اراء و مقالات

حكومة الأردن في تبرير تقليص الحريات: سموم إلكترونية و220 ألف حساب وهمي والمعتدي «مجهول»

عمان – «القدس العربي»: بدأت قصة الحسابات الوهمية التي تستهدف عبر الشبكة الإلكترونية الافتراضية الأردن بحكومة سابقة تحدثت عن 20 ألف حساب تتبع عدة جهات خارجية لم تتحدد منذ خمس سنوات حتى اللحظة. زاد الرقم في عهد حكومة لاحقة ليصل إلى 40 ألف حساب وهمي.
ثم تم ضخ الهورمون في الرقم، فصدرت بيانات رسمية تحدثت عن نحو 80 ألفاً من الحسابات الوهمية التي تستهدف الثوابت والمصالح والداخل الأردني.
زاد الرقم في التصريح الرسمي إلى 120 ألفاً حتى وقف عند 220 ألفاً من الحسابات الوهمية، قال صباح أمس الاثنين وزير الاتصال الحكومي وهو الصحافي المخضرم فيصل الشبول، إنها تستهدف بلاده ومن جهة خارجية.
طبعاً، لا الحكومات السابقة ولا الحكومات الحالية حددت تلك الجهات الخارجية أو لجأت إلى تعريف الجمهور فيها حتى يحتاط لمن يريد الاصطياد في مياه الأردنيين من خبثاء الشبكة في الخارج.
ليس سراً وسط المجتمع الاستخباري الإلكتروني والمنصاتي أن السلطات الأردنية وهي تتابع تطوير عملياتها في الأمن السيبراني، سبق أن لمحت لجهات في سوريا، وأخرى في إسرائيل، وثالثة في دولتين خليجيتين إحداهما حليفة سياسياً للأردن.

تحرش إلكتروني

وسبق لمختصين في الأمن السيبراني أن تحدثوا عن تحرش إلكتروني في الأردن بإدارة بعض أجهزة الدول الصديقة والشقيقة، لكن في دول ثالثة من بينها الجزائر وليبيا. وتعريف الجهات الخارجية على شكل أسماء الدول والمنصات ليس رسمياً حتى الآن، ولفت الوزير الشبول النظر صباح الاثنين أثناء الحديث عن جهة خارجية واحدة. لكن مجدداً، لا تبلغ الحكومة الأردنية وهي تدير مواجهتها في السر والعلن مع مستهدفي ومتحرشي الشبكة الإلكترونية الأردنيين بهوية وأهداف من يحاولون اختراقهم من الجهات الخارجية، مستغلين فيما يبدو أولاً ما تروجه فعاليات ما يسمى بالمعارضة الخارجية الهشة، وثانياً سذاجة التعاطي والاشتباك عند عدد لا يستهان به من مستخدمي المنصات والوسائط الاجتماعية. لسبب غير مفهوم بعد، تمسك السلطات الرسمية عن كشف التفاصيل. ولسبب لا يمكن فهمه عملياً، لا تشرح حكومة الأردن للرأي العام على الأقل كيف ولماذا تدار عمليات إلكترونية اختراقية من دول صديقة وشقيقة، فيما لا تشرح تلك النظرية التي تقول أيضاً إن عمان فتحت المجال في الماضي على الأقل لقواعد الذباب الإلكتروني التي استهدفت جهة ما هنا أو هناك.
في المقابل، بقي وزير الاتصال الخبير الشبول مهتماً على هامش نقاش مع «القدس العربي» بالتأشير على ضرورة عدم الاستسلام للفوضى في هذا الملف الحساس، معبراً عن ثقته في أن معيار التمييز والغربلة ضد السموم الإلكترونية يفترض أن يأخذ بالاعتبار دعم وتعزيز حريات التعبير وليس العكس.
ما يسمى في أروقة المسؤولين الأردنيين بالسموم الإلكترونية، ينتج بعضه بكفاءة عبر الأردنيين وداخل البلاد. لكن المواجهة بمعناها الشمولي مع ما وصف يوماً بنفايات إلكترونية، لا تشرح بتفاصيلها للناس، الأمر الذي يخيف ويقلق ويرعب نشطاء الحريات وحقوق التعبير وبعض مجموعات النشاط المدني والأهلي؛ لأن العزف على وتر المساس بحرية التعبير والتقاط تلك السموم والرد عليها ومنعها، يحتاج إلى فريق ظل خبير وتقني مع رسالة سياسية واضح للمراقبين أنها لا تحظى حتى الآن على الأقل باهتمام الرؤية التشريعية الحكومية الإلكترونية.
سمعت «القدس العربي» مباشرة من مسؤولين بارزين بينهم رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي ورئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز وحتى رئيس الوزراء بشر الخصاونة، كلاماً دائماً يفيد بالشكوى والتضجر من التعاطي السلبي مع منصات التواصل، ومن تأثير الجرائم الإلكترونية بكل أصنافها على الاستقرار العام.
وسمعت «القدس العربي» أيضاً كلاماً من الثلاثي المشار إليه وغيرهم عن صعوبة هضم فكرة التواطؤ ومن ثم الاستسلام لهذه الجرائم وللسموم الإلكترونية والتعامل معها باعتبارها نتيجة أو قدراً سياسياً.
يفهم الصفدي على الأقل من موقعه بأن الممارسات السلبية والضارة على أمن المجتمع واجب السلطات التعاطي معها، مع التأكيد على أن فرض قيود على حريات التعبير المنطقية والهادفة والوطنية ليس هو المطلوب ولا يشكل حلاً.
لذلك، يفهم من هذه المساجلات أن نخبة السلطات الأردنية كانت معنية بالإجابة عن السؤال: كيف نحمي مصالح المجتمع والدولة من عمليات الاستهداف والذباب الإلكتروني الخارجي ومن الممارسات الخاطئة الضارة على الشبكة دون التورط بحالة تقنية وتشريعية تمس بمبدأ حريات التعبير المسؤولة؟
الخوف كبير، ولا يزال جمهور «الحقوق الحرياتية التعبيرية» قلقاً من تطبيق قواعد الاشتباك التشريعي الجديدة؛ لأن تجارب الماضي تشير إلى أن تمكين أذرع السلطة من نصوص قانونية فيها قيود وعقوبات مغلظة هو تمكين استخدم على نحو أو آخر في قمع حريات التعبير والرأي الآخر والمعارضين السياسيين. وهو أمر رصده كما أفاد لـ «القدس العربي» عدة مرات ناشط حقوقي بارز مثل المحامي عاصم العمري.

سيطرة سيادية على البيئة الرقمية

ومع تواصل الجدل في الأردن حول القانون المعدل الجديد إزاء الجرائم الإلكترونية، يمكن القول إن خطة الحكومة لم توفر الضمانات المطلوبة، وتبدو مخيفة لأنها تستخدم كل تداعيات ومنتجات ممارسات التعبير السامة على الشبكة كذريعة للانقضاض وتقليص حريات التعبير.
ومن هنا قد تكون الحكومة قد أخطأت في الاجتهاد وهي تبرر توسيع صلاحيات قانون الجرائم الإلكترونية بالحديث فقط عن 220 ألف حساب وهمي من جهة خارجية، فالأمن السيبراني يعني أن تتصدى الحكومة لهذه الحسابات وترصدها وتمنعها قبل وصولها للأردنيين. ولا يعني فقط فرض قيود وغرامات مالية كبيرة على منصات الداخل الأردني، فتلك تحتاج لمعالجات مختلفة.
تحدث الوزير الشبول أمام اللجنة القانونية للنواب، أمس الاثنين، عن سيطرة سيادية على البيئة الرقمية المهيمنة، وعن إعلانات إلكترونية صدرت من السوق المحلي بمقدار 116 مليون دولار لم تستفد منها وسائل الإعلام الوطنية.
لكن مثل هذا الخطاب يصعد في التبرير والتسويغ دون أي إشارة إلى أن مطبخ الحكومة يخصص الاهتمام الكافي والمنطقي لمعالجة أزمة الرواية والسرد داخل وفي عمق مؤسسات الإعلام الرسمي.
ودون القول بأن حصول وسائل إعلام محلية على حصة من سوق الإعلانات الإلكترونية ليس وظيفة الحكومة بالمقام الأول، بل واجب تلك الوسائل والمؤسسات التي ينبغي لها تطوير تقنياتها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى