بواجب، لكن على طريقة الحراك الشعبي الأردني وامتثالا مع القاعدة التي تقول بالعادة «ارجم الشجرة حتى ترمي عليك ثمرا».
الخلاف سيحسمه القضاء وغالبية المتقاعدين «نشامى» بيرفعوا الرأس لكن «الفضيحة» حصلت على كل حال.

مليارات وأرجيلة!

شاهدنا بحسرة عشرات من أشرطة الفيديو، فانيلات وبيجامات ورقصات «هجيني» وهتافات ضد «شركة وهمية ما» وعنف لفظي وسهرات وناسة على الطريقة الحركية، لكن على أرصفة دولة شقيقة هذه المرة وقرب ملاعبها التي كلفت أكثر من 60 مليار دولار.
أحدهم اعترض على «عدم وجود وسادة» بمجرد وصوله.
آخر لاحظ أن وجبة الإفطار أبرد مما ينبغي، وثالث يصر على تدخين الأرجيلة بالقرب من ملعب كرة كلفته على الأقل بميزانية وزارة مالية بلاده.
الجميع طبعا، اتهم الشركة المنظمة بالسرقة والنهب، وبدون تقديم ولو دليل واحد.
والجميع وقع عقدا تفصيليا واضحا ومشروحا بكل الحيثيات فقرر الشباب «التجمع والهتاف»، وانتهى الأمر بسيناريو «ترحيل الجميع».
في القرى وبعض الحارات عندما يغضب المواطن لأي سبب أول شيء يحرقه «شاحنة نقل النفايات» وسرعان ما تتكوم النفايات في الحي أو القرية. بالعادة يضغط الشعب سبع سنوات من أجل التزود بحاملة نفايات، لكن يتم إحراقها بسبع دقائق.
على كل حال ما لا تقوله فضائية «المملكة» أن الجميع في النهاية جلس على «الخازوق الوطني»، خصوصا بعدما تدخل «بتوع الشعبويات» في البرلمان. قمة الإحراج إنه مونديال أيضا يا سادة، لكن على طريقة الحراك إياه.
وللتذكير فقط حسب قناة «رؤيا» المحلية الأردنية، فقد تم تأمين 3000 رجل أمن لحراسة مباراة واحدة الجمعة الماضية بين فريقي النادي الفيصلي والوحدات، والجمهور فيها كان لا يزيد عن ضعف هذا العدد من رجال الأمن.
نعم إنها طريقتنا في المونديالات والمباريات.
العراق والاستبداد الوسيم
أخيرا، غمرتني بعض السعادة وأنا أسمع النبأ الذي تزفه لنا قناة «بغداد» الفضائية بعد طول انتظار وإطلاق رصاص وتحطيم أسوار واحتقانات في الشارع: صوت البرلمان العراقي بالثقة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
اسم الرجل يبدو فنيا وموسيقيا الى حد ما، لكن ثلث أعضاء البرلمان امتنعوا عن التصويت، وعبرت حكومته من حاجز ثقة بصعوبة بالغة، لأن العراق الذي وعدنا من أسقطه يوما لتبرير الاحتلال والفعل الإجرامي للأمريكيين ضد هذا البلد بان يكون سنغافورة الشرق لا يزال عالقا بأطراف ثوبه عندما تحرر من الاستبداد.
أي استبداد أكثر من ذلك الاستبداد الذي أظهرته فضائية «التقوى» العراقية، وهي شيعية بالمناسبة، وهي تستضيف مواطنة عراقية تقول بالحرف الواحد «ماكو كهرباء.. ماكو ماي.. ماكو تمن وشكر.. ماكو شيء شلون بدكم إيانا نعيش»؟!
هذا واقع العراق المحرر من الاستبداد اليوم، فهو بلا كهرباء ولا ماء، وبعض محافظاته بلا مدارس، وبالتأكيد بلا صحة، ومرض الكوليرا يلامس أطراف قدميه.
هو العراق، الذي كان عظيما يا سادة بكل حال الصورة التي أظهرتها محطة «بغداد» لمحمد شياع السوداني، تظهر الرجل أنيقا. حتى قائد الميليشيات التي قطعت رؤوسا وحولت بعض الأجساد الى أسياخ شاورما، عندما استضافته الفضائيات العربية كان يرتدي حلة سماوية اللون داكنة مع ربطة عنق، وبدا الرجل وسيما بالطقم الرسمي أمام الكاميرا.
الصومال أم سنغافورة؟

لكن ايران بالمقابل، التي نهبت العراق وأفسدته، وجعلت مع الشيطان الأمريكي ليله يصبح نهارا والعكس مشغولة أيضا باحتراق أطراف ثوبها، والحدث الإيراني يظهر بعد كل تلك المظاهرات، وقصة حادثة الفتاة الشهيرة يتكرس ويظهر بصفة يومية على قناة محطة «سي إن إن»، التي فرضت مساحة واسعة لتغطية ما تسميه بثورة غضب الشارع في 11 مدينة إيرانيه.
وفقا للتقرير الأخير للمحطة التلفزيونية الأمريكية إيران تشتعل والحرس الثوري يقمع المتعطشين للحرية.
«سي إن إن» تذرف الدموع على الحرية في إيران، دون أن تقول لنا شيئا عن دور بريمر في نزيف العراق، والمسلسل المتصل، الذي بدأ بريمر ولا تزال حلقاته تعرض حتى الآن.
ايران بكل حال على طريق الثورة الشعبية والحراك الشعبي، والاستبداد دائما يستطيع الالتفاف على الجماهير، لكن له يوم يدفع فيه الثمن، بالتأكيد على الأقل هذا ما تبلغنا به قصة العراق، الذي كان يفترض ان يتحول الى سنغافورة، وإذا به أقرب الى الصومال اليوم!
للعلم لم أخترع قصة سنغافورة، فقد أبلغني بذلك أردني كبير عندما دخلت الدبابات الأمريكية منطقة الرمادي.

مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading