اراء و مقالات

«هندسة الأحزاب» تضرب مجدداً في الأردن: انشقاقات مبكرة وتصدع وتزاحم بين «أصحاب الألقاب»

عمان- «القدس العربي» : عندما تعلق الأمر بـ«حزب إرادة» الجديد وتحت التأسيس في الأردن، تم تسجيل انسحاب أو انشقاق جديد من هذه التجربة التي راهن عليها طوال الأسابيع الماضية التيار الوسط الديمقراطي، كما يصف نفسه.
وفي رسالة خاصة وقبل وقت قصير من تسجيل حزب إرادة الجديد رسمياً، أعلن الناشط السياسي المعروف والبرلماني سابقاً عدنان السواعير، انسحابه من الحزب.
ونشر بياناً أو تصريحاً بحيثيات قراره الانسحاب من الحزب معتبراً أن الرؤية في مسألة التعددية الحزبية هي التي ينبغي أن تحكم جميع الاعتبارات.
وكان السواعير نفسه قد أبلغ «القدس العربي» في وقت سابق، بأن رهانه كبير على تأسيس حالة حزبية تدمج التيارين الديمقراطي والمدني بصيغة تخدم مستقبل العمل الحزبي في البلاد، لكن بيانه المعلن للانسحاب لاحقاً يظهر أن أمل به لم يتحقق لا بل وحسب مراقبين، قد لا يتحقق على الأقل عبر حزب إرادة.
لكن بعيداً عن بيان السواعير، يمكن القول بأن حزب إرادة الجديد، وهو ثاني أضخم الأحزاب التي تشكلت بعد ما سمي بمشروع تحديث المنظومة السياسية، شهد انسحاباً لأحد أبرز قادته المؤسسين. والسواعير هنا قد ينسحب معه أيضاً قريباً نشطاء آخرون راهنوا على هذه التجربة التي يقودها عملياً ومنذ أكثر من عام باتصالات اندماجية وزير العمل الأسبق نضال البطاينة، الذي بدوره لم يعلق على قرار رفيقه وزميله السواعير بالانسحاب المفاجئ، علماً بأن حزب الميثاق الوطني الجديد، وهو أضخم أحزاب الوسط حتى اللحظة على الأقل ضمن تيارات المنظومة السياسية، كان قد أعلن قبل أيام عن تقدمه ببيان التأسيس، وظهر في وثيقة الترخيص بأن حزب الميثاق يضم نخبة واسعة من قيادات مجلسي الأعيان والنواب والوزراء السابقين.
وأثار ذلك بطبيعة الحال، جدلاً في الأوساط الشعبية والسياسية بسبب تراكم عدد كبير من أصحاب الألقاب الرسمية السابقه ضمن تجربة حزب الميثاق، لكن عندما تعلق الأمر بانسحاب السواعير المفاجئ من تجربة حزب إرادة، استذكر الجميع حالة انشقاق نادرة وأولى في الحزب نفسه، كان رمزها الأبرز هو عضو البرلمان الأسبق قيس زيادين، الذي يمثل ما يسمى بالتيار المدني.
وكان زيادين قد انسحب مع مجموعة من نشطاء التيار المدني من حزب إرادة للأسباب نفسها التي ذكرها السواعير، متحدثاً أيضاً عن الرؤية والهدف وصعوبة تحقيقهما في ظل التجربة الحالية.
لكن لياقات الانسحاب هنا في الحالتين تؤشر على تجاهل الحقيقة الأبرز في ذلك الحزب الذي أريد له أن ينطلق من شمالي الأردن ويشكل مع حزب الميثاق حالة تنافسية ضد حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يمثل الإخوان المسلمين.
وتلك الانسحابات في حزب إرادة السياسي مؤشر مبكر على خلافات مع الأب الروحي للتجربة، ويبدو أن المؤشر الأكبر هو ذلك المتعلق بصعوبة إنضاج تجربة الأحزاب الجديده في ظل ما يسميه القيادي في حزب الإنقاذ الشيخ سالم الفلاحات بـ»أحزاب الأنابيب».
وكانت الكثير من الآراء والاجتهادات في الساحة السياسية قد حذرت طوال الوقت من تأثيرات سلبية لعملية تسمين بعض الأحزاب الجديدة والتدخل في تشكيلها.
والتحذيرات تجددت مؤخراً على لسان أبرز رموز التيار المدني في البلاد، وهو وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، في محاضرة له علناً، من صعوبة إنجاز الإصلاح السياسي حقاً في ظل الواقع الذي يشير إلى أن هندسة الانتخابات تم استبدالها بهندسة الأحزاب.
وهذه إشارة إلى تدخلات رسمية أحياناً وبيروقراطية في تأسيس وتشكيل أحزاب المنظومة السياسية، وبالتالي يقفز في الجدالات أدب الانشقاقات والانسحابات والتصدعات المبكرة.
كما يقفز إلى الواجهة مجدداً تلك التعبيرات التي تتحدث عن انهيارات وتقلصات مسبقة في تجارب الأحزاب الجديدة التي تحاول الاستثمار في مشروع تحديث المنظومة السياسية قبل حتى تكوين التجارب أو تشكيلها، في الوقت الذي تقفز فيه إلى السطح أيضاً التعبيرات التي لا توحي بالإيجابية، مثل أحزاب الأنابيب، وهندسة الأحزاب، الأمر الذي يشير ضمناً إلى صعوبات بالغة، مع أن برنامج تحديث المنظومة السياسية لم يكتمل بعد.
ثمة هنا ما هو أبعد في تفسير الحالة الهلامية، وهو التزاحم داخل التكوينات الحزبية الجديدة بين «أصحاب الألقاب»، الذين لا يعرفون شيئاً أصلاً عن العمل الحزبي والديمقراطي ويصرون على مواقع الصف الأول، ويديرون عبر قيادات ونخب التشكيلات المستجدة لأغراض المنظومة سلسلة لا تنتهي من المجاملات السياسية والمتعلقة بالمنصاب داخل هيئات الحزب الجديد وبطريقة ينتج عنها انســـحابات وتصدعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى